قد تبتسم الحياة للبعض، لكنها قد تمنح البعض الآخر الكثير من الأمور التي لا تمنحها لغيرهم!
فيل فودين، لاعب نادي مانشستر سيتي الإنجليزي هو خير مثال على هذا التميز الكبير؛ ربما لأنه وُلد في مطلع الألفية الحديثة، تحديداً في عام 2000، وقبل أن يصل إلى العقد الثاني من الألفية، كان فيل أباً بالفعل.
وُلد في الأحياء الشعبية الإنجليزية، لكنه انتقل بسرعة البرق إلى صفوف فريق مانشستر سيتي، وتدرج في فئاته السنية حتى استطاع أن يصل إلى مرحلة عالية جداً من التفوق في صفوفه.
في التاسعة عشرة من عمره وُلد له روني، الابن الذي سيُصبح فيما بعد الواجهة الأبرز للأطفال في عالم كرة القدم بخفة ظله ومزحاته اللطيفة، وسيُصبح لديه حساب رسمي يتحدث فيه نيابة عن نفسه رغم أنه لم يُكمل الرابعة من عمره بعد.
روني، كان بمثابة نقطة تحول لفيل فودين، الذي لم يكن قد أكمل العشرين من عُمره في لحظة ولادته، لكن وصوله جعل فيل فودين يذهب بسرعة كبيرة نحو البحث عن التعاليم الأبوية التي يُريدها لنفسه والتي يُريد أن يُرسخها في طفله الصغير.
بعد الفوز التاريخي لمانشستر سيتي على حساب نادي إنتر ميلان، في نهائي بطولة دوري أبطال أوروبا موسم 2022-2023، خرج فيل فودين حاملاً لقب البطولة التي كانت تنقص هذه الموهبة الثرية فنياً ورقمياً.
وخرج كذلك حاملاً على عاتقيه نجله روني، الطفل الصغير الذي مازح الصحفيين ومُصوري الحدث، وفي الخارج كان فودين يُجهز للمُضي قدماً في التوقيع على عقد احترافي ليُصبح أحد عارضي الأزياء الأصغر سناً لأقرانه وهو في الرابعة من عمره، أو لم يصلها بعد!
في السابعة عشرة من عمره حصد فيل فودين لقب كأس العالم للشباب تحت 17 عاماً مع المنتخب الإنجليزي، وبعد بطولة استثنائية لجيل إنجليزي استطاع أن يتنقل بقوة في صفوف الدوري الإنجليزي وخارجه في الوقت الحالي.
كان فيل فودين هو القائد الأبرز في جيل من الشُبان، وسجل اسمه كما سجل الأهداف في البطولة؛ البطولة التي وضعت فودين كأفضل لاعب فيها فيما بعد باختيار الاتحاد الدولي لكرة القدم، الذي اختاره بناءً على الكثير من التفاصيل المهمة في تلك البطولة، التي لم تكن لتكون إنجليزية لو لم يوجد فيها فودين.
دخل فيل فودين موسوعة جينيس للأرقام القياسية؛ بسبب حصده للكثير من الألقاب الرئيسية العالمية في سن صغيرة، وأصبح في الوقت نفسه من أهم أوجه الاعتماد التي يلجأ إليها بيب غوارديولا متى أراد أن يبحث عن حل سحري في قوام مانشستر سيتي المُدجج بالأسماء اللامعة.
موهبة فيل فودين لم تأتِ من العدم، بل وُلدت من الأحياء الشعبية والظروف غير الاعتيادية التي لا توجد في الأكاديميات عادةً، حيث كان يلعب في الملاعب الخرسانية التي يستعصى لعب كرة القدم عليها كما تُلعب في الرواق الأخضر.
اعتاد فيل فودين في صغره أن يلعب مع الأجسام الأضخم والأكبر منه بكثير، وقال فيل فودين إن هذه المميزات منحته الكثير من الحقوق بشأن الوجود بقوة في منافسات أصعب وأكبر من عمره، لكنه كان قادراً على أن يظهر فيها كما لو كان مُتمرساً فيها منذ سنوات.
دخل فيل فودين تشكيلة مانشستر سيتي، رغم الإنفاق الخيالي الذي يُنفقه نادي مانشستر سيتي بشكل مُنتظم، ورغم أن مانشستر سيتي كان يعرف أن فيل فودين موهبة كبيرة، لكن ربما لم يكن الاعتماد عليه سيتم دون موافقة بيب غوارديولا.
غوارديولا الذي يرى في فيل فودين أفضل موهبة رآها في مسيرته التدريبية وربما في حياته؛ نظراً لهذا الكم الكبير من التأثير في مرحلة عمرية صغيرة.
ماذا حقق فيل فودين رغم صغر سنه؟ بل ماذا لم يُحقق؟
حقق فيل فودين كل شيء تقريباً: الدوري الإنجليزي الممتاز، كأس إنجلترا، كأس الرابطة الإنجليزية، دوري أبطال أوروبا، كأس السوبر الأوروبي، كأس العالم للأندية، كأس العالم للشباب، ولم يكن مجرد ضيف في هذه المحافل الكُبرى!
يرتدي فيل فودين الرقم 47 مع فريق مانشستر سيتي، وهو رقم قد يبدو غريباً بالنسبة للاعب في هذه الفئة العمرية، لكن السبب الرئيسي بالنسبة لارتداء هذا الرقم بالتحديد؛ هو جده الأكبر الذي تُوفي في السابعة والأربعين من عمره بالفعل، والذي كان اسمه بالمناسبة هو "روني" نفس اسم ابن فيل الحالي.
لم يُكمل فيل فودين الرابعة والعشرين حتى الآن من عمره، لكنه في الوقت نفسه يمتلك تقريباً كل ما يحلم به من هُم في عمره وأكثر: يلعب في صفوف مانشستر سيتي، وبصفة أساسية، ويلعب في صفوف المنتخب الإنجليزي الأول، علاوة على كل هذه الألقاب الكثيرة التي تفوق مرحلته العمرية وثباته الكبير فيها.
علم فودين ذات مرة من سيرجيو أجويرو، أن النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي، كان قد سأل أجويرو عن موهبة فودين التي تروق له، وأخبره أجويرو أن فودين يتمتع بموهبة كبيرة جداً، خاصة في التدريبات، ويفعل أشياء مُشابهة لما يفعلها ميسي نفسه في المستطيل الأخضر.
لكن فودين نفسه هو من اتخذ ليونيل ميسي قدوة له، حيث قال النجم الإنجليزي إنه شاهد تلك الأمسية التي لعبها برشلونة أمام نادي مانشستر سيتي في بطولة دوري أبطال أوروبا في العقد الماضي.
شاهد كيف لعب ليونيل ميسي والنجم البرازيلي داني ألفيس كرة لم تُفارق قدميهما، وكانا يتناقلانها بشكل واضح وممتاز، وهو أمر جعل فودين يُحاول استنساخ نفس الفكرة لديه ويُحاول التدرب عليها لسنوات، وبالفعل نجح في الحفاظ على الكرة في قدمه مثلما يُشاهده الجميع في الوقت الراهن، بلا أية مُعوقات ولا أحد يستطيع إيقافه من هذه المهارة التي لا يمتاز بها الإنجليز عادةً!
وبذلك، يكون فيل فودين هو الحلم الذي يُمكن أن يحلم به أقران جيله، من الإنجازات الجماعية إلى الفردية، حتى إلى النجاح في الشق الأسري، الذي لم يكتفِ فيه بوجوده رفقة ابنه روني، بل حتى إنه سدد دين أسرته القديم ومنحهم منازل ذات قيمة تليق بآباء لاعب منتخب إنجلترا الذي حقق كل شيء لكنه أبداً لم يكن بحاجة إلى الاستعراض ولا التفاخر بذلك.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.