في أرض شمال غزة؛ حيث الحياة تتلاشى تحت وطأة الحصار والقصف الهمجي للاحتلال، تكشف الأيام عن واقع مروّع يصعب على العقل تصوّره. غزة، تلك الأرض التي أصبحت أرضاً منكوبة، لا تصلح للحياة، لم تعد توفر الحد الأدنى من مقومات الحياة الإنسانية. العائلات التي كانت تسكن هذه الأرض، وجدت نفسها فجأة أمام واقع جديد، حيث البقاء للأكثر قدرة على تحمل الجوع والعطش والبرد.
تصريحات المنظمات الدولية تتوالى، محذرة من كارثة إنسانية غير مسبوقة. يقول ممثل الأمم المتحدة في الشرق الأوسط: "نحن أمام واحدة من أصعب الأزمات الإنسانية في العصر الحديث. عدم وصول المساعدات الأساسية يهدد بموت المئات جوعاً يومياً في غزة." وفي الوقت الذي تتكدس فيه الأنقاض فوق ذكريات العائلات، يصبح انتظار الموت الوشيك هو الرفيق الدائم لهم.
التعنت والإغلاق المستمر من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي لا يزيد الوضع إلا تأزماً؛ حيث يتم استخدام الجوع والعطش كأسلحة لإبادة الفلسطينيين وكل ما يتعلق بهم، ناهيك عن زيادة معدل القتل بكافة الأشكال الأخرى، سواء بالقنص المباشر أو القصف وسرقة الأعضاء في تحدٍ صارخ لكل القوانين والمعاهدات الدولية التي تنادي بحماية المدنيين في زمن الحروب.
الكارثة الإنسانية في شمال غزة.. النسيان الذي لا يُغتفر
في قلب غزة، تتكشف مأساة لا يمكن للكلمات أن تصف بشاعتها. الأرض التي كانت يوماً مليئة بالحياة، أصبحت اليوم مسرحاً لكارثة إنسانية تتعدى حدود الألم الإنساني. غزة، التي تحاصرها الجدران من كل جانب، تشهد الآن استنزافاً لأبسط مقومات الحياة؛ حيث يتقطع صراخ الأطفال بين أنقاض المنازل التي كانت يوماً مليئة بالضحك والحياة.
المياه الملوثة والغذاء النادر والدواء المفقود، كلها تجسد جوانب من معاناة لم تنتهِ، في ظل حصار يخنق الأنفاس وقصف يمزق الأشلاء. في شمال غزة، حيث الظلام يلف الليل والنهار بسبب انقطاع الكهرباء، تتحول المستشفيات إلى مشاهد من اليأس حيث يفوق عدد الجرحى والمرضى طاقاتها الاستيعابية، فيصبح الموت لا بسبب القصف والقنص كافياً، بل يصبح الموت بسبب نقص العلاج ورداءة الرعاية الصحية حقيقة مريرة يومية.
الأمم المتحدة وصفت الوضع بأنه "جحيم على الأرض"، حيث يتم دفع الناس إلى الهاوية، مع تحذيرات متكررة من أن غزة تقف على شفا الانهيار، وتنادي بوقف فوري لإطلاق النار وتوفير ممرات إنسانية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
في هذه اللحظات الحرجة، يشارك العالم بصمته في الجريمة البشعة، فالعالم يشاهد المجازر عن كثب، والمسؤولون أيضاً يشاهدون الكارثة والمعاناة الإنسانية في غزة دون ردة فعل حقيقية، بل على العكس بعضهم يقدم مساعدات بكافة الأشكال والطرق للاحتلال.
في الشمال المحاصر؛ حيث تلاشت مقومات البقاء من طعام وماء، بسبب مواصلة الاحتلال الإسرائيلي الهمجي عمليات إبادته بحق أصحاب الأرض، بات الموت كظل يتربص بالأرواح المنهكة، فيما تحولت المستشفيات التي دمرها الاحتلال إلى صدى للأمل الضائع بإمكانياتها المحدودة وقدراتها المعدومة. وما زال يقف العالم، في صمت مطبق، يطلق الدعوات لوقف الحرب دون جدوى، ينادي بالسلام وهو يلقي بفتيل النيران. يأمل بإنقاذ الأطفال لكنه عاجز عن إيصال قوتهم ودوائهم. هل أصبح العالم لغزاً مبهماً، أم أن الإنسانية ضلّت طريقها في أحضان الشياطين؟
ربما، يكمُن الأمل في تكثيف جهود إيصال المساعدات الإنسانية والطبية وإيقاف دوامة الحرب، لبدء مرحلة جديدة من الجهود المكثفة لوقف نزيف غزة وإنقاذ ما تبقى من حياة. استمرار القتال يعني المزيد من المعاناة والموت البطيء لأهالي غزة، خصوصاً في الشمال؛ حيث تلوح في الأفق كارثة مجاعة تخطف الأرواح يوماً بعد يوم. عائلات تراقب أطفالها وهم يتألمون من الجوع، عاجزة عن تقديم العون، حتى إن بعضهم يلفظ أنفاسه الأخيرة في صمت مطبق. أي قسوة هذه، وأي جبروت يتحمله هؤلاء؟
أطفال يأكلون ما لا يُؤكل ويشربون مياهاً غير صالحة للشرب، في عالم يفترض أن يسوده العدل والقانون. أي عصر هذا الذي نعيش فيه، حيث تُنتهك الإنسانية على مرأى من الجميع؟
الحل يكمُن في إزالة الازدواجية وتفعيل القوانين الدولية بمحاسبة من ينتهكها، والنظر إلى جذور القضية بفهم عميق وزيادة الوعي العالمي حول حقيقة الوضع في فلسطين مقابل الادعاءات الإسرائيلية، لضمان تحقيق العدالة ووقف الظلم على الفلسطينيين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.