تسببت الهجمات التي قامت بها جماعة الحوثيين في البحر الأحمر في كثير من الخسائر التي لحقت بالتجارة والعالمية وكذلك بحركة الملاحة في قناة السويس، وقد باتت إسرائيل ومؤيدوها على المحك الآن بسبب هذه الهجمات التي لم تتوقف رغم الضربات الأمريكية والبريطانية داخل اليمن.
هذه الهجمات المستمرة من قبل الحوثيين منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أثرت على قناة السويس بشكل كبير وتسببت في تراجع عائدات قناة السويس إلى 32%، وأعتقد أنه مع استمرار الهجمات وعدم توقفها فإن هذا قد يؤدي إلى تعطيل قناة قناة السويس بشكل شبه كلي، وهو ما قد يتسبب في خسائر اقتصادية كبيرة لمصر أولاً وللولايات المتحدة والدول الأوروبية، إلى جانب إسرائيل.
إن إسرائيل وداعميها الغربيين، الذين حولوا المنطقة التي يقع فيها طريق التجارة البحرية الممتد من البحر الأحمر وقناة السويس إلى البحر الأبيض المتوسط، إلى حلقة من النار، يشعرون بقلق كبير من أي حادث بحري قد يقع في أي وقت. وإذا أُغلِقَت قناة السويس بسبب حادث سفينة محتمل أو صراع ناجم عن التوتر، كما في مارس/آذار 2021، فإن الدول الأوروبية وإسرائيل ستعاني أكثر من غيرها. تحصل الدول الغربية على معظم السلع التي توردها من الشرق الأوسط والشرق الأقصى عبر السفن التي تستخدم طريق البحر الأحمر وقناة السويس.
توقف نقل النفط والغاز الطبيعي المُسال
ستُمنَع الدول الأوروبية التي تمد هذه المنطقة باحتياجاتها من الغاز الطبيعي والنفط، خاصةً بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، من الوصول إلى أوروبا بالناقلات إذا أُغلِقَت قناة السويس. ويقول خبراء التجارة العالمية إن أي حادث في قناة السويس، سيؤدي إلى إغلاق القناة أمام حركة النقل لفترة طويلة، الأمر الذي سيعطل بشكل كبير تجارة الدول الغربية التي تدعم إسرائيل.
هناك تأخيراتٌ في تسليم سفن ناقلات الغاز الطبيعي المُسال المتجهة من قطر إلى أوروبا. وذكرت شركة قطر للطاقة، التي تأخر تسليم عشرات الناقلات التابعة لها حتى الآن، أنه قد تكون هناك اضطرابات حيث أُعيدَت جدولة تسليم شحنة الغاز الطبيعي المُسال عبر طرق بديلة. وتحدث تأخيرات مماثلة أيضاً على السفن التي تحمل النفط من المملكة السعودية إلى الدول الأوروبية.
قد يتحول ذلك إلى ضغط
يُذكَر أن الدول الغربية، التي تشعر بالقلق الشديد إزاء مثل هذا التطور الذي يمكن أن يحدث في أي وقت في المنطقة المضطربة. ويُذكَر أن هذه التطورات أحد الأسباب الأساسية التي تقف وراء الجهود التي تبذلها أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية للضغط على إسرائيل لوقف هجماتها الأخيرة على غزة. وتتزايد أهمية قناة السويس يوماً بعد يوم بالنسبة لأوروبا، التي تتاجر مع الصين والهند واليابان وباكستان وإندونيسيا، وهي أكبر دول آسيا، التي يتحول مركز ثقل الاقتصاد العالمي إليها. عقب اندلاع الهجمات الإسرائيلية على غزة، أدى التوتر المتزايد في المنطقة والأحداث التي شهدتها منطقة البحر الأحمر إلى ارتفاع كبير في أسعار نقل الحاويات الدولي. وأوقفت بعض مصانع السيارات في أوروبا، والتي كانت الأكثر تضرراً من انسداد البحر الأحمر، إنتاجها مؤقتاً بسبب تأخر الإمدادات. يتسبب تمديد أوقات السفر بسبب تحويل سفن الشحن طريقها إلى رأس الرجاء الصالح في اضطرابات في سلسلة التوريد في مختلف القطاعات.
انخفاض حركة المرور عبر السويس بنسبة 32%
يمر نحو 12% من إجمالي التجارة العالمية عبر قناة السويس التي يبلغ طولها 193 كيلومتراً، والتي تربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر. وقد انخفضت حركة المرور عبر قناة السويس بسبب التوتر الناجم عن الهجمات الإسرائيلية. وانخفضت حركة المرور عبر القناة، التي تمر بها 49 سفينة في المتوسط يومياً، بنسبة 40% في الشهرين الماضيين. أُغلقت قناة السويس أمام حركة الملاحة البحرية لمدة 6 أيام بعد تحطم سفينة الحاويات إيفرغيفن وجنوحها في مارس/آذار 2021. ولم تتمكن مئات السفن من المرور.
وبسبب استهداف سفن الشحن الإسرائيلية القادمة من اليمن والتوتر المستمر في البحر الأحمر، فإن السفن التجارية إما تعلق رحلاتها أو تنقلها إلى رأس الرجاء الصالح. ووفقاً لبحث PortWatch، الذي أنشأه صندوق النقد الدولي وجامعة أكسفورد، تضاعفت ممرات السفن في رأس الرجاء الصالح في الشهرين الماضيين وزاد حجم التجارة بنسبة 75%، رغم أن هذا الوضع يتسبب في تأخر تسليم شحنات البضائع ومضاعفة التكاليف.
وانخفضت نسبة العبور من مضيق باب المندب، وهو بوابة البحر الأحمر إلى المحيط، بأكثر من النصف في يناير/كانون الثاني مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. وانخفض العبور إلى أدنى مستوى لها منذ 30 مارس/آذار 2021. ويتعلق هذا الوضع بشكل وثيق بدول مثل المملكة السعودية واليمن والأردن وإسرائيل، التي لها سواحل على البحر الأحمر. وانخفضت حركة السفن اليومية في المنطقة بنسبة 67% وانخفض حجم التجارة بنسبة 66%. وهذه الصورة تزيد من القلق، فهي تؤثر على أسعار الطاقة لأنها تعطل شحنات النفط والغاز الطبيعي.
الاقتصاد العالمي يواجه أزمة جديدة: أقساط التأمين على السفن
تؤخذ عوامل مختلفة في الاعتبار عند تحديد أقساط التأمين على السفن. في حين تحدد كل شركة تأمين أسعارها بناءً على تصورها للمخاطر، تؤخذ عوامل مثل ما إذا كانت السفينة لديها تأمين ضد الاختطاف أو الفدية والتدابير الأمنية الإضافية على متنها في الاعتبار.
بسبب التوتر المتصاعد في البحر الأحمر، بدأت الأقساط المطلوبة للتأمين ضد مخاطر الحرب في المنطقة في الارتفاع. يُشار إلى أن قسط مخاطر الحرب قد يكون العنصر الأكبر في تكلفة التأمين على السفينة التي قد تذهب إلى مناطق عالية الخطورة. وبعد هجمات غزة، عُلِمَ أن أقساط مخاطر الحرب الإضافية التي تدفعها السفن التي تزور موانئ المنطقة سوف تزيد بمقدار 10 أضعاف. علاوةً على ذلك، عُلِمَ أيضاً أن نظرة شركات التأمين إلى القنوات أصبحت سلبية بعد حادثة قناة السويس التي تسببت فيها الناقلة إيفرغيفن، والتي أغلقت القناة لعدة أيام وأثرت سلباً على التجارة العالمية.
وحذر صندوق النقد والبنك الدولي من أن حرب غزة والهجمات المرتبطة بها على الشحن عبر البحر الأحمر تشكّل تهديدات للاقتصاد العالمي. وقالت كريستالينا جورجييفا، المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، إنه إذا كانت هناك "عواقب أخرى في ما يتعلق بوجهة القتال، فقد يكون الأمر أكثر إشكالية بالنسبة للعالم ككل". وقالت جورجييفا أمام القمة العالمية للحكومات، وهي تجمع سنوي لقادة الأعمال والسياسيين في دبي، إن الآثار غير المباشرة للقتال يمكن أن تؤثر على العالم كلما طال أمد هذا القتال. وفي حديثه أيضاً خلال القمة، قال رئيس البنك الدولي أجاي بانغا إن "ما يحدث في غزة، ولكن أيضاً التحديات التي تواجه أوكرانيا.. والبحر الأحمر" هي من بين أكبر التحديات التي تواجه آفاق الاقتصاد العالمي. وقال: "عندما تضيف هذه المتغيرات إلى ما يتبين بالفعل أنه ربما يكون أقل نمو خلال الـ35 أو 40 عاماً الماضية.. فهذا شيء يتعين علينا مراقبته عن كثب".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.