رغم أنَّ إسرائيل وافقت أخيراً على التفاوض مع حماس في مسألة الأسرى والمحتجزين (الرهائن)، فإنَّ الاجتماعات الرباعية الأخيرة في القاهرة بين مسؤولين أمريكيين ومصريين وقطريين وإسرائيليين انتهت دون الإعلان عن التوصل إلى اتفاق تهدئة في قطاع غزة أو ولادة صفقة لتبادل الأسرى والمخطوفين والتي يبدو أن من أسباب الفشل فيها عدم قبول حماس بأسلوب التفاوض والطرح الهدفي الإسرائيلي، وقد أغلق نتنياهو باب العودة الاستئنافي في تصريح له بأنه لن يرسل وفداً إلى القاهرة للمشاركة في اللقاء القادم.
رغم أن الإدارة الأمريكية أعربت عن تفاؤلها بالتوصل إلى صفقة تهدئة وتحرير رهائن قبل شهر رمضان المبارك، خاصة على لسان وزير الخارجية أنتوني بلينكن، فإنّ رئيس المكتب السياسي لـ"حماس"، إسماعيل هنية، قد صرح يوم السبت 17 فبراير/شباط 2024، بما نصه: "لن نرضى بأقل من الوقف الكامل للحرب، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع قبل اتفاق الهدنة"، رغم استدراكه معلناً أن المقاومة تتعامل مع المفاوضات الجارية في القاهرة بروح عالية وإيجابية.
وهذا دليل واضح على أن المقاومة ليست داعية حرب ونزاع وصدام ولا ترفض التفاوض مع إسرائيل للوصول إلى حل يرضي الطرفين، ولكنها ترفض التزمت الإسرائيلي في طرح برنامجها الخاص بالتفاوض، لأنه لا يلبي المتطلبات الإنسانية التي يتضمنها برنامج المقاومة الفلسطينية، فضلاً عن أنه متأتٍ بصياغته من طريق نظرة فوقية متعالية وليست نظرة الند للند.
وهذا التصريح الأساس والمستأنف بعده يعبران عن مرونة القيادة العامة للمقاومة الفلسطينية في التعامل المطلوب مع طبيعة الحدث الدموي الجاري الآن في غزة، وكذلك يعبران عن صلابة المقاومة الفلسطينية وقدرتها العسكرية على مواصلة القتال وتشخيصها الصحيح لتداعيات الحرب ومخلفاتها في تلبية أهدافها في إقامة الدولة الفلسطينية، وهما في الوقت ذاته يدلان على سلامة الطرح الفكري التشخيصي لقيادة حركة حماس السياسية في تعاملها الدبلوماسي المتشدد مع عدو متغطرس يرفع العنصرية البشرية والتطرف الديني كشعار أيديولوجي ديني وديموغرافي ويتبنّاهما بكل ما أوتي من قوة مشفوعة بالدعم الأمريكي المتواصل براً وبحراً وجواً كمُسلمات هدفية لا بد من تحقيقها مهما طال الزمن.
وكذلك موقف القيادة العسكرية المتمثلة بيحيى السنوار ورفاقه في ساحة القتال في مواجهة الجيش الإسرائيلي الذي ورَّدت له الإدارة الأمريكية يوم الأحد صفقة أسلحة فيها أعداد كثيرة من البنادق الفتاكة دون أخذ موافقة الكونغرس على تخصيصها وتوريدها إلى إسرائيل.
وستستمر المقاومة في مواجهة الجيش الإسرائيلي بجبهات القتال حتى تتحقق أهدافها من عملية طوفان الأقصى، فليس من المعقول بمكانٍ أن يقدم الشعب الفلسطيني كل هذه التضحيات، آلاف الشهداء- ما يقرب من 29 ألف شهيد- وآلاف الجرحى- أكثر من 70 ألف جريح ومصاب- وملايين المهجرين، ودمار المنازل، وتحتها مطمورة جثث أهلها المدنيين الأبرياء من النساء والشيوخ والأطفال، فضلاً عن جوع الأحياء منهم وعطشهم ومعاناتهم من البرد، وعدم القدرة على النوم، وخراب البنية التحتية للمجتمع الغزاوي، فلن يرضى الفلسطينيون بما تمليه عليهم إسرائيل من شروط، ولا تقبل بأي ضغط من قبل أي طرف من الوسطاء للرضوخ للمطالب الإسرائيلية التي ليس فيها مطالب وازنة للطرفين.
علاوة على التحكم في المصير العام للفلسطينيين، لنفرض جدلاً لخدمة الفلسطينيين ومساعدتهم بشكل إنساني من قبل الإدارة الأمريكية ومعها بعض الوسطاء من بعض الدول العربية وعلى رأسهم قطر، الذين يسعون دون طائل بسبب تعنت إسرائيل، إلى إيقاف الحرب لمدة 6 أسابيع، والتحاور من أجل إقامة دولة فلسطينية والتي أعلنت الحكومة الإسرائيلية رفضها على لسان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي قال يوم الجمعة الماضي: "إن إسرائيل ترفض الضغوط للقبول بإقامة دولة فلسطينية"، وذلك بعدما أفادت صحيفة واشنطن بوست في تقرير، بأن الولايات المتحدة- الحليف الرئيسي لإسرائيل- تعمل على خطط لإقامة دولة فلسطينية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.