آيات من آل عمران قرأتها اليوم فلم أتمالك نفسي وبكيتُ كثيراً لحالي وحال أطفال غزّة الذين يموتون جوعاً؛ ويا ليت البكاء يشفع لصاحبه. يقول الله عزّ وجل في محكم تنزيله: (سارعوا إلى مغفرة من ربّكم وجنّة عرضها السّماوات والأرض أُعدّت للمتّقين). صدق الله مولانا العظيم. وكأنّني أقرؤها لأوّل مرّة.
ثم تأتي من بعدها الآية الكريمة: (الذين ينفقون في السرّاء والضرّاء والكاظمين الغيظ والعافين عن النّاس والله يحبّ المحسنين). وأجهشتُ بالبكاء، من كثرة الخوف والخجل من الله وما نحن عليه. وخشيتُ أن تسمعني أو تراني الزوجة أو أحد الأبناء؛ فينصدموا ويفزعوا، فتوقفتُ عن البكاء والنّحيب؛ اللّهم فاشهد أنّا مثل النساء، وليس لنا سوى البكاء أو النّحيب في هذا العالم الأهوج.
لقد قرأتُ مثلهن في عديد المرّات، لكنّني لم أشعر بذات الرهبة والحزن، ولعلّ ذلك بسبب هؤلاء الأطفال الذين يموتون جوعاً، بينما نحن نأكل بالأرطال ونشرب بالسطول وننام باللّيل ونمد السّيقان الطوال.
ويضيف المولى تعالى ويقول وهو أعزّ من قائل: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلاّ الله ولم يُصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون). وحمدت الله كثيراً على هذا العفو الربّاني وهذه المغفرة بالمجّان، وأثلج صدري هذا الكلام.
ثم ما لبثتُ أن عدتُ إلى البكاء ثانية وأنا أقرأ الآية الكريمة: (قد خلت من قبلكم سننٌ فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذّبين). وبعدها: (هذا بيان للنّاس وهدًى وموعظة للمتّقين" لكنّني حمدتُ الله على وجود إله لهذا العالم الأرعن. وأنّه لن يترك هؤلاء الأطفال الأبرياء الذين يدفعون ثمن أفعال هؤلاء المجرمين الكبار، وليس من ذنب لهم سوى أنّهم قد خرجوا من بطون أمّهاتهم إلى هذا العالم الحقير وهم ضعاف، لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضرّاً.
لقد ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بالمشاهد المروّعة لأطفال غزّة وهم أموات وأشلاء، وهم شبه أحياء؛ ومن مات فيهم فهو مرحوم عند ربه، فلتسقط القنابل كما تشاء؛ فما يضرّ الشاة سلخها بعد ذبحها.
وأمّا الذي يدمي القلب وتدمع له العين حقاً: طفل عفِر الوجه، يقتات من بقايا الجذور الميّتة يخرجها من تحت التراب.
في عالم أهوج أرعن كهذا هناك من لا يكترث ولا يهتم، ولا يشغل باله حتّى؛ مثل هؤلاء الملوك، والأمراء، والرؤساء العرب؛ أصحاب السعادة والفخامة والمجد، الجبناء والأنذال الأقذار. ولو كان في هؤلاء ذرّة كرامة أو قطرة من دم لفتحوا لنا الأبواب على مصراعيها. وبما أنّهم جبناء أنذال فلن يفتحوها، ولن يفعلوا ولن يستطيعوا فعل ذلك، لأنّهم أذل وأحقر مما نظنّ ونعتقد.
شرذمة من المرتزقة المحتلين تتحدّى أمّة كاملة؟
يا له من أمر عُجاب!
ما الذي أصاب هذه الأمّة؟
شرذمة من المحتلين لا يتجاوز عددها عدد سكان إحدى العواصم العربية، تتحدّى كل هذه الملايين من الجيوش المدجّجة بأنواع الأسلحة والصورايخ والطّائرات المتنوّعة؛ "الصاعقة" و"الماحقة" التي ينفق عليها بالمليارات!
لعلّ الغرب أفضل منّا، فهو على الأقل لا يمنع المظاهرات على أرضه. ولا يبخل بالمساندة، ولو ببعض الكلمات… ولعلّ بعض رؤساء الغرب أفضل بكثير من هؤلاء الأمراء والرؤساء العرب، أصحاب النذالة والقذارة الجبناء، الذين عجزوا عن فتح الأبواب على الأقل، إن لم يكونوا قادرين على مجرّد التنديد والوعيد. بل إنّهم أحقر وأذل وأجبن مما نظن ونعتقد؛ فقد سارع بعضهم إلى تقديم المساعدات لقتلة أطفال غزّة الأبرياء.
كيف لأبناء هذه الأمة التي نُصرت بالرّعب مسيرة شهر أن تقبل بهذا الواقع المرير؟!
ولكن، ما دام هناك رب فلا خوف على أهل غزّة؛ من مات منهم فهو ينعم في الجنة؛ مع الصدّيقين والشهداء، وحسن أولئك رفيقاً. ومن لا يزال على قيد الحياة فحسبه ما قاله الله تعالى في هذه الآية الكريمة: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين).
وأمّا الأمراء والرؤساء الذين تخلوا عن أطفال غزة؛ فلا نامت أعين الجبناء.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.