هل يصلح السيسي وأردوغان ما أفسده الماضي بينهما؟! عهد جديد في العلاقات المصرية التركية

عربي بوست
تم النشر: 2024/02/15 الساعة 11:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/02/15 الساعة 11:54 بتوقيت غرينتش
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مع نظيره المصري خلال زيارة مسجد وضريح "الإمام الشافعي"، على هامش زيارة أردوغان الرسمية إلى القاهرة/ وكالة الأناضول

أظهرت العلاقات التركية المصرية، التي انقطعت بعد انقلاب الفريق عبد الفتاح السيسي على الرئيس المصري محمد مرسي في عام 2013، بوادر على التطبيع، عندما تصافح أردوغان والسيسي في الدوحة في عام 2021. وجاء التقدم الأول في عملية التطبيع هذه مع اجتماعات مسؤولي المخابرات في البلدين، ثم بعد ذلك تسارعت وتيرة هذه المحادثات عندما أعادت الحكومتان فتح سفارتيهما العام الماضي. ويوم الأربعاء 14 فبراير/شباط، أظهرت الزيارة الرسمية التي أجراها الرئيس التركي أردوغان إلى القاهرة لأول مرة منذ سنوات، أن عملية التطبيع هذه تسير الآن على الطريق الصحيح. وفي التصريحات الصحفية التي أُلقيَت بعد هذا اللقاء، حيث نوقش التعاون الدبلوماسي والعسكري والاقتصادي، كانت القضية الفلسطينية هي محور اهتمام الزعيمين. وقد أثبتت القضية الفلسطينية مرة أخرى أنها قضية أساسية للمنطقة في العديد من الموضوعات.

وهناك بعض العوامل المهمة لتحقيق التقارب بين تركيا ومصر؛ بعضها تمثل قضايا عامة تهم البلدين والمنطقة بأكملها، بينما البعض الآخر يتعلق بقضايا محددة، يمكنها تعزيز العلاقات بطريقة مربحة للجانبين.

 السيسي وأردوغان
السيسي يستقبل أردوغان في القاهرة/الأناضول

وتتضمن عملية التطبيع بعض النقاط المهمة بالنسبة لمصر. بدايةً، تعاني إدارة السيسي في مصر من بعض مشكلات الحوكمة. ومن خلال التقارب مع تركيا، أظهرت الإدارة المصرية للرأي العام المحلي أنها وضعت "العداوات العاطفية" جانباً من أجل مصالح البلاد والمنطقة؛ خاصةً عندما نأخذ في الاعتبار أنَّ القضية الفلسطينية لا يمكن حلها في غياب ثلاث قوى إقليمية مهمة، مثل تركيا ومصر وإيران. لذا فإنَّ الإدارة المصرية تظهر أيضاً جهودها في هذا الصدد من خلال التقرب من تركيا. وبالتالي، يمكن القول إنَّ الرئيس المصري يهدف إلى تعزيز سلطته السياسية من خلال استعادة دعم الرأي العام داخل البلاد.

ثانياً، تريد مصر أيضاً التخفيف من الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي مع تركيا، التي تحمل آفاقاً تجارية عالية لمصر. ويعتمد الاقتصاد المصري اعتماداً كبيراً على الواردات، وقد شهدت قيمة الجنيه المصري تراجعاً كبيراً مقابل الدولار في السنوات الأخيرة، في حين ارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية. ويمكن ملاحظة أنَّ هذه الأزمة الاقتصادية أثرت أيضاً في السلطة السياسية في مصر. ومع ذلك، هناك إمكانات تجارية تستطيع من خلالها الجارتان عبر البحر المتوسط التخفيف من آثار الصعوبات الاقتصادية التي تعانيها كلتاهما. ومع عملية التطبيع، من المتوقع أن يزيد البلدان إجمالي حجم التجارة بينهما من حوالي 7 مليارات دولار أمريكي إلى 15 مليار دولار أمريكي. وسيكون هذا مربحاً للجانبين، اللذين يمران بأوقات اقتصادية صعبة.

ثالثاً، تجذب منتجات الصناعة الدفاعية التركية اهتمام مصر – بمعنى آخر تقتضيها الضرورة. وفي الأسبوع الماضي، أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أنَّ مصر مهتمة بالطائرات التركية من دون طيار، وكان هذا بالتأكيد لتعزيز قوتها ضد إثيوبيا في نزاعها معها بشأن سد النهضة على نهر النيل. ويرجع ذلك لأنَّ الطائرات بدون طيار التي سلَّمتها تركيا للحكومة المركزية خلال الحرب الأهلية في إثيوبيا قد غيرت مسار الحرب من خلال تعزيز قبضة الحكومة المركزية ضد جبهة تحرير شعب تيغراي. من ناحية أخرى، فقد عززت أيضاً قوة إثيوبيا ضد مصر. في مثل هذا الوضع، من الطبيعي تماماً بالنسبة لمصر، التي تعتبر نفقاتها العسكرية مرتفعة للغاية، على الرغم من الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها، أن ترغب في الحصول على طائرات تركية من دون طيار من أجل الحفاظ على التوازن العسكري، خاصة ضد إثيوبيا.

 السيسي وأردوغان

وبالنسبة لتركيا، تتمثل أهم النقاط في عملية التطبيع هذه في موارد الطاقة في شرق البحر المتوسط. تعرضت تركيا للإقصاء من مجال الطاقة في شرق البحر المتوسط ​​من قِبل منتدى غاز شرق البحر الأبيض المتوسط ​​الذي أنشأته مصر وإسرائيل واليونان والإدارة القبرصية اليونانية في جنوب قبرص وإيطاليا والأردن. وكان التحرك التركي ضد هذه المنظمة هو توقيع اتفاقية الاختصاص البحري مع حكومة الوفاق الوطني في ليبيا. وعلى الرغم من أنَّ هذه الخطوة لها أهمية حيوية بالنسبة لتركيا، فإنه لا يبدو صحياً جداً بالنسبة لتركيا أن تسعى إلى تحقيق هدف طويل الأمد للطاقة المستدامة في شرق البحر المتوسط ​​دون التعاون مع الدول المجاورة. لذلك، بالنسبة لتركيا، فإنَّ تطبيع العلاقات مع مصر قد يمهد الطريق لإنهاء عزلتها في شرق الأبيض المتوسط. وفي يوم الاجتماع بين أردوغان والسيسي، يمكن ملاحظة أنَّ الصحافة اليونانية كانت قلقة للغاية بشأن إمكانية التعاون بين تركيا ومصر في شرق البحر المتوسط. وفي الواقع، قلقها هذا مبرر؛ فبرغم أنَّ مثل هذا الاتفاق يبدو مستبعداً على المدى القصير، فإنه على المديين المتوسط ​​والطويل، قد يتوصل البلدان إلى اتفاق بشأن شرق البحر المتوسط ​​بعد التطبيع الكامل في ليبيا.

إضافة إلى ذلك، هناك جانب آخر مهم من عملية التطبيع مع مصر بالنسبة لتركيا يكمن في الأهمية التي توليها تركيا لتوسعاتها في أفريقيا. فقد عكفت تركيا على الاستثمار في مجالات الطاقة والزراعة والعقارات في العديد من المناطق في أفريقيا، وتعتزم مواصلة ذلك، ويبدو أنه من الصعب على تركيا الحفاظ على هذه النية على المدى الطويل دون مصر. وتمثل أفريقيا 10% من إجمالي الاستثمارات التركية في الخارج، وهو رقم ضخم. وعندما ننظر إلى المناطق التي تتركز فيها هذه غالبية هذه الاستثمارات، يمكن القول إنها مناطق تقع في دائرة النفوذ المصري. ومن ناحية أخرى، من الممكن تحقيق استثمارات في منطقة جنوب الصحراء الكبرى ضد رغبة مصر -لكن ذلك سيكون صعباً. ولذلك فإنَّ التطبيع مع مصر يعد قضية مهمة بالنسبة للاستثمارات الاقتصادية الخارجية لتركيا.

وتبرز القضية الليبية أيضاً باعتبارها نقطة مشتركة ذات أهمية لكلا البلدين في تطبيع العلاقات. ففي حقبة ما بعد القذافي، صار لليبيا معانٍ مختلفة على المستويين الاقتصادي والأمني ​​بالنسبة لتركيا، التي تدعم حكومة الوفاق الوطني، ومصر، التي تدعم الجيش الوطني الليبي. بالنسبة لتركيا، تتمتع ليبيا بأهمية حيوية للحفاظ على وجودها في شرق البحر المتوسط ​​بفضل اتفاقية التفويض البحري الموقعة مع حكومة الوفاق الوطني. وهذا هو السبب وراء دعم تركيا الجاد لحكومة الوفاق الوطني رغم كل من مصر وروسيا. من ناحية أخرى، بالنسبة لمصر، تمثل ليبيا قضية ذات توجه أمني أكبر. وتكمن أهمية ليبيا لمصر في تجنب التهديدات التي تشكلها دولة مجاورة غير مستقرة، وتدعم الجيش الوطني الليبي الموالي لحفتر منذ فترة طويلة. لكننا اليوم نرى أنَّ كلا الدولتين ليس لديهما خلافات حادة فيما يتعلق بليبيا كما كان من قبل. ونظراً لأنَّ تركيا تتواصل مع أطراف أخرى غير حكومة الوفاق الوطني، وتتواصل مصر مع أطراف أخرى غير الجيش الوطني الليبي، فقد تحولت كلتا الدولتين إلى موقف أكثر مرونة بشأن ليبيا. وهذا من ناحية، عامل يمهد لعملية التطبيع بين تركيا ومصر، ومن ناحية أخرى، يفتح المجال أمام البلدين للتوصل إلى قرار مشترك بشأن ليبيا يتماشى مع توجه عملية التطبيع. إنَّ التوصل إلى اتفاق بين البلدين بشأن ليبيا هو المفتاح الذي سيجلب العديد من أوجه التعاون الأخرى.

واليوم، يمكننا القول إنَّ الشرق الأوسط انتقل من عملية الوفاق المصطنع، مثل اتفاقات إبراهيم، التي حاول الأطراف تنفيذها على الرغم من وجود العديد من المشكلات العالقة، إلى فترة وفاق حقيقي، مثل التطبيع التركي الخليجي، ثم التركي المصري، التي دخل فيها الطرفان واهتمامهما ينصبّ على خروج الجميع رابحاً. وأحد الأسباب الرئيسية لهذا الوضع هو إعادة إشعال القضية الفلسطينية. لقد ذكّرتنا القضية الفلسطينية مرة أخرى بأنها قضية أساسية ولا يمكن للدول العربية تطبيع علاقاتها مع إسرائيل دون حلها، ولا يمكن للفاعلين الإقليميين حلها دون استكمال عمليات التطبيع الخاصة بينهم. فحرب السابع من تشرين الأول/أكتوبر، التي وصفتها وسائل الإعلام الغربية بـ"الحرب التي وحدت الشرق الأوسط"، تمكنت من جمع دول المنطقة على أرضية مشتركة. لقد بدأت دول المنطقة تتقبل حقيقة أنَّ هذه المشكلة تخص المنطقة ولا يمكن حلها إلا من خلال مبادرة تخرج منها. وفي مثل هذا المناخ، فإنَّ تطبيع العلاقات بين تركيا ومصر لديه القدرة على خلق بيئة يفوز فيها كلا البلدين والمنطقة بأكملها.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد إشجان
كاتب وباحث تركي
نائب رئيس مركز العلاقات الدبلوماسية والدراسات السياسية التركي
تحميل المزيد