لك أن تتخيل مدى خطورة وصعوبة رحلة الهروب من الموت بالقصف، وصولاً إلى المصير المجهول مع شظف العيش، تلك الرحلة تسمى "النزوح".
"رفح"، تلك المدينة الصغيرة التي تُقدر مساحتها بنحو 32 كيلومتراً مربعاً التي تقع جنوب قطاع غزة على الحدود مع مصر، تحتضن ما يتجاوز مليون نازح بحسب التقديرات الرسمية، ففي هذا العالم الواسع تُرك أهل غزة ليواجهوا الموت وحدهم، ومن فرّ منهم من قصف الاحتلال الغاشم لم يجد سوى تلك البقعة الصغيرة "مدينة رفح"، لتكون محطة النجاة الأخيرة، ولكن هل استطاعوا النجاة رغم ذلك؟
كيف هي حياة النازحين برفح؟
آلاف العائلات بعد أن كانت تمتلك منزلاً يؤويها وتعيش فيه براحة، أصبحت بلا سكن ولا مأوى صالح للعيش سوى ما اضطرتهم له أوضاع النزوح، فمنهم من سكن القبور، ومنهم من سكن في أقفاص الدواجن، ومنهم من سكن الخيام في الشوارع والطرقات العامة وسط المدينة، إلا أن جميعهم اشتركوا بالمعاناة على اختلاف شكلها: من نقص الرعاية الطبية المطلوبة، وانتشار الأمراض، وهشاشة المأوى، وعدم توفر الغذاء، والماء، والكهرباء… فبعد الهروب من القصف كانت العديد من المخاطر في انتظارهم من انتشار للعدوى والأوبئة نتيجة الاكتظاظ السكاني ومياه الصرف الصحي الموجودة على أبواب الخيام التي نزحوا إليها، إلى جانب الظروف الجوية من برودة شديدة وأمطار تتسرب مياهها إلى داخل الخيام في ظل شح في الإمدادات والمساعدات والأغطية وغيرها من الصعوبات التي لا تصفها الكلمات.
القصف كابوس لا ينتهي
رغم كل ما يعانيه أهلنا برفح من صعوبات واستحالة الحياة في ظل عدم توافر الاحتياجات الأساسية، إلا أن تهديدات رئيس وزراء الكيان المحتل نتنياهو بعمليات عسكرية على رفح مستمرة، وسط تحذيرات عربية وغربية من كارثة إنسانية، فالاحتلال لم يكتفِ بالقصف المتواصل طوال 4 أشهر على غزة وتهجير الأهالي من بيوتهم، بل ما زال مستمراً في مطاردتهم وسط صمت عالمي وتعطل للقوانين الدولية عن العمل أمام كل ما يحدث من انتهاكات.
من أمِن العقوبة أساء الأدب
لم يكن الاجتياح العسكري لرفح مجرد تهديد، بل تحقق ليصبح مجزرة أخرى في حق المدنيين تضاف لسجل جرائم الاحتلال.
وحدثت فجر اليوم الإثنين 12 من فبراير، حيث شنّت قوات الاحتلال الإسرائيلي قصفاً مدفعياً عنيفاً وغاراتٍ مكثفة استهدفت مدينة رفح في مناطق متفرقة نتج عنها ارتقاء أكثر من 100 شهيد، بالإضافة إلى مئات الجرحى، كما استهدف القصف عدداً من المساجد والمنازل المأهولة بالسكان.
جريمة مروّعة ليست جديدة على الاحتلال، يكمل بها سلسلة انتهاكاته في حق المدنيين العزل بين أهدافه، ولكن تُرى ما الهدف من الاجتياح العسكري لمدينة مكتظة بالسكان والنازحين فجراً سوى مجرد الحصول على أي انتصار وهمي يُغطي الخسائر والهزائم النكراء التي ألحقتها المقاومة الفلسطينية بالعدو المحتل منذ السابع من أكتوبر بعملية طوفان الأقصى.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.