باكستان.. ما الذي تريده الديمقراطية؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/02/14 الساعة 10:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/02/14 الساعة 10:15 بتوقيت غرينتش
عمران خان/ رويترز

قد يأتلفُ مفهوم الديمقراطية في باكستان وقد يختلف، أما تآلفه فلأن باكستان بلدُ الربع مليار إنسان عايشت الديمقراطية في ظل تبعيات الغرب وهيمنته عليها بصورة غير مباشرة، أما الاختلاف فنجد روح الديمقراطية في باكستان وكأنها دولة بملامح الحريات والرؤى التحررية. 

فما أساس المؤتلف والمختلف في ديمقراطية باكستان، أو إن صح سُؤلُنا ما الذي تريده الديمقراطية من باكستان؟ 

ما يُقلِق العمل السياسي في باكستان عيشُه في أتونِ التفرقة؛ فمن أدبيات قيام الدولة أن تكون منظمة في دستورٍ توافقي أي هيكل سياسي متحرك يُرضي الجميع وتقبله النخب، والعامة. والدسترة المقنعة بسياسات خارجية هي ما قاد إلى حدوث صدوع حقيقية في بنية الدولة، والصدع الأكبر كان بانفصال بنغلاديش عن باكستان عام 1971 ومنها ما يتعلق ببناء الدولة العسكري فما بعد الكولونيالية كانت باكستان ضمن الدول التي عاينت حكم العسكر وعايشت ويلاته، ليحلق في سمائها مجموعة من الانقلابات أثرت في الوعي السياسي الباكستاني.

الانقلابات والقوميات ورود الديمقراطية الذابلة 

أن تعيش في قلقين: قلق الانفصال، وقلق الوحدة فهذا أكبر تحد في التكوين السياسي، إذ قامت باكستان على وحدة عامة في قوميات خمس تمتلك الحس الانفصالي: البنغالية المنفصلة، والقومية البنجابية، والقومية البشتونية، والقومية البلوشية، وهذه القوميات توحدت في تكوين جغرافي متنوع بالإضافة إلى موارد طبيعية متنوعة أكثر، والجمع بين ما هو وطني، وما هو قومي يحتاج إلى هَدْأَةٍ سياسية طويلة. 

أما عن حكم العسكر فقد كانت باكستان عرضة للعديد من الانقلابات عبر تاريخ ما بعد الاستعمار، وهي زمنياً وَفْقَ الآتِي: إطاحةُ القائد العسكري مُحمد أيوب خَان بحكومةِ إسكندر ميرزا المنتخبة؛ إذ إن هذه الحكومة مهدت لحالة من مَأْسَسةٍ شاملةٍ لحياة ديمقراطية متنوعة، ليأتي انقلاب أيوب خان وائداً لتلك المأسسة، معمقاً الحكم الشمولي، مضيقاً على السياسات العامة فيكون أثر كل ذلك حراك شعبي نخبوي تنحى على إثره أيوب خان عام 1969 ناقلاً السلطة لضابطٍ آخرَ يحملُ روحه وفكره وهو يحيى خان. ولكن استمرار الفشل جعل من يحيى خان يتنحى ليستلم السلطة ذو الفقار علي بوتو عام 1971 وفترة حكم الأخير كانت من أصعب الفترات إذ حَكَم باكستان بروحِ الانقسامِ، مع ولاءٍ تام النظير لأمريكا لتنتهي فترة حكمه على أعوادِ مشنقة بعد انقلابٍ عسكري قادَه محمد ضياء الحق. لعل فترة حكم ضياء الحق ظهر ما يسمى الإسلام السياسي، ففي حكمه تم التضييق على التكوين الحزبي والحريات، ولكن في الوقت نفسه نما ما يسمى الوازع الديني لتأتي الحرية الدينية مسيطرة على حكمه، وترنح حكمه بين الولاء السطحي والولاء الفعلي ليُقتل بتحطم طائرته عام 1988.

بمقتل ضياءِ الحق انتهت فترةُ عَسْكرة الدولة وبدأت مخاضات الحكم الديمقراطي بروحه المدنية التي لا تخلو من وطأة التقسيم القومي والديموغرافي ليأتي المشهد السياسي في التسعينيات مناصفة بين بينظير بوتو، ونواز شريف. عودة العسكر كانت بواجهة أشد تمسكاً بسياسات الدولة العميقة، فيأتي برويز مشرف ليقود انقلاباً عسكرياً عام 1999 وكأنه حمل روح الانقلابات السابقة، لكن انقلابه المدعوم من الغرب قاد لتوليفة سياسية ديمقراطية جديدة انتهت به للمنفى عام 2007 بعد أزمة قضائية.

الدولة في مواجهة الديمقراطية

بالتأكيد لا يمكن إغفال الاستحقاقات الدستورية التي رافقت الحياة السياسية في باكستان، وتلك الحياة السياسية لم تكن بمعزل عن اتجاهين: الأول سياسي نخبوي، والثاني بيروقراطي شَعبي، وهذه الحالة هي الحالة المشابهة لباكستان وما حولها مثل الهند، وهُنا أستعير مقولة المفكر السياسي الهندِي راجني كوتاري: الدولة في مواجهة الديمقراطية. لعل الاستحقاقات الدستورية لم تنشأ بين ما هو سياسي وبين ما هو بيروقراطي، بل في باكستان هناك ما يسمى الجهاز القضائي الذي كانت له السلطة في حل التكوينات السياسية وفق توجهات دستورية صحيحة.

القارئ للسياسة الباكستانية الداخلية يجد تناوبَ الحُكمِ أو ما يسمى القوة السلطوية بين الرئيس ورئيس الوزراء، كل ذلك وفق بناءٍ دستوري متغير بتغيرِ الحالةِ القيادية لا الحالة الشعبية، فعشراتُ التعديلاتِ الدستورية فَرضَتْ وجودَ أشخاص، وطرْدَ أشخاص، وهذا ما حدث في أزمتين سياسيتين هما أزمة برويز مشرف (2007) وأزمة عمران خان 2022، وذلك الأخير فيه أكبر مثال لهيمنة قوى النخبة، فكما ذكرنا عن دور القضاء السياسي ظهرَ دورُهُ بما يسمى المحكمة العليا الباكستانية لتوافق على قرار منح الثقة بحكومة عمران ليتم إسقاطها دستورياً وقضائياً، فتأتي أزمة سياسية عنوانها حزب الإنصاف.

من الأزمة القضائية الدستورية التي مر بها عمران خان جاءت انتخابات فبراير 2024، لنجد الغرابة السياسية خصوصاً في تعامل الإعلام مع نتائج الانتخابات إذ يقدَمُ نوعان من المستقلين: المستقلين مرشحي حزب الإنصاف، والمستقلين العاديين، أي أن حزب الإنصاف بزعامة عمران خان القابع في محبسه، والإشارات تشير إلى سيطرة الحزب على مقاعد البرلمان يليه حزب الرابطة الإسلامية وحزب الشعب والقومية المتحدة.

إن سؤال ما الذي تريده الديمقراطية في باكستان يتجه إلى النخبِ الحاكمةِ الذين يخوضون سُعار أزمة بيروقراطية متواصلة، لتكون الإجابة بمجموعة من التفجيرات راح ضحيتها العشرات، وليبقى المشهد السياسي ضبابياً بين مَن يشكّل حكومة، وبين مَن يرضى بها: الإنصاف بقيادة عمران خان، أم الرابطة الإسلامية بقيادة نواز شريف، وكلهم أقوياء، وما أجمل قول الشاعر رسول حمزاتوف: "الساسَةُ يعوزُهم الحِسُ المُرهَفْ ويفتقرونَ إلَى الخيالِ… أرادوا أن يقطعُوا قُرونَ الثَورِ فالتهموه"

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سالم الترابين
باحث في السياسة والفلسفة
باحث في السياسة والفلسفة
تحميل المزيد