العالم بين خيارين.. هل نحن أمام حرب عالمية ثالثة أم عهد جديد؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/02/08 الساعة 09:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/02/08 الساعة 09:30 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال زيارة سابقة لدولة الاحتلال/ رويترز

بينما تدخل الحرب في قطاع غزة شهرها الخامس، وتقترب الحرب في وسط شرق أوروبا على الجبهة الأوكرانية من دخول سنتها الثالثة، يقف العالم أمام مفترق طرق، وخيارين أساسيين، إما التسليم بالتحولات العملية المادية التي تُفرزها هذه المواجهات، وبالتالي القبول بنظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، وإما متابعة التنكر للوقائع المفروضة على الأرض والسعي لعكس اتجاهها رغم الظروف غير المواتية، وبالتالي ركوب مخاطر صراعات عسكرية أوسع، ما سيُحتّم في نهاية المطاف الولوج إلى حرب عالمية ثالثة.

 في غزة يتواصل تعثُّر مخطط الاحتلال الإسرائيلي الغربي للقضاء على المقاومة الفلسطينية في جناحها الأقوى حماس، ومشروع تهجير فلسطينيي القطاع إلى شبه جزيرة سيناء المصرية، كجزء من برنامج أوسع لإعادة رسم خرائط الشرق الأوسط، وتقسيم دول المنطقة على أسس طائفية وقبلية ودينية ومناطقية إلى ما بين 54 و56 دويلة متنافرة.

 إسرائيل تتكبد خسائر متصاعدة عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، وتواجه خطر الهجرة المضادة، ورغم التصريحات العلنية المتشددة لساسة تل أبيب، وتأكيداتهم حول التمسك بأهداف العملية العسكرية في غزة، فإنهم يقدمون مع مرور الأيام ما كانوا يعتبرونه سابقاً تنازلات، بتبريرات حول مسايرة الواقع، وتجنب العزلة الدولية، وإرضاء واشنطن ولندن وغيرهما. أحد آخر الأمثلة كانت تأكيدات واشنطن أنه من المتوقع أن توافق تل أبيب على ابتعاد "حزب الله" ما بين 8 و12 كم عن الحدود شمالاً، وذلك في إطار الاتصالات مع مبعوث الرئيس الأمريكي آموس هوكشتاين، وذلك بعد أن كانت تؤكد أنها ستصفي حزب الله بعد إتمام المهمة في غزة.

 إدارة الحكم في واشنطن تضرب أخماساً في أسداس في صراعات تعتبرها وجودية من وسط شرق أوروبا مروراً بالشرق الأوسط والقارة الأفريقية وحتى الشرق الأقصى، حيث يفرض العملاق الصيني وجوده عسكرياً واقتصادياً وسياسياً.

 وبالتوازي مع ذلك، تدور داخل الولايات المتحدة مواجهات بين أنصار خيارات وتوجهات سياسية متباينة، بين هؤلاء الذين يصرون على مواصلة واشنطن التمسك بمركز القطب العالمي المهيمن، بحكم كونها القوة العسكرية والاقتصادية الأولى في العالم، وبين هؤلاء الذين يطالبون بالاعتراف بواقع عالمي جديد، لا يمكن فيه لواشنطن أن تستمر في فرض إرادتها على الآخرين، خاصةً أن عناصر تفوقها في تقلّص، وإلا ستخاطر بمواجهة وحرب عالمية لا ضمانات لفوزها فيها.

توسيع نطاق الحرب في الشرق الأوسط بشنّ واشنطن ولندن هجمات بالصواريخ والطائرات على مواقع في اليمن وسوريا والعراق، يستجيب لمطالب الصقور في كل التحالف الغربي باتباع سياسة حافة الهاوية، لعل ذلك يحد من التحديات التي يواجهها الغرب في كل أرجاء العالم، ولكنه في الوقت نفسه يحمل في طياته أخطار خروج الأمور عن السيطرة.

في تحليل متقن نُشر بمجلة "ناشيونال إنترست"، يطرح المحلل السياسي العسكري جون هوفمان تحذيراً قوياً بأن الوقت ينفد بسرعة، أمام منع مذبحة أكبر في غزة واحتمالية تصاعد الأمر إلى حرب شاملة في المنطقة. هوفمان يلفت الانتباه إلى أن الشرق الأوسط قد يواجه عواقب وخيمة من هذه الأحداث، ما قد يهدد مصالح الولايات المتحدة على المدى الطويل ويقوضها لأجيال.

يُبرز تحليل هوفمان النقطة المحورية بأن النزاعات في الشرق الأوسط، من غزة مروراً بلبنان وسوريا والعراق، وصولاً إلى اليمن، لا يمكن حلها بالاعتماد على القوة العسكرية فقط. ويوضح هنا انجرار الولايات المتحدة وراء إسرائيل دون حسبان، فبذلك تدخّل واشنطن يشير إلى حروب في المنطقة دون أهداف سياسية مدروسة، ما يجعلها معارك خاسرة تفتقر إلى الرؤية الاستراتيجية الواضحة.

هذا التحليل، كما يوضح هوفمان، يسلّط الضوء على الحاجة الماسّة لإعادة تقييم الاستراتيجيات الحالية، والبحث عن حلول سياسية جذرية، تتجاوز الاعتماد المفرط على القوة العسكرية. فالوقت ينفد بسرعة، والفشل في التوصل إلى حل سياسي متوازن قد يؤدي إلى تداعيات لا يمكن السيطرة عليها، على استقرار المنطقة ومصالح القوى العالمية فيها.

 الأمر الذي يثير الاهتمام هو أن الساسة في واشنطن ولندن أساساً يعانون من عقدة فرار من الواقع، عند معالجتهم للصراع في فلسطين، حيث يصوّرونه كمواجهة مع إيران وأنصارها، متغاضين عن الحقيقة، وقد يكون التضليل مقصوداً لاستغلال والاستفادة من الصراعات الطائفية.

العالم بين خيارين.. هل نحن أمام حرب عالمية ثالثة أم عهد جديد؟
إدارة بايدن أمام معضلة.. الصراع في الشرق الأوسط أصبح أكثر إلحاحاً في السياسة الخارجية الأمريكية/ رويترز

إن الحرب الدائرة في الشرق الأوسط وأوروبا تذكرنا بالتوترات التي سبقت الحروب الكبرى في التاريخ، مثل الحرب العالمية الثانية. هذه الفترة من التاريخ كانت مليئة بالصراعات الإقليمية التي تفاقمت إلى أزمات عالمية، وهو ما يظهر بوضوح في الأحداث الجارية اليوم، من الغزو الروسي لأوكرانيا إلى العدوان الإسرائيلي على غزة، وكذلك التحركات الصينية في آسيا.

في ظل استمرار الحرب على غزة دون أفق سياسي، واستمرار الصراع في أوكرانيا، يبدو أن العالم يقف عند نقطة تحول حاسمة، محتدماً بين خيارين جذريين: الاعتراف بالتغيرات الجيوسياسية الناجمة عن هذه الصراعات والتأقلم مع نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، أو الاستمرار في استنكار الواقع، ما يهدد بتصعيد النزاعات وربما يقود إلى نشوب حرب عالمية ثالثة. في هذا السياق تظهر استراتيجية الرئيس الأمريكي جو بايدن كمثال بارز على التحديات التي تواجه القوى الغربية في التكيف مع هذه الواقعية الجديدة، حيث تعكس ردود الفعل التكتيكية والمرتبكة لإدارته ضعف نفوذ واشنطن وحلفائها المتزايد في الشرق الأوسط، وتزايُد الاستياء تجاه السياسة الغربية.

هذه الديناميات تُحتّم على واشنطن وحلفائها اتخاذ خيارين لا ثالث لهما، الأول هو الاستسلام للواقعية الجيوسياسية والتحولات المادية، إذ قد يقدم فرصة لإعادة تشكيل العلاقات الدولية بشكل يعكس التوازنات الجديدة، ويُفسح المجال أمام نظام عالمي أكثر تعددية وتوازناً. أما الخيار الثاني فهو أن يتمسكوا بنظام مهترئ، قائم على هيمنتهم، متجاهلين التغييرات القسرية والمخاطر الجسيمة، بما في ذلك إمكانية تصاعد النزاعات إلى صراعات أوسع نطاقاً.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر نجيب
كاتب ومحلل سياسي مغربي
تحميل المزيد