انتهت سنة 2023 لتنتهي معها صفحات من الخطوات الناجحة للصومال على طريق تحقيق السيادة الوطنية والاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية، كانت آخرها انضمام جمهورية الصومال الفيدرالية رسمياً إلى مجموعة دول شرق أفريقيا، في الرابع والعشرين من نوفمبر 2023، لتصبح العضو الثامن في ذلك التجمع الدولي الإقليمي، وذلك بعد مسيرة من المساعي الصومالية استمرت لأكثر من عقد للانضمام إلى مجموعة دول شرق أفريقيا، وقد مرت تلك المسيرات بتعرجات تراوحت بين تقدم وتراجع في المفاوضات حول آلية وشروط الانضمام، ولكن في نهاية المطاف تحقق للصومال ما أرادت، وهي خطوة إيجابية بكافة المقاييس، تدرك أهميتها النخب السياسية والثقافية في الصومال، ولذلك كان الترحيب الشعبي والرسمي بتلك الخطوة واسعاً.
تتحقق الكثير من المصالح والفوائد للجانب الصومالي من هذا الانضمام، ومنها ما يتعلق بالجانب الاقتصادي، حيث إن الانضمام إلى مجموعة دول شرق أفريقيا يعني الانضمام إلى سوقها الكبير والمشترك، وبالتالي إمكانية تصدير المنتجات والبضائع الصومالية من دون ضرائب إضافية، وبالمثل فإن ذلك ينطبق على البضائع المستوردة من دول المجموعة، وسيؤدي ذلك إلى تعزيز التبادل التجاري وخلق فرص جديدة للاستثمار وتحريك السوق الداخلية، وهو ما سينعكس إيجابياً على مستوى دخل الفرد وعلى الاقتصاد الوطني عموماً. كما يُسهم هذا القرار في تسهيل حركة المواطنين وتنقلهم عبر وداخل الدول الأعضاء في المجموعة، دون الحاجة إلى تأشيرات دخول.
وهناك مكاسب سياسية- وهي الأهم- أيضاً خلف قبول عضوية الصومال في مجموعة دول شرق أفريقيا، وأهمها تعزيز ودعم الاستقرار السياسي الصومالي داخلياً وخارجياً، وفي الحقيقة إن الاستقرار السياسي كان الدافع الأكبر للسياسيين الصوماليين في محاولتهم الانضمام لهذه الكتلة الإقليمية، فلطالما كان الاستقرار السياسي أبرز مشاكل وعقبات استقرار وقوة الدولة في الصومال، فإن من شأن قبول عضوية الصومال أن يسهم في تحسين العلاقات وتخفيف التوتر مع الدول المجاورة للصومال، والتي كانت لها علاقات متوترة مع الصومال كإثيوبيا وكينيا، والآن يثبت قبول عضوية الصومال من قبل تلك الدول الأعضاء تحسّن علاقات مقديشو مع جاراتها، وخصوصاً جارتها كينيا، التي كانت تعرقل وتعيق انضمام الصومال لسنوات عديدة، وذلك بسبب خلافات ومخاوف أمنية وسياسية ونزاعات حدودية مع الصومال، وهذا يعني تحقيق استقرار خارجي بشكل كبير بالنسبة لمقديشو، التي تسعى لتعزيز العلاقات المتبادلة داخل هذه المجموعة فيما يخدم الرؤية الاستراتيجية للسياسة الخارجية الصومالية إقليمياً ودولياً.
وهذا الاستقرار الخارجي يكمل الاستقرار الداخلي، الذي تبذل الحكومة الفيدرالية الصومالية جهوداً حثيثة لترسيخه، فمجموعة دول شرق أفريقيا كتكتل إقليمي يمتلك بروتوكولات خاصة، تتضمن العديد من بنودها معالجة القضايا الأمنية والعسكرية المشتركة بين الدول الأعضاء، وتحدد طرق وأشكال التعاون الأمني في العديد من المجالات، وأهمها مكافحة تهريب المخدرات وغسيل الأموال وانتشار التسلح غير القانوني، كما تتضمن إرسال مساعدات وقوات عسكرية كدعم للدول الأعضاء، التي تتعرض لتهديد أمني وعسكري، وهو ما يمكن أن تستفيد منه الصومال، التي تخوض حرباً لأكثر من عقدين من الزمن مع حركة "الشباب"، التابعة لتنظيم القاعدة، وتحاول بسط سيطرتها العسكرية على كافة المناطق الصومالية، وانتزاع المناطق الواقعة تحت سيطرة تلك الحركة، وإن انضمام الصومال لتلك المجموعة الدولية قد يضمن لها سد الفراغ الأمني الذي يمكن أن يخلفه انسحاب قوات بعثة الاتحاد الأفريقي "أتميس"، المتوقع مع نهاية عام 2024، فيمكن أن يحل الدعم العسكري من قِبل دول مجموعة شرق أفريقيا مكان بعثة أتميس، وبالتالي تستطيع الصومال تجنب الهشاشة الأمنية المفاجئة التي يمكن أن تحصل حينها.
والاستفادة من هذه العملية لا تقتصر على جانب واحد، فمجموعة دول شرق أفريقيا نفسها مستفيدة من انضمام الصومال إليها، وأول مكاسب ذلك الانضمام زيادة المساحة الجيوسياسية لتلك المجموعة الإقليمية من (4.8) إلى (5.54) مليون كم2، فانضمام الصومال سيعزز الامتداد الجغرافي والإمكانات الاقتصادية المشتركة للدول الأعضاء، وذلك بالاستفادة من موقع الصومال الاستراتيجي الذي يتمتع بسواحل طويلة على المحيط الهندي، وبالقرب من مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وهو ما يمنح دول المجموعة إمكانية الاستفادة من موانئ الصومال البحرية في التبادل التجاري الدولي، خصوصاً بعد تطبيق بنود دمج السوق المحلي الصومالي مع السوق المشترك لدول شرق أفريقيا، ورفع الضرائب المفروضة على الحدود، هذا بالإضافة إلى ما توفره الصومال من موارد زراعية ومعدنية غير مستغلة، يمكن أن تستثمرها الدول الأعضاء فيما يخدم المصلحة الاقتصادية المشتركة.
رغم التوقعات المتفائلة بمستقبل الصومال كعضو في هذه الكتلة الدولية، فإن البعض شكك بجدوى وتأثير هذا الانضمام، انطلاقاً من رؤيتهم للرابط الذي يجمع مجموعة شرق أفريقيا، فهم يرون أن الرابط والهدف الأساسي الذي يجمع أعضاء تلك الكتلة هو الاقتصاد والتجارة، ولأن أوضاع الصومال الاقتصادية حالياً سيئة للغاية، وبسبب انعدام البيئة الاقتصادية القابلة للاستثمار والتنشيط فإن الصومال لن تقدم شيئاً للسوق المشترك لدول شرق أفريقيا، كما أنها لن تستفيد كثيراً ما دام بيتها الداخلي يحتاج للكثير من الإصلاحات الاقتصادية والإدارية والخدمية، فالأمر لا ينطوي فقط على المكاسب، وإنما قد يحمل معه تحديات مستقبلية على المدى القريب والبعيد.
تواجه الصومال فيما يتعلق بعملية الانضمام إلى هذه الكتلة الإقليمية عدة تحديات وعلى كافة المستويات، وأغلبها مرتبط بمتطلبات الدخول في المجموعة، وخصوصاً تلك المتعلقة بالجانب الاقتصادي، فهناك العديد من قرارات وشروط الكتلة الملزمة للصومال، والتي ينبغي للصومال تنفيذها وتحقيقها في فترة زمنية محددة، وهي في مجملها مطالب وشروط متعلقة بتطوير وتنمية البنية الإدارية والاقتصادية والخدمية للدولة، حتى تصبح مؤهلةً لعملية الاندماج مع الكتلة الإقليمية بشكل فعال، وأولها تعزيز النمو الاقتصادي الداخلي بحيث يتناسب مع مستوى النمو الاقتصادي للسوق المشترك لشرق أفريقيا، لكي يتيح إمكانية تنسيق السياسات التجارية بشكل متزامن ومثمر، وثانيها متعلق بالبنية القضائية، حيث يشترط إنشاء سلطة قضائية مستقلة تضمن سيادة القانون ومكافحة الفساد الإداري والاقتصادي في البلاد، وأيضاً تعهد الصومال بتطوير البينة التحتية في عموم البلاد، وذلك بغرض توفير البيئة المناسبة للتنمية الاقتصادية والخدمية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.