تداعيات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والمستمر منذ أكثر من أربعة أشهر وصلت إلى العالم كله، وأيقظت الشعور الإنساني في قلوب الملايين، ولفتت أنظار العالم إلى معاناة أكثر من مليوني فلسطيني محاصرين في القطاع منذ سنوات بلا ذنب اقترفوه، وأسفرت عن دعوات ومحاولات لإنهاء معاناة الفلسطينيين المستمرة منذ أكثر من 75 عاماً.
حكمة التعارف بين البشر
يلفت القرآن الكريم أنظارنا إلى هدف سامٍ من أهداف التنوع في الخلق، وهو ضرورة التعارف بين البشر، ولهذا التعارف حكمة أرادها الله سبحانه وتعالى، ولذلك خلق الناس مختلفين في أمور كثيرة من ناحية العرق والجنس واللون والطبائع.
والتعارف بين البشر ضرورة من أجل عمارة الكون واستمرارية الحياة. يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [سورة الحجرات:13].
وهذا التعارف وسيلة مهمة من وسائل الدعوة إلى الله عز وجل، وهو ما ظهر جلياً منذ بداية العدوان على قطاع غزة، فقد أعلن الكثيرون إسلامهم بسبب الصمود الأسطوري لأهل غزة ومقاوميها في مواجهة آلة القتل والتدمير الإسرائيلية.
والعرب والمسلمون بحاجة إلى التواصل الفعال مع غيرهم من الشعوب، وبخاصة مع أصحاب التأثير، ومع من يحظون بشعبية بين الجماهير في دولهم، والهدف من هذا التواصل هو دعم القضايا العربية والإسلامية، والعمل على تصحيح المفاهيم الخاطئة التي علقت بأذهان بعض أحرار العالم عن العرب والمسلمين.
ونحن بحاجة ماسة إلى التواصل مع العلماء والمثقفين والفنانين والمؤثرين الغربيين، وبحاجة إلى التذكير بأقوال وشهادات المنصفين من المستشرقين، فهناك عدد من المستشرقين الذين أنصفوا الإسلام ودافعوا عنه أكثر من دفاع المسلمين أنفسهم عن دينهم، وهناك الملايين من الأحرار الذين يناصرون فلسطين.
مشاهير تضرروا بدعمهم لغزة
خروج مئات الآلاف من الناشطين والمناصرين للقضية الفلسطينية للتعبير عن رأيهم، ومطالبتهم بالوقف الفوري لإطلاق النار، وتوفير الحماية والمساعدات لسكان القطاع، وتعريض أنفسهم للمخاطر، سواء بالاعتقال أو فقدان الوظيفة أو الدعم والرعاية، فيه دليل على النخوة وعلى وجود بقية من المشاعر الإنسانية التي افتقدها البشر حكاماً ومحكومين في مناطق كثيرة من العالم.
فعلى سبيل المثالي، نجد من المشاهير الذين تضرروا نتيجة دعمهم لغزة الممثلة المكسيكية ميليسا باريرا، التي استُبعدت عن بطولة سلسلة أفلام الرعب الأمريكية الشهيرة "Scream 7″، بسبب مواقفها الداعمة لفلسطين، ووصفها ما يحدث في غزة بـ"الإبادة الجماعية".
والممثلة الحائزة على جائزة أوسكار سوزان سارندون، قررت وكالة المواهب في هوليوود "UTA" الاستغناء عن خدماتها للأسباب ذاتها.
وصحيفة "نيويورك تايمز"، أجبرت الصحفية جازمين هيوز على تقديم استقالتها بعد توقيعها على عريضة، وصفت ما تقوم به إسرائيل في غزة بـ"الإبادة الجماعية".
وعلقت شركة "لوريال" العالمية، المتخصصة بمستحضرات التجميل، عضويةَ الناشطة الفرنسية ذات الأصول الفلسطينية ريما حسن، بالمجلس الاستشاري العالمي للتنوع والإنصاف والشمول التابع للمؤسسة.
بينما قام نادي ماينز الألماني لكرة القدم بفسخ تعاقده مع مهاجمه الهولندي ذي الأصول المغربية، أنور الغازي، وذلك بعدما فتح مكتب الادعاء الألماني تحقيقاً بشأن منشوراته حول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
والصحفية الفلسطينية زهراء الأخرس، أعلنت عبر حسابها على منصة إنستغرام، عن تلقيها قراراً بطردها من عملها في شبكة "غلوبال نيوز" الكندية، بسبب مواقفها المؤيدة لفلسطين والمتضامنة مع سكان غزة.
التعاون على البر والتقوى
المسلمون مأمورون بالتعاون على البر والتقوى، يقول الله عز وجل: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}. [سورة المائدة: 2].
والمسلمون مأمورون بنصرة المظلومين والمضطهدين في كل مكان في العالم، يقول الله عز وجل: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لنَا مِن لدُنكَ نَصِيراً}. [سورة النساء: 75].
والجهاد في الإسلام شُرع لرفع الظلم عن المستضعفين في الأرض، وشرع من أجل حماية حقوق الإنسان، وفي مقدمتها حرية الاعتقاد، وشرع دفاعاً عن النفس والمال والعرض والوطن.
وتقصير المسلمين في التعاون على البر والتقوى، وقعودهم عن الجهاد بمفهومه الواسع، وتقصيرهم في نصرة إخوانهم من المسلمين، وفي الدفاع عن حقوق غير المسلمين ربما هو ما أدى بهم إلى هذه الحالة التي يعيشون فيها منذ عقود، وأصبحوا بحاجة إلى من يدافع عنهم وعن قضاياهم وعن حقوقهم المسلوبة.
إن العرب والمسلمين اليوم مطالبون بالعمل والتحرك لنصرة المستضعفين من المسلمين في شتى بقاع الأرض، ومطالبون بالدفاع حقوقهم وعن مقدساتهم، ومطالبون أيضاً بالدفاع عن حقوق الضعفاء في العالم، ومن أجل تحقيق هذه الأهداف لا بد من التعاون من الأحرار والشرفاء في العالم، من أجل نصرة القضايا العربية والإسلامية، ومن أجل الدفاع عن الحقوق التي تُنتهك، والكرامة الإنسانية التي أُهدرت في أماكن كثيرة من العالم.
وتصحيح الصورة النمطية والخاطئة للعرب والمسلمين في أذهان ومخيلة الغربيين، والتخلص من آثار الإسلاموفوبيا في الغرب، وكسب الدعم والتأييد للقضايا العربية والإسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، يتطلب تواصلاً وتعاوناً دائماً مع المنصفين من الغربيين، فهؤلاء هم الأقدر على التغيير في المجتمعات وفي الدول التي يُكنّ قادتها ورموزها العداء للعرب والمسلمين، ويسوقون هذا العداء تحت شعارات تثير الكراهية وتبث الرعب في نفوس الجماهير، وهؤلاء وبلا شك سيظهرون كذب وادعاءات من يحاولون إظهار الإسلام بمظهر الدين الذي يدعو إلى العنف، وإظهار المسلمين كأعداء للحضارة الغربية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.