في الأردن وُلد أحد أبرز الرجال في لعبة كرة القدم العربية في الوقت الراهن، وأعني بكلمة الرجل ما يسبق كلمة اللاعب، إذ يصعب اليوم الجمع بين الشيئين.
اسمه موسى التعمري، و قد نشأ نشأةً كاملةً في أرض تصلح لأن يكون الإنسان موهوباً ومُلتزماً في آنٍ واحد، حيث لم يكن الخروج من الأردن سهلاً على ابنها موسى.
لكن تجربة الاحتراف كانت فريدة من نوعها لموسى التعمري، الذي أصبح فيما بعد المحترف الأشهر في تاريخ الكرة الأردنية، والذي سيخرج من أندية الأردن نحو تجربة صعبة عليه في أبويل نيقوسيا القبرصي.
لكنه على أي حال سيتأقلم على ثقافة ولغة وتجربة جديدة بكافة تفاصيلها على شاب أردني حديث العهد بمثل هذه الأمور، وسيتألق في قبرص وسيُصبح من نجوم الدوري القبرصي في مرحلته مع الفريق.
بعد تجربة قبرص سيخرج إلى بلجيكا، ولن يختلف الحال كثيراً بالنسبة له، حيث سيجد في بلجيكا تجربةً جديدةً وفرصةً مواتية يُستوجب عليه فيها أن يكون في أشد مراحل التركيز للوصول لما هو أبعد.
سينتهي به المطاف إلى الوصول إلى الدوري الفرنسي، رفقة نادي مونبلييه، وهذه الخطوة ستكون مساحة لفرصة عظيمة بالنسبة للاعب أردني يقتدي بالمصري محمد صلاح في مسيرته الناجحة رفقة نادي ليفربول الإنجليزي.
ويعتقد موسى التعمري أن محمد صلاح هو القدوة التي يبحث فيها عن نفسه، وعن نجاح مُشابه بالنسبة له في القارة نفسها، لكن قصة موسى التعمري مختلفة بعض الشيء عن محمد صلاح.
التنقل السريع للأردني موسى التعمري في الدوريات الأوروبية هو بمثابة فرصة عظيمة بالنسبة للاعب أثبت نفسه، ونال من الثناء ما يستحقه فعلاً، بناء على موهبته الكبيرة، حيث يتمتع موسى بالمهارة والسرعة، بالإضافة إلى تركيزه الشديد في كل مباراة.
خروج موسى التعمري من الأردن لم يكن سهلاً كما ذكرنا، لكنه في الوقت نفسه لن يجد أسهل من هذه الرحلة التي يتخللها الإيمان بالله منذ الصغر، منذ أن نشأ موسى التعمري في مسجد الصالحين.
ومسجد الصالحين هو المكان الذي تتلمذ فيه موسى على يد بعض الشيوخ في الأردن، وحفظ القرآن على أيديهم، وحفّظه للأطفال، حيث أصبح هو الآخر شيخاً بالنسبة للأصغر سناً في مسجد الصالحين.
بالنسبة لجمهور كرة القدم في دولة الأردن يُلقبونه بميسي الأردن، لكن في مسجد الصالحين يُنادونه بالشيخ موسى التعمري، حيث يُحب موسى هذا الاسم ويتباهى به أكثر من أن يكون ميسي بلده!
ويقول الأطفال إن الشيخ موسى التعمري كان يصطحبهم في كل شيء في المسجد، في قراءة القرآن وتلاوته وكذلك حفظه، ثم بعد الانتهاء من جلسات الذِّكر ينطلق بهم إلى رحلة الترفيه على مدار اليوم، حيث يُدربهم على لعبة كرة القدم، ويلعب معهم، رغم أنه ليس أكبر سناً منهم بالعديد من السنوات.
قال أحد المشايخ الذين تتلمذ على أيديهم إن موسى كان طوال حياته مُلتزماً، وكان يعتمد اعتماداً كلياً على الانضباط في مسيرته، كما عُرف عنه بين أهل المسجد الصلاح وحُسن الخلق.
كل هذه العوامل لم تكن بعيدة أبداً عن صلاحه كإنسان، حيث توجه موسى التعمري إلى أوروبا، وقال إن النشأة الدينية التي نشأ عليها جعلته يقف أمام الكثير من الفتن والتحديات في قارة أوروبا، التي لولاها ما كان ليكون نفس الشخص الملتزم أبداً.
وكل هذه العوامل كذلك جعلت من موسى شخصاً لا يتهاون في الثوابت التي تربّى عليها طوال مسيرته، حيث ظهر اسم موسى التعمري مؤخراً بقوة في قارة أوروبا.
ليس فقط بسبب موهبته الكبيرة التي فرضت اسمها بصورة واضحة بين المواهب العربية، لكن أيضاً لمواقفه القوية والصارمة في الدولة التي يلعب فيها، والتي تُعادي المسلمين بصورة فجة؛ دولة فرنسا.
خاطر موسى التعمري بمسيرته التي ربما لو فكَّر فيها بالمنطق الأرعن لكان في منزلة مختلفة، ورغم أن قصة موسى التعمري مختلفة بعض الشيء؛ كونه أول أردني يصل للدوري الفرنسي، ويلعب في نادي مونبلييه، وما زال يقدم مستويات رائعة، لدرجة أنه حصد جائزة لاعب الشهر، في سبتمبر/أيلول في عام 2023.
لكن موسى كان أول الداعمين لأهله في غزة، وأعلن بشكل كامل دعمه عبر حساباته من بداية الأحداث، بل إنه تعرَّض لضغط شديد من الصحافة في فرنسا بسبب دعمه وإقحامه للسياسة في الكرة، وكان رده عليهم: "إذا كنت تدعمهم امنحهم أرضك".
رغم علمه وإدراكه بأن دولة فرنسا تفرض قانوناً بصورة واضحة؛ من يدعم فلسطين داخل الأراضي الفرنسية ستتم معاقبته بالسجن لخمس سنوات، لكن هيهات أن يخضع أمثال موسى لهذه القوانين الظالمة.
لم يكتفِ موسى بدعمه لأهل فلسطين في أشد لحظات التعدي عليهم، ورغم الصرامة التي فرضتها فرنسا للتكتيم على الأمر برُمته، وضع على حساباته الشخصية كلمات ساخرة من القانون الفرنسي، وأرفق معه صورة له يتحدث فيها عن غزة، وأصر على موقفه الداعم للقضية رغم كل هذا التهديد السافر.
ليس هذا الجانب وحده هو ما يبدو رائعاً في موسى التعمري، بل يبدو في الحوارات الصحفية والتلفازية التي يُجريها أنه بالفعل يختلف كثيراً من حيث الأخلاق واللباقة في الحديث، وكان ذلك جلياً في الأزمة الأردنية العراقية الأخيرة في كأس أمم آسيا.
حيث رفع موسى التعمري علم العراق عالياً، وقال إن العلم الذي يحمل اسم الله أكبر لا يصح أن يُنكس أبداً، وكان من أسباب تهدئة حالة العداء الكبيرة التي نشأت على مواقع التواصل الاجتماعي بين الطرفين.
من الجزيرة الأردني إلى أبويل القبرصي، ثم من أبويل نحو لوهافن إلى فريق مونبلييه الفرنسي، وقد يكون موسى على موعد مع كتابة اسمه عما قريب بتتويج أردني بلقب بطولة كأس آسيا الحالية في قطر، ولن يكون غريباً هذا الحب الذي يناله أحد أفضل لاعبي الكرة العربية في الوقت الحالي.
ونتمنى له أن يستمر على نفس النهج والخُلق الكبير، لعل الفِتن التي يتحاشاها لا تغويه كما أغوت غيره، وأن يظل نفس الشاب العربي الذي خرج من الأراضي العربية إلى قارة أوروبا، لكن نبلها لم يخرج منه أبداً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.