واهنة مفككة..  نتنياهو وحكومة العنكبوت

تم النشر: 2024/02/02 الساعة 09:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/02/02 الساعة 09:35 بتوقيت غرينتش

لم أتوقف عن الكتابة حول سياسة ذلك الكائن الذي يُطلق عليه نتنياهو؛ إذ سياسة هذا الكائن كخيوط العنكبوت فهي واهنة لمن يراها من الخارج، بينما هي معقدة من الداخل بالنسبة للعناكب التي تنسج تلك الخيوط بفمها. استوقفني كتاب "كفاحي" الذي لوّح به نتنياهو في إحدى مؤتمراته الصحفية، ويمكن تفسير هذا الفعل ضمن سياق موضوعنا الذي يتمحور حول سياسة العنكبوت وسرديات نتنياهو في حملته الانتخابية هو ورفيقه بايدن وكلاهما بمأزق سياسي كبير.

رفع نتنياهو كتاب كفاحي باللغة العربية ليخبر المؤتمر الصحفي بأن الكتاب وجده أحد جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي في منزل بغزة، وعلى هذه الرواية نسج نتنياهو سرديته بأن شعب غزة يمجدون التراث النازي ويعادون السامية جاءت هذه الاتهامات بمناسبة ذكرى اليوم العالمي للمحرقة، فهو يريد أن يتسول بما فعله النازيون في معسكرات الاعتقال ويستعطف التعاطف الأوروبي؛ ولكن التاريخ تجاوز مثل هذه السرديات والآن نجحت جنوب أفريقيا في دعوتها على إسرائيل والمحكمة اتخذت قرارها. فلن تساعد مثل هذه السردية نتنياهو الذي يتردد اسمه داخل المؤسسات القضائية الدولية ويحاكم على الإبادة.

وقاحة نتنياهو تعجز مفردات هذه اللغة الكريمة عن وصفها. وكيف تجرأ وتحدث عن النازية ومعسكرات الاعتقال والتراث الهتلري وهو يدعم معسكرات الاعتقال بقطاع غزة، ويرتكب فيها جيشه أبشع الجرائم التي عجز النازيون عن ارتكابها. بل فساد جنود الاحتلال قد تجاوز الأعراف والقوانين الدولية وأخلاقيات القتال النزيه وأثبتوا للعالم الفوضى الأخلاقية والعقيدة النازية التي تسيطر عليهم هم وقادتهم العسكريين والسياسيين المتطرفين. ويُقال إن الجنود الإسرائيليين نهبوا وسرقوا أموالاً طائلة من غزة. وفضائحهم انتشرت بمنصات التواصل الاجتماعي حتى عادوا من رموز الفساد الأخلاقي ومادة للسخرية.

الإدارة الأمريكية شريك أساسي في مجزرة نتنياهو وحرب نتنياهو. والآن تتحرك الدعاوى القضائية بأمريكا ضد بايدن وبليكن ووزير الدفاع؛ فقد هيأت الإدارة الأمريكية الظروف المناسبة لإسرائيل وساعدت على حدوث الإبادة الجماعية ضد جماعة محمية بموجب هذه الاتفاقية. ولكن النزعة الصهيونية لبايدن دفعت به في هذا الاتجاه الذي سيقضي على ترشحه للرئاسة والاستطلاعات لا تبشر بخير. وحرب غزة أثرت على قاعدته الانتخابية وترامب يستغل إخفاقات بايدن ضده للفوز.

دعونا الآن من مناقشة إخفاقات هذه الإدارة الديمقراطية الفاشلة في جميع قراراتها، صاحبة الخطاب الليبرالي الزائف في فلسفتها ذات التوجه البراغماتي القوي في سياستها الخارجية المتواطئة مع حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة والنازية في عقيدتها. وقد ارتكب الاحتلال الإسرائيلي جريمة الإبادة الجماعية بغزة وفقاً لمحكمة العدل الدولية. ولنناقش مسألة عدم التزام إسرائيل بقرارات المحكمة واحتمالية إحالة ملف القضية للمجلس الأمني بالأمم المتحدة والخطوة التالية لأمريكا مع هذا القرار.

لا أعتقد بأن وكالات الأمم خارجة عن المصالح السياسية للأعضاء الإمبرياليين، وفي نفس الوقت لا يمكنني التخلي عن معتقداتي المثالية وكون هذه الدول تعمل وفقاً للمنظور النيتشوي الذي ينطلق من فلسفة القوة، وهذا ما يجعلني أشك في جميع المفاهيم ما بعد الحداثية التي تجاوزت الإنسان ومفهوم العدل والمساواة وتمركزت حول تصنيفات إمبريالية قسمت بها العالم. وهذه المؤسسات تعمل وفقاً لهذا الإرث الإمبريالي والسياق التاريخ الذي أنشئت فيه هذه المؤسسات يتوافق مع هذه النظرة.

وكل ما رسمته هذه الدول والمنظمات عبر عقود من الزمن ها هو ينهار في لحظة ويتلاشى أمام العالم. وإليكم بعض تناقضاتهم الأخلاقية: يحتفلون بذكرى اليوم العالمي للمحرقة ومجازر النازيين بينما يعجزون عن وقف إطلاق النار وحماية ما تبقى من المدنيين بغزة، ليس هذا فحسب يتباكون منذ عقود من الزمن على اليهود والأبرياء الذين كانوا من ضحايا النازيين بينما يفشلون في وقف إطلاق النار بغزة منذ أكثر من مئة يوم فقد فيها ٢٩ ألف حياتهم وجلهم من النساء والأطفال، فكيف يمكن هذا؟

ومع ذلك كله لن ألغي النزعة الإنسانية التي تحرك بعض الناس للانتصار للحق والوقوف مع المظلومين سواء من بين الساسة الغربيين أنفسهم أو أولئك الذين يعملون داخل هذه المؤسسات ويشرعون بعض القرارات السياسية. ولكن يبقى التناقض الأخلاقي في السياسة الغربية عموماً كبيراً ويشكّل فجوة بين ما يتحدثون عنه في التاريخ والسياسة وبين ما يطبقونه على أرض الواقع من قتل ودمار ونهب وسرقة. وبين ما يرسلونه للعالم من قيم إنسانية زائفة لا تنسجم مع الواقع بأي صلة، وتلك هي سياسة العنكبوت التي ينسجها نتنياهو ويتقاطع معه فيها الساسة الغربيون بجميع انتماءاتهم السياسية وتوجهاتهم الفكرية مجملاً.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

إدة جعفر مولاي الزين
كاتب وصحفي موريتاني
تحميل المزيد