يوم أكل لاعبو فريق رياضي جثث زملائهم.. فيلم Society of snow الإسباني وأفظع قصص الكوارث

عربي بوست
تم النشر: 2024/02/02 الساعة 13:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/02/02 الساعة 13:11 بتوقيت غرينتش
فيلم Society of snow الإسباني/ الشبكات الاجتماعية

"نحن لم نفقد الأمل، نحن فقط رفضنا الاستسلام"

قالها روبيترو كانيسا واصفاً الجحيم الذي مر به مع رفاقه وسط الجليد في فيلم Society of snow، جحيم أغرقهم في اختبار حقيقي لقدرة الإنسان على النجاة، وللإجابة عن السؤال الأزلي: "إلى أي حد قد تدفعك رغبتك في النجاة؟" علينا أن ندرك الجحيم الذي مر بروبيرتو ورفاقه، لذا دعني أسرد لك القصة من البداية:

عن فيلم Society of snow والجحيم الجليدي:

في الثالث عشر من أكتوبر/تشرين الأول عام 1972، انطلقت الرحلة الجوية 571 من الأوروغواي حاملة على متنها 45 لاعباً يمثلون منتخب الرغبي الذي كان من المتوقع أن يحقق انتصاراً ساحقاً في سانتياغو.

حمل اللاعبون في أنفسهم آمال الانتصار، تخيلوا نصرهم المنتظر في وجهتهم، ولم يتوقع أحدهم أن خطأ ملاحياً سيحول أحلامهم إلى جحيم بارد، فحين أقلعت الطائرة، وعبرت السحب الباردة، وصلت إلى جبال الإنديز، وهناك من بين الضباب الكثيف تسبب الخطأ في تحطم الطائرة فوق القمم الجليدية.

الطائرة التي سقطت في جبال الأنديز

 تفكك بدن الطائرة وقتل الحادث 29 من ركابها، سواء في التصادم المباشر أو بسبب الإصابات التي أحدثها، مما ترك سبعة عشر ناجياً وحدهم وسط امتداد لا نهائياً من الثلوج، وصقيع يأكل الأطراف، وجوع يفتك بالروح.

في الأيام الأولى بعد الحادثة، حاول الناجون الصمود، لكن البرد كان لهم بالمرصاد، للأسف لم تكفِهم المؤن وبدأ الجوع ينهش لحومهم، ومع مرور الساعات والأيام، ابتعد الأمل عن أعينهم أكثر.

 قامت السلطات بالبحث عنهم، ولكن بعد أسابيع بلا خيط واحد يدل على مكانهم، توقف البحث الجوي، وتركهم العالم في غياهب النسيان لمصيرهم.

في هذه الظروف القاسية، يواجه الإنسان شبح يأسه، وقد يرضى بمصيره المحتوم، ويتقبل فكرة موته، لكن الناجين لم يستسلموا، طردوا هذا الشبح عن نفوسهم، وقرروا أن يواجهوا الجوع القاتل بقرار تقززت منه أرواحهم قبل أجسادهم.

 أكلوا أجساد رفاقهم الموتى، وهكذا دفعهم الموت نحو النجاة، وقرروا أن عليهم الصمود بأي ثمن ممكن، وبإرادة لا تلين صمم الناجون على الهروب من قبضة الجبل الذي أسرهم، فصنعوا أدوات بدائية مما وجدوه معهم في الحطام، وبدأوا بحفر ملجأ أسفل الثلج الذي كاد يدفنهم، ثم استخدموا أجزاء الطائرة المحطمة، وبنوا زورقاً لعبور النهر الجليدي الذي يفصل بينهم وبين الحياة.

لكن الموت لم يترك لهم فرصة إلا وحاول اقتناصهم فيها، لم ترضَ الأرض عنهم فتشققت أسفل أقدامهم، مقت الجبل تمردهم فحاول دفنهم أسفل انهياراته الجليدية، وقررت الرياح أن تصرخ في وجوههم النحيلة بعواصف تقتلع الحجر، ومع هذا صمد الناجون أمام كل الظروف، وأظهروا شجاعة استثنائية ورغبة حقيقية للنجاة، وبعد 72 يوماً بدت كأبدية وسط جحيم بارد، لاح الأمل أمامهم أخيراً.

ففي الثالث والعشرين من ديسمبر/كانون الأول عام 1972 استطاع أحد الشباب عبور النهر الجليدي، مشى بقدميه عبر الثلج والصقيع لأميال، حتى عثر أخيراً على راعٍ تشيلي، كان ذلك الشاب هو روبيرتو كانيسا والذي استطاع إرسال طائرات الإنقاذ لانتشال بقية رفاقه من براثن الموت.

عن فيلم Society of snow 

صدر الفيلم الإسباني Society of snow مؤخراً على شبكة نتفليكس، واستطاع الاحتفاظ بمكانته كأحد أكثر الأفلام رواجاً لفترة طويلة، وقد اتفق معظم النقاد على أن هذا النجاح قد تحقق لقدرة الفيلم على تمثيل مأساة الناجين من حادثة الطائرة 571 بأدق التفاصيل، فقد قالت صحيفة الجارديان عنه:

"استطاع المخرج أن يأسر المشاهدين في صراع أبطاله النفسي والجسدي ببراعة هائلة، فقد جعلنا نشعر معهم بلسعة البرد و ألم الجوع، ورعب العزلة".

كما قالت عنه IndieWire 

"يضرب الفيلم بلكمة من المشاعر، بالأخص حين يأخذ الناجون قرارات تتحكم بمصيرهم وتخترق اللامعقول، إنه تجربة مرعبة، ولكنها تجربة تمجد الروح البشرية وقدرتها على النجاة".

لذا دعني آخذك في رحلة عبر الفيلم لنكتشف معاً سر هذه التجربة الاستثنائية..

يستهل الفيلم أحداثه بسعادة الشباب، ويعرض حماسهم وهم يستقلون الطائرة، ويُقدم لهفة تطلعاتهم، حيث تبدو القمم البعيدة بالنسبة لهم كالأحلام، لكن القدر كان يلعب لعبته القاسية ويُلقِي بهم في قلب عالم جليدي قاسٍ.

"علّمنا الجبل ما معنى أن نكون بشراً".

قالها ناندو بارادو أحد الناجين في الفيلم، ففي الظروف المريعة التي وجد الناجون أنفسهم فيها، يتضاءل الأمل مع كل يوم يمر، ويعرّض لنا الفيلم بشكل دقيق مدى وحشية الظروف التي أرغموا على النجاة منها وكيف يمكن للطبيعة أن تكون أكبر تحدٍّ يواجهه الإنسان حيث يدرك مدى صغر حجمه أمامها.

لكن الفيلم لا يركن فقط إلى سرد وقائع الحادثة، بل يُعمق النظر في نازعات النفس البشرية أمام الموت الوشيك، ويظهر لنا كيف كان قرارهم بأكل أجساد رفاقهم قراراً مُفجعاً يمزق كل ناموس وقانون إنساني.

ورغم مرارة هذا القرار، إلا أنه يصبح ضرورة لأجل البقاء، ثم يعرض لنا الفيلم تبعات هذا القرار، ووزنه المريع على نفوس الناجين، فسرّ كهذا قد يحطم أرواحهم للأبد، لكن يبدو أن إرادتهم كانت أقوى من جحيمهم.

لا يخلو الفيلم كذلك من المشاحنات الداخلية، فاليأس والحزن رفيقان متلازمان في مثل هذه التجارب القاسية، يعرض الفيلم صراعات أبطاله النفسية، يغرقنا في لحظات ضعفهم، ويضعنا أمام التحديات التي واجهتهم للبقاء.

"الأسوأ لم يكن البرد أو الجوع أو الخوف، بل كان الصمت!".

قالها كذلك أحد الناجين حيث يتمثل ضعفه أمام الهول النفسي الذي خيّم على أرواح الناجين، فشبح عزلتهم القاتم قطع عنهم كل السبل، وتركهم وحيدين أمام وحوش نفوسهم التي تصارع لأجل البقاء.

ومع مرور دقائق الفيلم يجد المشاهد نفسه مدركاً لحقيقة قد يغفل عنها، فالجبل نفسه، بقممه وسفوحه، بثلجه وجحيمه هو رمز لتحديات الحياة نفسها، وكل خطوة نحو النجاة يتخذها أبطال الفيلم يشعر المشاهد أنها خطوة باتجاه انتصاره هو.

يبرز الفيلم قدرة الإنسان الاستثنائية على النجاة، فقد استطاع الناجون الذين لم يمروا بمثل هذه التجربة من قبل أن يتكيفوا مع واقعهم الجديد، فقد صنعوا معدات بدائية بعقولهم المرتعدة، وحفروا ملجأ في الثلج بأيديهم المجردة وتعلموا من محيطهم المرعب،  أن يتكئوا على بعضهم البعض، وأن يتمسكوا ببصيص الأمل الذي يضمن نجاتهم.

بعد 72 يوماً من المعاناة، يأتي الخلاص، يحمل روبرتو كانيسا حياة رفاقه على كتفيه ويمشي لمسافات طويلة وسط اللون الأبيض الممتد، إلى أن يعثر على  الراعي التشيلي الذي ينقذهم جميعاً من الموت.

في النهاية فيلم Society of snow ليس مجرد فيلمٍ عن حادثةٍ مأساوية قد مضت وانتهت، بل هو قصة إنسانية عميقة تُعيد تعريف معنى البقاء والصمود، ويقدم الفيلم حقيقة قد تغيب عن بعض المشاهدين وهي أن إرادة الإنسان يمكنها أن تتحدى قوانين الطبيعة.

بإيقاعه البطيء والمؤثر، وبأداءاته التي تحفر الشجن في النفوس، يترك لنا فيلم  Society of snow  شعوراً لا يمحى بالرهبة والإعجاب. إنه تذكير دائم بقوة الروح البشرية، وبالأمل الذي لا ينطفئ حتى في أصعب الظروف.

وكما قال خوان أنطونيو بيونا مخرج فيلم Society of snow أنه ليس مجرد فيلم عن حادثة طائرة، بل قصة أمل وصمود وقصة روح إنسانية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد جمال فرانك
روائي مصري وكاتب متخصص في السينما
روائي مصري وكاتب متخصص في السينما، من مواليد محافظة الدقهلية عام 1996، صدر لي: رواية صلوات العبيد، وكتاب كريبي باستا، وكتاب المسكوت عنه في سينما الرعب.
تحميل المزيد