ما الثمن الذي يجب أن تدفعه غزة حتى تستفيق الشعوب العربية للتحرك على الأرض؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/02/01 الساعة 09:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/02/01 الساعة 09:09 بتوقيت غرينتش
شهداء في غارة إسرائيلية على جنوب قطاع غزة/ shutterstock


لم تتوقف أنهار الدم في غزة. تواصل إسرائيل إبادتها للقطاع برعاية "العالم المتحضر" كما يُدعى أو "العالم المحتضر" كما أدعوه. تدفع أمريكا ومعها الغرب ومن ورائهما أنظمة عربية عميلة بكل ثقلهم لإسقاط غزة وتدميرها وقتل ساكنيها والتمكين للصهاينة، بينما تغط الشعوب المسلمة في سبات طال وما زال يستطيل.

منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، لم تقدم الشعوب المسلمة أكثر مما قدمته شعوب أخرى، مظاهرات ومسيرات وتغريدات على المنصات الاجتماعية، بل ربما تفوقت الشعوب الأخرى في استمرارية الزخم التظاهري المندد بما تفعله حكوماتها، وإن كان هذا التفوق يرجع في جزء منه إلى خنق الحكومات العربية لأي مساحة تظاهرية. 

لا أستطيع حتى اللحظة، تصوّر مدى الكارثة التي حلت بشعوبنا حتى غدت مستكينة لقدر أعدائها مسلمة زمامها لوكلائهم في المنطقة. ما هو الثمن الذي يجب أن تدفعه غزة حتى تستفيق ضمائر هذه الشعوب للتحرك على الأرض؟ وكم صورة مؤلمة يجب أن يشاركها الغزيون للحفاظ على استمرارية التعاطف الإسلامي مع نكبتهم؟

إن مصيبتنا في الأنظمة العربية العميلة هي السبب الأساسي في استمرار العدوان على غزة، لكن مصيبتنا في الشعوب الخانعة أشد وأنكى. وإذا استمرت في خذلان غزة، سيكون عليها أن تجهز رقابها في السنوات القريبة لتساق إلى مذابح الأنظمة الوكيلة، عند أول اختبار تقرر فيه الاختلاف مع الأنظمة القائمة.

ربما لا أبالغ إن قلت إن الفرصة اليوم أمام الشعوب سانحة للتحرك ضد سياسات الأنظمة الوكيلة من بوابة غزة، وهي تحقق في هذا مصلحة أهلنا في غزة أولاً ثم مصلحتها ثانياً. تضغط لوقف العدوان على غزة وتثبت لأنظمتها أنها لم يقض على صوتها وحريتها. 

تحتاج الشعوب اليوم لفعل ما هو أكثر من التظاهر، لفعل ما يتناسب مع الهمجية الغربية على النساء والأطفال في غزة، فالمظاهرات على أهميتها لا تعدو كونها تفريغاً عاطفياً لحظياً للخلاص من عقدة الشعور بالذنب، ثم العودة إلى البيت لممارسة الحياة العادية وربما التافهة. 

سأكون أكثر دقة ولن أداهن في مرحلة يسيل فيها الدم المدرار ويشتد الحصار في كل ثانية، إن مسؤولية الشعوب العربية أثقل من مسؤولية عداها من الشعوب الإسلامية، ومسؤولية الشعوب المحيطة بفلسطين أثقل من عداها من الشعوب العربية، فكلما اقتربنا من بيت المقدس زادت المسؤولية.

تحتاج الشعوب الإسلامية مجتمعة إلى التظاهر أمام السفارة الأمريكية في كل بلد، وإن تطلب الأمر اقتحام هذا الوكر وإغلاقه، فهو كفيل بإحداث تغيير في سياسة الدعم الأمريكي اللامشروط للكيان الإسرائيلي، وحتى لو أدى هذا التغيير إلى صيانة دم طفل واحد من أطفال غزة. 

هذه الدعوة للاحتجاج أمام السفارات الأمريكية في البلدان العربية والإسلامية تبدو تحريضية إرهابية من منظار العالم المتمدن، لكنها من الواجبات المتاحة في ميزان الحق الإنساني، فنحن نحتاج إلى فعل كل يحقن دماء الآلاف من بني الإنسان، وإن أدت هذه التظاهرات إلى صدامات مع قوات الأمن التي تحرس هذا الوكر، فهذه ضريبة طفيفة لابد من دفعها في البلدان الإسلامية عوضاً عن فاتورة كبيرة من الدماء والدمار في غزة.

مسؤولية الشعوب المحيطة بفلسطين ستكون أثقل بالتأكيد، وهي وإن كانت مطالبة بالزحف نحو السفارة الأمريكية مثل بقية الشعوب، إلا أن عليها مسؤولية أوجب في حال لم يؤدِ الزحف إلى توقف العدوان، إذ في هذه المرحلة سيكون عليها التوجه إلى الحدود مع الاحتلال الإسرائيلي والضغط بكل ثقلها لوقف العدوان. في مصر مثلاً، يجب على المصريين إدخال المساعدات بالقوة مهما كانت التضحيات والصدامات مع من يعوقهم، فالمعركة في غزة واحدة من أي منظار نظرت إليها، أكان منظاراً شرعياً أو قومياً أو نفعياً خالصاً.

الخياران السابقان ليس من الصعب القيام بهما. نحتاج إلى تنسيق بين الشباب والنشطاء وهذا سهل في ظل المنصات الاجتماعية مع خبرات تراكمية منذ الربيع العربي، كما نحتاج إلى دعوات من العلماء والنخب لشحذ الهمم وتحشيد الشعوب، بما يضبط المسار حتى تحقيق هدفه المتمثل في إيقاف العدوان على غزة. 


أما مسؤولية فلسطينيي الضفة و48، فهي أكثر ثقلاً، وهي تتطلب الاشتباك المباشر مع العدو، وإعادة تفعيل العمل الفدائي بكل أساليبه بما فيها العمليات الاستشهادية، وهذا يجب أن يكون بمعزل عن موقف الشعوب الإسلامية وسواء تحركت أو بقيت في سباتها.

ما كتبته ليس شيئاً جديداً.. ربما هو تنظير لا قيمة له، لكن هذا ما خطه قلم عاجز صاحبه عن فعل شيء غير الكتابة. نحن نثرثر كثيراً، ونكتب كثيراً عن غزة في المنصات، لكن هذا لم يوقف العدوان الذي يدخل شهره الخامس بعد أيام. نحتاج إلى أن نتحرك بعيداً عن الشاشة، أن نتحرك على الأرض، ونبدأ بالتوجه نحو رأس الأفعى في هذه الحرب، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، ولتكن سفاراتها في بلداننا هي البداية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

منذر فؤاد
كاتب يمني
تحميل المزيد