كان اسم "زيدان" من الكلمات "التريند"، أي الأكثر تداولاً في الشارع الرياضي الجزائري، خلال الأيام القليلة الماضية، رفقة اسمَي صادي وبلماضي.
وتتقاطع الأسماء الثلاثة في قاسم مشترك وهو منتخب الجزائر لكرة القدم، إذ مباشرة بعد تأكد رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم، وليد صادي، الأسبوع الماضي، من رحيل جمال بلماضي من رئاسة الجهاز الفني لفريق "محاربي الصحراء"، سارع للاتصال بوكيل أعمال المدرب الفرنسي زين الدين زيدان، لجسّ النبض ومعرفة مدى استعداد موكله للإشراف على الإدارة الفنية لمنتخب بلده الأصلي.
الجماهير الجزائرية حلمت بمشاهدة الأسطورة مع منتخب بلدها
وسرعان ما انتشر هذا الخبر وسط الجماهير الرياضة الجزائرية، التي بدأ البعض منها يحلم بقرب مشاهدة أحد أساطير الكرة العالمية على رأس منتخبها الوطني، فيما راح البعض الآخر يناقش فرص نجاح "زيزو" مع تشكيلة "الخضر"، ومدى قدرته على كسب الرهانات التي تنتظره في المسابقات القارية والدولية القادمة.
وقد بلغت جدية رئيس اتحاد الكرة الجزائري وليد صادي في الأمر إلى درجة تكليف مبعوثين خاصين به للالتقاء بوكيل زين الدين زيدان، ألان ميلياتشيو، بالعاصمة الفرنسية باريس، بهدف تقديم عرض رسمي، ومناقشة شروط العقد المحتمل بين الطرفين.
ولكن ميلياتشيو أبلغ مبعوثي صادي بأنّ زيدان غير مهتم في الوقت الحالي بشغل الإدارة الفنية لمنتخب الجزائر، مثلما سبق له من قبل رفض عروض الإشراف على منتخبات وطنية كبيرة على غرار البرازيل والولايات المتحدة الأمريكية.
وانتشر خبر رفض زيدان عرض الاتحاد الجزائري لكرة القدم مثل النار في الهشيم، خاصةً بعدما تداولته الصحافة الفرنسية والعالمية المختصة، فكان أن تلقاه أنصار المنتخب الجزائري بأسف كبير، كما عبَّر الكثير منهم عن انزعاجهم، وحتى غضبهم من زين الدين لعدم قبوله الإشراف على منتخب بلده الأصلي، وهو الذي لَطالما عبَّر في مناسبات سابقة عن فخره ببلد أجداده، ورغبته في مد يد العون له في حال احتياجه لخدماته.
وبحسب الصحافة الفرنسية فإنّ بعض أفراد عائلة زيدان كانوا قد سعدوا بالعرض الذي تلقاه زين الدين من الجزائر، وتمنوا أن يقبل بالفكرة، قبل أن يرفض المدرب السابق لريال مدريد هذا العرض بكل لباقة.
وكانت الجماهير الرياضية الجزائرية أكثر خيبة من عائلة زيدان، ولكن هل هي مُحقّة في ذلك؟
بالطبع ليس من حقها أن تغضب من قرار زين الدين زيدان، بل بالعكس فإنّ من حق هذا الأخير قبول أو رفض عرض تدريب منتخب الجزائر أو غيره، مثله في ذلك مثل أي مدرب جزائري أو أجنبي، لأنَّ ذلك يدخل، قبل كل شيء، في إطار الحرية الشخصية للرجل، بغض النظر عن اقتناعه بالمشروع الرياضي أو امتعاضه منه.
ومن المعروف عن زين الدين زيدان أنه إنسان كتوم وقليل الحديث للصحافة، ولذلك لم نسمع منه أي تعليق على العرض المقدم له من طرف اتحاد الكرة الجزائري، كما لم يرد منه أي رد فعل علني على غضب الجماهير الجزائرية، تجاه رفضه الإشراف على منتخبها الوطني لكرة القدم.
يحب الجزائر والجزائريين ولكن..
ولكن زيدان وجد من يدافع عنه ويقرأ أفكاره ويوضح الأمور بشكل أفضل. ويتعلق الأمر بصديقه المقرب كريستوف دوغاري، زميله السابق في نادي بوردو الفرنسي ومنتخب فرنسا.
فقد ذكر دوغاري لإذاعة مونتي كارلو الفرنسية، الثلاثاء 30 يناير/كانون الثاني 2024، أنّه يعتقد أنّ زيدان قد رفض تدريب منتخب الجزائر لأنه قد حسم وجهته التدريبية القادمة.
وقال متحدثاً عن زيدان: "إنه يحب الجزائر والجزائريين، هذا أمر مؤكد، ومن المؤكد أيضاً أنه يفعل الكثير من أجل الجزائر". وأضاف موضحاً: "إنه يريد الذهاب لمكان آخر غير منتخب الجزائر".
وتابع: "أنا أتفهم رفضه لقيادة المنتخب في ظل هذه الظروف، لديه طموحات أخرى، لا يوجد أي شيء مستحيل، لكني أتفهم موقفه.. ليست لدي معلومات ولكن أعتقد أنه يجب أن تكون هناك وجهة ما وقد وافق عليها".
ولمَّح دوغاري إلى أنَّ هذه الوجهة قد تكون نادي ليفربول الإنجليزي، لخلافة المدير الفني الألماني يورغن كلوب، الذي أعلن قبل أسبوع رحيله عن الفريق عند نهاية الموسم الكروي الجاري، حيث قال المهاجم السابق لمنتخب فرنسا في هذا الشأن: "ليفربول على سبيل المثال أفهم أنه في تفكيره، حيث كرة القدم التي يحبها".
هذا إذاً ما أراد توضيحه دوغاري حول موقف صديقه زيدان، والذي لمح بأنَّ زيدان غير مهتم بالمشروع الرياضي للمنتخب الجزائري في الوقت الحالي حين قال: "أنا أتفهم رفضه لقيادة المنتخب في ظل هذه الظروف، لديه طموحات أخرى".
المنتخب الجزائري الحالي لا يلبي طموحات زيدان
نعم فمنتخب الجزائر الحالي لا يُلبي طموحات زين الدين زيدان، فهذا الفريق خرج لتوه من نهائيات كأس أمم أفريقيا لكرة القدم "كان 2023" وهو يجر أذيال الخيبة، بعد إقصائه من الدور الأول للمسابقة، كما أنَّ المنتخب سيعرف في القريب العاجل تحولاً جذرياً في تركيبته البشرية، في ظل الاعتزال المرتقب لعدة لاعبين مخضرمين، على غرار رياض محرز وسفيان فيغولي ورايس وهاب مبولحي وإسلام سليماني.
وإضافة لذلك فإنَّ أقصى طموحات المنتخب الجزائري على المديين القريب والمتوسط هي التأهل إلى نهائيات مونديال 2026، والذهاب إلى أبعد حد في بطولة كأس الأمم الأفريقية 2025، التي سيحتضنها المغرب.
وبالمقابل فإنَّ طموح زيدان يبقى (بغض النظر عن حديث دوغاري عن ليفربول) هو الإشراف مستقبلاً على منتخب فرنسا، وقيادته للتتويج بلقب بطولة أوروبا وبكأس العالم، مثلما سبق له قيادته لنفس الإنجازين عندما كان لاعباً.
وبعيداً عن الطموحات المشروعة، أعتقد أنّ زيدان يريد الحفاظ على صورته الجميلة لدى الجزائريين، ويخشى أن تنهال عليه الانتقادات، "وحتى الشتائم"، من طرف الجماهير الرياضية المتعصبة في حال الفشل، مثلما سبق أن حدث مع ابنَي البلد رابح ماجر وجمال بلماضي.. وذلك موضوع آخر.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.