تداعيات دعت للقاء البرهان مع تبون.. كيف تؤثر حرب السودان على الجزائر؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/01/31 الساعة 13:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/01/31 الساعة 13:19 بتوقيت غرينتش
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ورئيس مجلس السياد السوداني عبد الفتاح البرهان في الجزائر/ الرئاسة الجزائرية

رغم البعد الجغرافي النسبي للسودان عن الجزائر إلا أن الأزمة السودانية وتداعيتها الأمنية والإنسانية باتت تهدد دول جوار الشريط الحدودي البري الجزائري في الجنوب؛ وإن استمرار الأزمة السياسية والأمنية والاقتصادية والعرقية والإنسانية قد تؤدي إلى انهيار أجهزة ومؤسسات الدولة وعلى رأسها مؤسسة الجيش في السودان. وصف الكاتب الفرنسي François-Marie Arouet، المعروف باسم Voltaire دور الجيش في الدولة الحديثة قائلاً: "عندما تمتلك الدول جيوشاً، يمتلك الجيش البروسي دولة". 

أتت زيارة رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان للجزائر يومي الأحد والإثنين الماضيين الموافقين 28 و29 يناير 2024 للجزائر في زيارة رسمية، حيث تباحث الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان خلالها مع الرئيس عبد المجيد تبون مسار العلاقات الثنائية بين البلدين والقضايا ذات الاهتمام المشترك بين البلدين، كما أشاد من جهته الرئيس عبد المجيد تبون بالعلاقات الضاربة في التاريخ التي تربط الشعبين الشقيقين الجزائري والسوداني.

كيف تؤثر حرب السودان على الجزائر
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ورئيس مجلس السياد السوداني عبد الفتاح البرهان في الجزائر/ الرئاسة الجزائرية

شبح الحرب الأهلية وعامل عدم الاستقرار الدائم

إن دخول السودان في حرب أهلية طويلة، والذي يعتبر السيناريو الأكثر ترجيحاً من طرف المختصين في الشأن السوداني، قد لن ينعكس فقط على دول جوار السودان خصوصاً الجارة الشمالية مصر، بل قد تمتد التداعيات إلى دول الساحل الأفريقي، هذا مع زيادة انتشار الأسلحة، وتموضع الجماعات الإرهابية المسلحة، والهجرة غير النظامية وتبعاتها، بالإضافة إلى تهريب المخدرات والمتاجرة بالبشر. 

سقوط شمال مالي في يد الجماعات الانفصالية والجماعات الإرهابية المسلحة عام 2012، أحد أهم أسباب التدخل العسكري الفرنسي في مالي في إطار ما يُعرف بعملية سرفال عام 2013، ثم في عملية برخان عام 2014. وقد جاء التدخل العسكري الفرنسي في شمال مالي في شتاء 2013، متزامناً مع حادثة الهجوم الإرهابي في يوم 16 يناير/كانون الثاني 2013 على المركّب الغازي بتيقنتورين في أقصى الجنوب الشرقي الجزائري بولاية إليزي، حيث كانت تلك الحادثة النقطة المفصلية والتحوّل النوعي للعقيدة الجديدة للجيش الجزائري في السياسة الأمنية للعمق الأمني في منطقة الساحل والغرب الأفريقي.

تعتبر حرب الـ"جنرالين" في السودان حالياً وتداعياتها الأمنية على دول الساحل عموماً والجزائر خصوصاً مصدر قلق للجزائر، خاصة بعد إعلان قرار المجلس العسكري في مالي يوم الخميس الماضي عن إنهاء اتفاق السلام والمصالحة الوطنية، وتم توقيع اتفاق السلام والمصالحة مع تنسيقية الحركات الأزوادية (جماعات التوارڤ) عام 2015 بوساطة الجزائر، لإنهاء العنف في المنطقة التي يطلق عليها الطوارق اسم أزواد، والتي تضم مدناً مثل: تمبكتو وغاو وكيدال في شمال مالي.

بعد انسحاب القوات الفرنسية الخاصة من مالي عام 2022 في فشلها الذريع في حربها على "الإرهاب" وانسحاب بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (MINUSMA) في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي والتدهور الأمني وعدم الاستقرار السياسي في النيجر بعد الانقلاب العسكري في الصيف الماضي؛ لذلك تحاول الجزائر ملء الفراغ الأمني في المنطقة، وإعادة انتعاش مجموعة الأمن والاستقرار في مالي والنيجر.

الانسحاب الفرنسي من مالي/ الأناضول

الجزائر في محيط ملتهب

في ظل هذه المعطيات تسعى الجزائر إلى وضع آلية عمل جدية لمجموعة مع دول المنطقة، وبدلاً من الاكتفاء بالتنسيق الأمني والعسكري على الحدود المشتركة، سيتم تحريك دوريات مشتركة على الحدود بين الدول الأعضاء؛ خاصة بعد تنفيذ العقيدة الأمنية الجديدة للجيش الجزائري يضع الجيش الجزائري في وضعية استعداد والسماح للجزائر بالقيام بعمليات عسكرية خارج حدودها الترابية في ظل الأسس الشرعية لأحكام مواثيق الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي. 

 في سياق الظروف المتغيّرة التي يشهدها السودان منذ شهر أبريل/نيسان 2023 سارعت الجزائر إلى عقد اجتماع الجزائر بالعاصمة الجزائرية، اجتمع فيه مجموعة من القادة العسكريين لكل من الجزائر ومصر وليبيا وقائد عسكري من جبهة البوليساريو، حيث جاء هذا الاجتماع في إطار اللقاء الحادي عشر للجنة رؤساء الأركان، والاجتماع العاشر لمجلس وزراء الدفاع للدول الأعضاء في منطقة شمال أفريقيا التابعة للاتحاد الأفريقي، وذلك بهدف مناقشة مسألة التعاون الإقليمي في مجال مكافحة الإرهاب في المنطقة، وفضّ النزاعات وعمليات إحلال السلام.

أكد قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أول سعيد شنڤريحة أن هذا اللقاء "سيشكل فرصة لتعزيز مستوى التنسيق القائم بين البلدان الأعضاء لمواجهة التهديدات المحدقة بأمن وسلامة المنطقة، بما يعطي دون أدنى شك، دفعاً قوياً لقدرة إقليمنا، من حيث الجاهزية العملياتية، وتعزيز مستوى التنسيق القائم بين بلداننا، لمواجهة التهديدات المحدقة بأمن وسلامة منطقتنا". متابعاً أن "منطقة شمال أفريقيا وعلى غرار باقي مناطق القارة الأفريقية، تواجه تحديات كثيرة في مجال السلم والأمن، كالإرهاب والجريمة المنظمة والصراعات المسلحة والنزاعات الحدودية، الأمر الذي يتطلب منا، أكثر من أي وقت مضى، التعاون لمواجهة هذه التحديات، والعمل على الحد من العنف والتطرف وجميع أشكال الجريمة العابرة للحدود".

بناءً على التداعيات الإقليمية وشبه الإقليمية للحرب الجارية في السودان، وفي غياب لأي وساطة جدية سواء من قبل دول القوى الإقليمية أو الدولية لوقف إطلاق النار وجلب الجنرالين المتنازعين إلى طاولة المحادثات بين قوات الجيش النظامي بقيادة رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو (الملقب بحميدتي)، ستكون للحرب امتدادات إقليمية واسعة، باعتبار أن دولة السودان تلعب دوراً محورياً في محيطها الإقليمي. 

الاستقرار السياسي والأمني

حيث يشكل السودان بمساحته الجغرافية الشاسعة، وتركيبته البشرية الخاصة، منطقة محورية في ثلاثة مناطق حيوية: شمال أفريقيا، القرن الأفريقي، ومنطقة الساحل. ومن هذا المنطلق فإن الأزمة السياسية والأمنية وانعكاساتها الاقتصادية والإنسانية التى باتت تهدّد الاستقرار والأمن القومي للدول العربية المجاورة على غرار مصر التي تشهد أزمة اقتصادية خانقة، وليبيا التي تعيش أزمة سياسية وأمنية منذ أكثر من عقد من الزمن، ولكون كل من مصر وليبيا دولتين محوريتين في معادلة توازن القوى في منطقة شمال أفريقيا والساحل الأفريقي، فإنهما دخلتا في معادلة حرب الجنرالين في السودان، فمصر تدعم الفريق أول ركن البرهان، في حين نجد أن ليبيا المنقسمة بين حكومة شرعية بطرابلس محايدة تسعى للعمل على استقرار السودان، ومن جهة أخرى قوات المشير المتقاعد خليفة حفتر ورئيس مجلس النواب بطبرق صالح عيسى عقيلة الداعمين لقوات الدفع السريع الفريق حميدتي، وهو ما زاد من تعقيد مسألة تعاطي الدول العربية المجاورة للسودان في الحرب الأهلية والتي هي حرب ضد المدنيين العزّل. 

هذا بالإضافة إلى الوضع السياسي الانتقالي المتأزم في جمهورية تشاد، فضلاً عن الصراعات الإقليمية المتمثلة أساساً في الصراع المصري-الإثيوبي بسبب سد النهضة والذي تعد السودان طرف ثالث فيه والإثيوبي-الصومالي بسبب النزاع الحدودي. ومن منطلق أن حدود السودان مفتوحة على سبعة بلدان أفريقية، فإنه من الصعب عدم الأخذ بجدية تداعيات العوامل الأمنية في السودان على دول الجوار مثل تشاد وليبيا. 

كما يعتبر متغيّر نزوح آلاف المهاجرين غير الشرعيين من التراب السوداني مروراً بتشاد ودخولهم للتراب الليبي والنيجيري من أهم عوامل عدم الاستقرار وتهديد النسيج الاجتماعي لدول الاستقبال، وذلك في ظل غياب سياسة حماية ومتابعة وإدماج هؤلاء الفارين من الحرب. ومن هذا المنطلق تسعى الجزائر إلى تأمين حدودها الجنوبية لمحاربة التنظيمات المسلحة وشبكة مهربين المهاجرين غير الشرعيين التي أصبحت تهدد أمن دول الجوار وأمن الدول الأوروبية على الضفة الغربية لبحر المتوسط. 

أصبح من الصعب التنبؤ بمسار الأزمة السودانية المتعددة الأبعاد، ومستقبل هذه الحرب التي تنطوي في تصنيف حروب بالوكالة بين الدول القوى الدولية والإقليمية في منطقة الشرق الأوسط شمال أفريقيا MENA. وذلك في ظل غياب تام لدور الدول العربية الفاعلة والمؤثرة سواء المجاورة للسودان، أو القوى الدولية الكبرى التي لم تعبّر إجمالاً -إلى الآن- يبدو أنها "منشغلة" بالعدوان الصهيوني وسياسة الدمار الشامل الجاري على قطاع غزة في فلسطين المحتلة. عن مواقف صريحة ودقيقة من الأزمة السودانية، باستثناء الموقف الدبلوماسي الإقليمي التقليدي لأي مبادرة مصالحة بين الجنرالين المتحاربين، هذا ما تأكّد في بيان مخرجات قمة جدّة لجامعة الدول العربية مايو/أيار 2023 رفض أي تدخل خارجي في الشأن السوداني لتفادي تأجيج الصراع، ويمكن اعتبار اجتماعات الفرقاء السودانيين في جدة خطوة يمكن البناء عليها لإنهاء الأزمة، والتأكيد على ضرورة التهدئة في السودان وتغليب لغة الحوار. 

إلا أن زيارة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان للجزائر تهدف للخروج من عزلة هذا الأخير، تسعى الإدارة الجزائرية لمساعدة مساعي المبعوث الخاص الجديد للأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان الجزائري رمطان لعمامرة وزير الخارجية السابق لإيجاد مسار إيجابي وفقاً للرؤية الجزائرية في حرب الجنرالين: هو العودة للحوار الوطني مع كل التيارات السياسية ووقف الحرب. 

اﺳﺘﺒاق الجزائر للعب دور فاعل في المحيط اﻟﺠﻴﻮﺳﻴاسي الأﻓﺮﻳﻘﻲ، ﺧﺼﻮﺻﺎً ﻣﻊ ﺗصاعد بؤر التوتر وعدم اﻻﺳﺘﻘﺮار، يجعل الجزائر تتموقع كقوة استقرار ﰲ اﻟﻌﻤﻖ اﻻﺳﱰاﺗﻴﺠﻲ للدفاع عن استقرار دول الساحل المجاورة وغير المجاورة حفاظاً على أمنها القومي والدفاع عن مصالحها في ظل التقلبات الجيوسياسية التى تعرفها منطقة شمال أفريقيا والساحل الأفريقي.

تأمل الجزائر من خلال عضويتها غير الدائم بمجلس الأمن الدولي على حلحلة المشاكل وحل النزاعات في محيطها الإقليمي ونصرة القضايا العادلة والحد من الحروب التي باتت تداعياتها تشكل خطراً داخل العمق الأمني الجزائري. 

كما تسعى الجزائر إلى تقديم مساعدات تنموية للدول الساحل الأفريقي المجاورة، وأيضاً تسريع المشاريع التكاملية على غرار الطريق العابر للصحراء، وخط الألياف البصرية المرافق له، ناهيك عن أنبوب الغاز العابر للصحراء بين نيجيريا والجزائر، وطريق معبد بين تندوف الجزائرية والزويرات الموريتانية، ويبقى عمق الجزائر الأفريقي مبنياً على محددات استقرار الوضع الأمني في السودان ووحدة ترابه ونسيجه الاجتماعي والثقافي وباقي دول الساحل الأفريقي من البحر إلى المحيط.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبدالنور تومي
كاتب وباحث جزائري
صحفي متخصص في شؤون دراسات شمال إفريقيا في مركز دراسات الشرق الأوسط (أورسام). حصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة تولوز في فرنسا. له مقالات تنشر في صحيفة ديلي صباح اليومية التي تصدر باللغة الإنجليزية في تركيا. عمل محاضراً في قسم دراسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في كلية بورتلاند كوميونيتي. وفي الوقت نفسه كان عضواً في مركز دراسات الشرق الأوسط التابع لجامعة ولاية بورتلاند.
تحميل المزيد