في البداية، ولكي لا نُطيل الحديث، فإن منتخب مصر الحالي ليس إلا مجموعة من الأحداث المتراكمة، بعض من الغرور والكبرياء، وانعكاس من الغطرسة المُطلقة على الجمهور المصري نفسه.
لن يكون الحديث عن هذا الجيل بمثابة انتقاد له؛ لأنه تخطى منذ زمن فكرة الانتقاد، فالانتقاد في حد ذاته يكون لفريق حاول لكنه لم يفلح، والمنتخب المصري كما لو كان مجموعة من الرجال التي تركض في الميدان بلا هدف، إلى اللا شيء.
منتخب يمتلك كمية كبيرة من المحترفين، لكن كل لاعب فيه يلعب كما لو كان يتعرف على لعبة كرة القدم في اللحظة التي يخوض فيها المباراة فحسب، منتخب لا تستطيع المراهنة عليه بأي حال من الأحوال وإلا ورطت نفسك في الكثير من اللغط والأخطاء!
ماذا بين هذا الجيل والجيل التاريخي منذ أكثر من عقد من الزمان؟ لا، هذا السؤال يبخس حق الأخير أكثر منه، فالمقارنة بينهما تظلم الجيل الأكثر ثباتاً والأكثر محاولة، حتى وإن كان الأول قد امتلك ميزة التأهل لبطولة كأس العالم التي لم يمتلكها الأخير!
جيل حسن شحاته باستفاضة كبيرة
أول ما يُميز منتخب شحاته هو أنه كان مصرياً بصبغة مصرية تامة: مدرب مصري، عناصر محلية، عناصر محترفة تلعب كل مباراة كأنها المباراة النهائية.
فازت مصر بثلاثة ألقاب لبطولة كأس الأمم الأفريقية، لكن الإنجاز نفسه لم يحصد الثناء الذي يليق به، إذا ما نظرنا إلى القوة المهولة التي كانت عليها منتخبات القارة حينها.
فكانت الكاميرون تمتلك صامويل إيتو في خط هجومها، وجيل ساحل العاج التاريخي بقيادة ديدييه دروجبا، بالإضافة لمنتخب نيجيريا وكذلك غانا، كل هذه العوامل كان من الصعب خلالها السيطرة على القارة لمرتين متتاليتين، ما بالك بثلاث مرات متتالية!
فعلت مصر ذلك، في أرضها وخارجها، بمحمد أبو تريكة وبدونه، في الشتاء وفي الصيف، في كل الظروف الممكنة وغير الممكنة، ولم يتوانَ هذا الجيل أبداً عن فرض سيطرته على القارة الأفريقية التي بدت صغيرة أمامه، بمواهبها وقاداتها وكذلك كل الأسماء التي كانت تزخر بها منتخبات القارة السمراء التي أرعبت الجميع.
كما ذكرنا في الأعلى، لم يتأهل المنتخب المصري في تلك الحقبة الزمنية لبطولة كأس العالم أبداً، لكنه في الوقت نفسه قدم بطولة أخرى في محفل قاري لن تُمحى من الذاكرة مهما حدث؛ هي بطولة كأس القارات عام 2009 في دولة جنوب أفريقيا.
في تلك البطولة، ذهب المنتخب المصري إليها مُحملاً بنبرات تخويف شديدة من قوة المجموعة، ربما لم يقع المنتخب المصري طوال تاريخه في مجموعة أصعب من تلك: منتخب البرازيل، منتخب إيطاليا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
كانت التوقعات بكل تأكيد تتحدث عن توديع من دور المجموعات، وكم كبير من الأهداف سيتلقاه المنتخب المصري في شباكه ثم يخرج من البطولة مُنكس الرأس، لكن المفاجأة!
يُقدم المنتخب المصري ملحمة كروية في الجولة الأولى أمام منتخب البرازيل، ويُرغمه على الانتصار بركلة جزاء جدلية بعد مباراة تاريخية، خرج ريكاردو كاكا بعد المباراة ليتحدث عن أحقية المنتخب البرازيلي في الانتصار ضد خصم صعب مثل المنتخب المصري، وربما حتى لو لم يتحدث كاكا لكانت أوجه لاعبي المنتخب البرازيلي شارحة لحالتهم.
لم يكن كاكا هو الوحيد الذي عانى في هذا اللقاء، بل كان مدربه دونجا، الذي قال إنه لم يُحضر منتخبه بالشكل المثالي لتلك المباراة؛ ما فرض عليهم كل هذا العناء، وهو أمر يجعلنا نتأكد أن البرازيل وصلت لهذه المباراة بثقة مفرطة بالانتصار، لكن المنتخب المصري لم يكن يهابها إطلاقاً.
في الجولة الثانية، أسقط المنتخب المصري منتخب إيطاليا، بطل العالم الذي كان يحمل لقب بطولة كأس العالم من أرض ألمانيا، والذي سدد كتلة مهولة من الكرات لكن عصام الحضري حرمه من أية فرحة.
كل الطرق التي كانت تؤدي إلى روما، حُظر فيها التجوال، لقد تمكن الفراعنة من إيقاف زحفهم، والصحافة الإيطالية استسلمت للواقع بعنوان "نحن مومياوات!".
هدف محمد حمص، الذي كان بصناعة محمد أبو تريكة؛ هدف جعل إيطاليا تركع، تركع لأول هزيمة من منتخب أفريقي، بطل العالم يسقط في تابوت الفراعنة، وسده العالي يمنع نفاد نقطة إلى مرماه، فبوفون، بكل ما يحمل من تاريخ، طلب قميص عصام بعد اللقاء، وحيّاه على ما قدمه.
قدمت مصر ملحمتين كرويتين، في فترة وجيزة، أمام أباطرة الهجوم، وملوك الدفاع، وفي الملحمتين كان هذا المنظر، في الأعلى حاضراً، العلم الجنوب أفريقي يساند مصر، والمواطن الأفريقي يحتفل كأنها وطنه، وهذه الأشياء لم ترها أوروبا من قبل.
بسبب هذه المشاهد الأفريقية الخالصة، أليكسي لالاس معلق ESPN يومها، وبالمناسبة، هو كابتن سابق لمنتخب أمريكا، قال إنه لم يكن يمتلك أية معرفة بطبيعة المصريين لكن من تلك البطولة أصبح المنتخب المصري هو منتخبه المفضل، ويفتخر أليكسي بأن هناك منتخباً أفريقياً استطاع أن يكون بهذه الندية لمنتخب مثل البرازيل وكذلك منتخب إيطاليا!
لماذا كل هذا العداء مع منتخب مصري الحالي؟!
أعتقد أن من الصعب على مشجع لهذه اللعبة، تقبل فكرة الانحدار الرهيبة التي وصلت إليها الكرة المصرية وبالأخص ما آلت إليه أمور منتخب مصر، المنتخب صاحب السبعة ألقاب في بطولة كأس الأمم الأفريقية، لا يُجيد حالياً الفوز أمام منتخبات موزمبيق والرأس الأخضر أو الكونغو الديمقراطية!
منتخب مصر الذي يتزعم القارة تاريخياً، يحتاج إلى ركلات الترجيح للتأهل على حساب الكونغو الديمقراطية، ويحتاج إلى جولة ثالثة وتعادل بين موزمبيق وغانا لكي يتأهل للدور التالي في مجموعة يتفوق عليه فيها منتخب لا يملك من الخبرة ولا التاريخ الكروي الكثير مثل الرأس الأخضر!
منتخب مصر، يُعاني تاريخياً من مُعضلة "التبرير" تبرير الفشل هو وسيلة مشروعة دوماً بالنسبة للإعلام الرياضي المصري، والذي يُحاول زج أفكار دخيلة على رأس كل مشجع، بالأخص في مسألة التأهل لبطولة كأس العالم.
تخيل معي، بطولة كأس العالم أقيمت تاريخياً في 23 نسخة، تأهلت مصر فقط في ثلاث نسخ منها، وعلى فترات تصل الواحدة فيهم إلى حوالي 60 سنة وأخرى 28 عاماً، ومع ذلك يتحدث الناس، مع كل إخفاق في الوصول للبطولة، عن سوء الحظ وعدم التوفيق والمُعاناة الأبدية لنا معها!
كل المنتخبات التي تتزعم قاراتها من حيث عدد الألقاب، لم تفشل في الوصول إلى بطولة كأس العالم أبداً مثلما فشلت مصر طوال تاريخ البطولة، فاليابان في قارة آسيا ضيف دائم على البطولة، المكسيك في قارة أمريكا الشمالية، الأوروغواي والأرجنتين والبرازيل في أمريكا الجنوبية، أستراليا في قارتها، منتخبات إيطاليا وألمانيا وفرنسا، لا أحد يُجاري مصر في هذا الرقم المُزعج أبداً.
لكن، لسبب أو لآخر، يرى الناس أن منتخب مصر، الذي لم يصل تاريخياً إلا في ثلاث مرات، يُعاني من عُقدة، ولا أحد ينتبه إلى حقيقة أننا نتأخر في وقت يتقدم العالم فيه، من حيث الموارد البشرية والتطور التكنولوجي والتعلم والتعليم وكافة المناحي التي يحتاجها المنتخب المصري دون تفلسف زائد بحجة المعرفة المُسبقة!
أما عن الجيل الحالي للمنتخب المصري، فإنه لا يُقارن أبداً بالمنتخب التاريخي لجيل شحاته؛ بسبب أن القارة نفسها لا تتقبل هذا المنتخب، وكأنها لا تعرفه، رغم أن القارة كانت دائماً مُحبة لنفس المنتخب في حقبة حسن شحاته.
الأسباب التي يعرفها الناس هي أسباب فنية، وأخرى إنسانية؛ إذ قال وائل جمعة، لاعب منتخب مصر السابق، إن الجيل التاريخي كان محبوباً بشكل خاص جداً في القارة.
تواجد المنتخب في دول أفريقية مُهمشة دولياً، فكانت عناصره تجمع من مالها الخاص والمكافآت الخاصة بهم لتشييد آبار، وتقديم مساعدات كبيرة، أو إنشاء مسجد في المنطقة التي يتواجدون بها.
كان الناس يُحبون هذا المنتخب حقاً لأنه كان منهم، يرون نفسهم فيه ويُساندونه لأنهم يعرفون أن بوصول المنتخب المصري سيُقابلون محمد أبو تريكة الذي يُحبونه ويُشيدونه بأخلاقه، سيشاهدون لاعبين يشاركوهم نفس الروح والأرض لا تستكبر على الابتسام في وجوههم.
كان هذا التعامل الخارجي لهذا الجيل، بينما ننظر للتعامل الداخلي مع أبناء الوطن للجيل الحالي، نرى كما لو أن اللاعبين يمنوا على الجماهير المصرية لأنهم تركوا أماكن إقامتهم الفاخرة في أوروبا لكي ينضموا للمنتخب في أدغال أفريقيا بكل غطرسة وغرور، حيث ينظرون بفوقية شديدة للجمهور، ويتعاملون معه على أنه كمالة عدد كما نُسميها في عاميتنا، فصار منتخب ظلاً لا يعكس روح جماهيره.
ناهيك عن أن المنتخب الذي كان يبرع في إقصاء أقوى منتخبات القارة، لا يجوز مقارنته مع منتخب حالي لا يُجيد الخروج من مناطقه أمام منتخبات لا إنجازات تاريخية في قاموسها أبداً، والذي يحتاج إلى معجزة من السماء للصعود في كل مباراة، وتشعر بمشقة مشاهدته مهما فعلت وحاولت التصالح معه!
كان المنتخب المصري في حقبة حسن شحاته من قوام محلي، ورغم أن هذا القوام كان يُمثل القوة الكُبرى منه، إلا أن المحترفين كانوا يُمثلون قوة إضافية له، ولنا في كرة زيدان وسونج الشهيرة خير مثال على هذه الحقيقة، حيث كان محمد زيدان لاعباً استثنائياً في تقديم روحه للمنتخب المصري، وكان المنتخب كله يتعامل على أنه وحدة واحدة، لا يبحث أحدهم عن المجد الشخصي؛ لذا فإن الفارق بين الجيلين كالفارق بين الثرى والثريا.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.