في عام 2008، قرر نادي برشلونة، بقيادة الرئيس خوان لابورتا، تعيين المدرب بيب غوارديولا في القيادة الفنية للفريق، كان حينها بيب غوارديولا مرحلة انتقالية بين جيلين مختلفين للفريق، وبتوصية من يوهان كرويف تحديداً الذي رفض فكرة وصول جوزيه مورينهو بعد أن قد اقتربت الإدارة من إبرام اتفاق معه.
في ذلك الوقت، لم يكن أحد يهتم لأمر بيب غوارديولا، لكن في الوقت نفسه وضعت إدارة برشلونة رهانها الأكبر عليه هو تحديداً، وبالفعل نجحت التجربة نجاحاً باهراً في كافة النواحي، ومن الواضح أن برشلونة قد قرر أن يستخدم هذا النموذج دون غيره مهما بلغت الصعوبات أمامه.
منذ ذلك الحين اتخذت إدارات برشلونة مساراً كاملاً يستوجب منها ألا تُجرب أي شخص دخيل على فكر وأسلوب الفريق؛ الفريق الذي يُمثل القومية الكتالونية منذ أن تم تأسيسه، لم يستطع أبداً أن يتنازل عن فكرة التجارب القوية مثل غريمه نادي ريال مدريد على سبيل المثال.
حينما رحل كارلو أنشيلوتي من ريال مدريد، كان قد حقق لقب العاشرة الذي غاب عن النادي لأكثر من اثنتي عشرة سنة، وكان قد حقق لقب كأس الملك، لكن بسبب موسم صفري تخلى فلورنتينو بيريز عنه، وبعد مدة استعان به من جديد، وكانت غاية بيريز دائماً هي النتائج والألقاب للحكم على أي مدرب بتجرد تام!
هذا الأمر لم يحدث من قبل في برشلونة، وإن حدث فإنه لا يحدث بهذه الصورة؛ حيث تهتم إدارة برشلونة بأفكار غريبة تتضمن: أسلوب لعب برشلونة، أشخاص لديهم الحمض النووي لبرشلونة، وكرة جميلة حتى وإن كانت النتائج مُخزية.
انطبعت هذه الأفكار في رؤوس مشجعي النادي أنفسهم؛ فأصبحوا يحتقرون فكر وأسلوب نادي ريال مدريد الذي يقولون إنه مهما حقق من ألقاب لا يُحققها مثلما يفعل برشلونة، وحتى وإن كان نادي برشلونة لا يستطيع التواجد في مراحل حاسمة كما ريال مدريد من البطولات القارية، لكن لسبب أو لآخر، فإن جمهور نادي برشلونة يؤمن بهذه النظرية ولا يقبل التنازل عنها مهما حدث!
كانت فكرة نادي برشلونة دائماً أن يستقطب الحشد الأكبر والأضخم من الأفكار التي يبثها في رؤوس أنصاره، ويُدخل من خلالها أفكاراً غريبة لا تنتمي لحداثة الكرة في أي شيء، وكان عليه أن يعتمد اعتماداً كلياً على تجارب يصطنعها بنفسه لتتشابه مع تجربة بيب غوارديولا في الفريق.
استطاع نادي برشلونة أن يستقطب، ولأول مرة منذ زمن طويل، مدرباً اسمه إرنيستو فالفيردي، كانت السيرة الذاتية له لا تتشابه مع أقرانه من الذين يصلون لقيادة ريال مدريد فنياً، وكانت أكبر إنجازاته هي تدريب فريق أتلتيك بلباو والفريق اليوناني الآخر أولمبياكوس.
قدم فالفيردي مستويات لا تتناسب مع مبدأ واعتقاد جمهور برشلونة عن الكرة الجميلة، لكنهم رضخوا لأن النتائج كانت انتصارات دائمة معه، وبالتدريج فقد الفريق ميزته التي لطالما تغنى بها، حتى سقط في أرض روما في بطولة دوري أبطال أوروبا في حادثة تاريخية كان فالفيردي أبرز الشاهدين عليها، وكانت تلك الهزيمة، بالتحديد، ضريبة مؤجلة يدفعها برشلونة نظير تهربه منها طوال الموسم!
صبرت إدارة برشلونة عليه، وفي الموسم التالي قدم مستويات مشابهة للتي سبقته، لكنه في هذه المرة وصل إلى نصف النهائي، ليخرج بطريقة مُخجلة أكثر مما سبق له وهذه المرة كانت أمام نادي ليفربول، وفي هذه المرة أيضاً كانت الضريبة باهظة، نظير مجموعة من الأكاذيب تزامنت مع فترة حرجة للنادي.
بعد فالفيردي، كان كيكي سيتين على أعتاب الوصول، وهو الذي تلقى ثمانية أهداف كاملة من بايرن ميونيخ، في مشهد ختامي وقف فيه الرجل واضعاً يديه على مقعد البدلاء في إدراك كامل منه بأن كل شيء انتهى بالنسبة له، بل وربما أصبح التاريخ يستقبله كما يمد ذراعيه، لكنه سيُسجل فيه بمرارة قاسية تماماً.
ثم كان الدور على المدرب الهولندي رونالد كومان، أسطورة الفريق الذي وصل بمنتخب هولندا إلى نهائي بطولة دوري الأمم الأوروبية منذ مدة، لكن في الذاكرة كان هدف كومان الشهير في نهائي بطولة دوري الأبطال عام 1992 أمام سامبدوريا الإيطالي؛ الذي منح النادي نجمته الأولى في البطولة تاريخياً.
وكان من الواضح حينها أن كومان سيكون مميزاً عن كل من سبقوه، حتى إنه استطاع أن يستغني عن لويس سواريز بمكالمة هاتفية، ويُعاقب الناشئ ريكي بوج، لكن هذا كله لم يكن إلا بداية مرحلة عدائية كبيرة بينه وبين قادة الفريق.
خرج رونالد كومان من إدارة برشلونة الفنية، وهو لم يترك رقماً قياسياً إلا وحطمه، لكن تحطيم الأرقام بالنسبة لمدربي برشلونة لا يتشابه مع ما خارجها؛ حيث كان تحطيم الأرقام لكل الفرق المتوسطة والصغيرة التي لم تفز على برشلونة، في أرضه وخارج أرضه، منذ زمن، لكن كل هذا تم فك عقدته في حقبة رونالد كومان.
دعنا لا ننسَ وصول خوان لابورتا إلى رئاسة النادي، السياسي والمحامي الإسباني الكتالوني الذي يعتمد اعتماداً كلياً على ارتفاع الصوت والتمثيل لجذب الأضواء، أو سرقتها إذا أردنا الدقة من أي شخص ولاعب في صفوف نادي برشلونة.
اعتمد لابورتا في حملته الانتخابية على مجموعة من الشعارات العاطفية، التي ينجذب إليها الجمهور عادة، ثم التمسح في قميص ميسي في مشهد سينمائي، كان النقيض له هو ما حدث في بداية شهر أغسطس/آب من عام 2021 حين أعلن النادي في تغريدة انتهاء حقبة ميسي التاريخية مع النادي!
ولم يكتفِ خوان لابورتا بكل هذه الأكاذيب، بل خرج ليتهم أسطورة النادي بالجشع، وأنه لم يطلب من الإدارة أن يلعب بالمجان مهما حدث له؛ وهو أمر نفاه ليونيل ميسي بنفسه، وقال إن أحداً من الكادر الفني للنادي لم يُبلغه بهذا إطلاقاً، وإنما حدثت الأمور بسرعة شديدة للغاية!
حتى وصل تشافي هيرنانديز، المدرب الذي أعقب إقالة رونالد كومان من نادي برشلونة، والذي وصل من صفوف السد القطري في تجربة كانت تحمل مخاطر لا حصر لها؛ نظراً لأن الرجل لا يمتلك من الخبرة ما يُسعفه لقيادة برشلونة في مثل هذه المرحلة، وفي الوقت نفسه لا يمكن أن يكون هو المسؤول الأوحد عن كل شيء.
لكن تشافي هيرنانديز قبل بهذه المهمة الصعبة، ولم يُدرك مدى صعوبتها إلا حين وقف على خط القيادة الفنية للفريق، واستلم فريقاً على أعتاب الخروج من بطولة دوري أبطال أوروبا من دور المجموعات؛ وهو ما حدث فعلاً ولأول مرة منذ أكثر من 15 عاماً!
أنهى تشافي هيرنانديز الموسم الأول له في المركز الثاني خلف البطل ريال مدريد، وهو أمر اعتبره أنصار النادي مفاجأة كُبرى بالنظر لمستواه نفسه، لكن من الواضح أن الموسم الثاني للفريق بقيادته كان متخبطاً بصورة أكبر.
حصد تشافي هيرنانديز لقب بطولة الدوري الإسباني، لكنه ودع لقب بطولة كأس الملك بطريقة مُخزية بالهزيمة إياباً في الكامب نو برباعية نظيفة على يد غريمه ريال مدريد، الذي لم يستطع الانتصار بمثل هذه النتيجة إلا في السياق القديم، القديم جداً في كافة البطولات المحلية!
ولكي لا ننسَ، فإن تشافي هيرنانديز في المنافسات القارية كان واحداً من أسوأ المدربين الذين تولوا قيادة برشلونة؛ فربما شاهد جمهور برشلونة فريقه يُغادر المسابقة من مراحل متقدمة، لكنه أبداً لم يُشاهد الخروج من دور المجموعات إلا في حقبة تشافي هيرنانديز، ولسنتين متتاليتين، وبالطبع بعضهم يُماطل في أنه ليس مسؤولاً عن الخروج الأول وكأن تشافي ليس هو نفسه من وافق على هذه المهمة الصعبة!
ولم يكتفِ أنصار تشافي هيرنانديز بتبرير فشله القاري بصورة فجة، حتى أكد لهم بنفسه أنه ليس المدرب المثالي للفريق، بعد أن خسر في الموسم الأول بطريقة طريفة من نادي إنتراخت فرانكفورت الألماني بثلاثية حتى الدقيقة 90 من عمر المباراة، وذلك في الكامب نو نفسه؛ ليُغادر الفريق بطولة الدوري الأوروبي اليوروباليج من ربع النهائي في بطولة أقل شأناً من بطولة دوري الأبطال!
كل علامات التعجب الماضية لم تكن إلا استنكارات على تشافي نفسه، الذي فشل في إيصال النادي لمرحلة جيدة جداً في المسابقات القارية، وخرج للموسم الثاني توالياً من بطولة دوري أبطال أوروبا من مرحلة المجموعات، وودع مسابقة الدوري الأوروبي اليوروباليج من ثمن النهائي على يد فريق مانشستر يونايتد الإنجليزي.
وربما أراد تشافي أن يُفاجئ أنصاره ومحبيه بضرورة البحث عن مبرر حديث، بعد أن خسر مباراتين من أصل 6 مباريات في مرحلة دور المجموعات في بطولة دوري أبطال أوروبا هذا الموسم، في مجموعة هزيلة تضم: شاختار دونيتسك الأوكراني، رويال أنتويرب البلجيكي، وبورتو البرتغالي!
خسر تشافي هيرنانديز خمس مباريات في الكلاسيكو من أصل تسع مباريات لعبها أمام ريال مدريد كمدرب، خسر مرتين بأربعة أهداف، ومرة بثلاثية، خسر بطولة كأس السوبر بطريقة مُهينة تماماً، وخسر كذلك بطولة كأس الملك أمامهم.
ورغم كل هذه السلبيات التي لا تليق بنادٍ مثل برشلونة؛ ما زال يعتقد أنصار تشافي هيرنانديز أنه ظُلم وتعرض للتهميش في النادي الذي هو أسطورته، ويعتقدون بأن الهزيمة برباعية من جيرونا وخماسية من فياريال ورباعية من بلباو، ليست أموراً كافية لإثبات أن هذا الرجل لا يصلح إطلاقاً لمنصب أثقل عليه من أي منصب كان ليتولاه في نفس النادي!
وبالطبع، بعد مجموعة من الكلمات العاطفية في المؤتمر الوداعي، مع صورة بألوان رمادية أو سوداء؛ تناسى الناس كل هذه الكوارث التي لحقت بفريقهم لمجرد أن أسطورته ابتدع مجموعة من العبارات التي تلعب على أوتار العاطفة لدى الجمهور بشكل عام.
والآن، لم يعُد الحديث عن نادي برشلونة هو الحديث عن نادي برشلونة بحد ذاته؛ وإنما على كم الأخطاء التي لن تُقابلها في أي نادٍ آخر سواه، ولن تجد إدارة تتقبل كل هذه الفضائح إلا إدارة الفريق، ولن تجد إدارة تدس في رؤوس أنصارها مجموعة من الاستنكارات التي تُشعرك بأن الكرة الجميلة وحدها تكفي لتحقيق الألقاب؛ لذا لن يكون غريباً إذا استنكر نفس الجمهور فوز ريال مدريد بالبطولات القارية لمجرد أن طريقة الفوز لا تروق له.
حقبة ما بعد تشافي، بكل تأكيد لن تكون استثنائية عن سابقتها، إلا إذا استفاق نادي برشلونة وقرر أن يبحث عن مدربين صالوا وجالوا في قارة أوروبا، ويمتلكون من الخبرة ما يُمكن من خلاله قيادة هذه المرحلة الصعبة في الفريق.
لكنني لن أندهش إطلاقاً إذا خرجت الصحافة الكتالونية بعد مدة، لتتحدث عن أحقية المدرب جيرارد بيكيه، الذي تسلم رخصة تدريبية منذ أيام، في قيادة نادٍ أحبه ووقف بجواره وفي صفوفه لسنوات، وسيتحدث جمهور النادي عن تجربة غوارديولا وسيحاولون استنساخها من جديد.
ولن أندهش أن جمهور برشلونة نفسه لا يستطيع التمييز بين من كان جيداً بصورة دقيقة وسط كل هذه الاختيارات العشوائية للمدربين، ومن كان أسوأ: تيتو فيلانوفا أم جوردي رورا؟ رورا أم إرنيستو فالفيردي؟ فالفيردي أم رونالد كومان؟ كومان أم تشافي؟ تشافي أم…؟
ولن تُغلق هذه الدائرة في نادي برشلونة أبداً؛ لأن الفريق المحكوم بقومية كروية لن يتنازل عنها إلا إذا خرج بأعجوبة من هذه الأفكار التي لا تتناسب من حداثة كرة القدم، أبداً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.