بناء معبد هندوسي على أنقاض مسجد.. هكذا يعزز مودي نفوذه في الهند

عربي بوست
تم النشر: 2024/01/29 الساعة 09:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/01/29 الساعة 09:23 بتوقيت غرينتش
رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي – رويترز

منذ نيلها الاستقلال في عام 1947، رسّخت الهند نفسها كدولة علمانية، ومع ذلك، يبدو أن هذا النسيج المجتمعي الهندي الذي يتكون من مختلف الديانات والانتماءات يواجه تحديات جديدة في ظل قيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي.  فالافتتاح الأخير لرام ماندير في أيوديا، وهو معبد تم تشييده على أنقاض مسجد بابري الذي يعود تاريخه إلى القرن السادس عشر، والذي دمّره القوميون الهندوس في عام 1992؛ مما أثار أعمال شغب في جميع أنحاء البلاد أسفرت عن مقتل أكثر من 2000 شخص، معظمهم من المسلمين. وكان بناء المعبد مطلباً قديماً للجماعات القومية الهندوسية، بما في ذلك حزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه مودي (BJP) وكان مصدراً للتوتر بين المجتمعات الهندوسية والمسلمة داخل الهند لسنوات عديدة. 

تهميش المسلمين

افتتح المعبد الجديد على أنقاض مسجد مدمر، في خطوة رأى فيها القوميون الهندوس انتصاراً لأيديولوجيتهم. وقد استُقبلت هذه الخطوة بالاحتفال من قبلهم، لكنها في الوقت نفسه أثارت مخاوف جدية بخصوص مستقبل المسلمين في الهند، الذين تشكل نسبتهم أكثر من 14% من تعداد السكان؛ إذ تمثل هذه الخطوة، بالنسبة للكثيرين، دليلاً على سياسة التفوق الهندوسي التي تمارسها الأغلبية ضد المسلمين الهنود.

من جهته، واجه حزب بهاراتيا جاناتا، الذي يقوده ناريندرا مودي، اتهامات بالترويج لأجندة الأغلبية التي تسعى إلى ترسيخ هيمنة المجتمع الهندوسي على الطوائف الدينية الأخرى في الهند، وقد أثيرت هذه الاتهامات في ظل ارتفاع ملحوظ في أعمال العنف الطائفي ضد المسلمين والأقليات الأخرى، والذي تزامن مع صعود الحزب إلى السلطة. ويبدو أن افتتاح المعبد بداية الحملة الانتخابية لمودي الذي يسعى لاستخدام رام ماندير لتحقيق مكاسب سياسية في الانتخابات الوطنية المقبلة في أبريل/نيسان، أو مايو/أيار، ويضمن السلطة لولاية ثالثة على التوالي.

إضافة إلى ذلك، وجهت انتقادات لحزب بهاراتيا جاناتا بسبب استغلاله لقضية المعبد لاستقطاب الناخبين وفقاً للانتماء الديني، واستخدام هذه القضية كوسيلة لتحويل الانتباه عن القضايا المُلحة التي تواجه الهند؛ مثل الفقر، والبطالة، وعدم المساواة الاقتصادية. وقد وُجهت الأصابع إلى سياسات الحزب باعتبارها تفضل الأغنياء على حساب الفقراء، وتعمق الانقسامات داخل المجتمع الهندي بدلاً من معالجتها.


تحول الهند من ديمقراطية علمانية إلى دولة هندوسية


يُنظر إلى افتتاح المعبد على أنه انتصار سياسي لمودي الذي يسعى لتحويل الهند من ديمقراطية علمانية إلى دولة هندوسية؛ إذ يصور حزب بهاراتيا جاناتا، الذي يتزعمه مودي وجماعات قومية هندوسية أخرى، تكريس المعبد على أنه محوري في رؤيتهم لاستعادة الكبرياء الهندوسي الذي يقولون إنه تم قمعه خلال قرون من الحكم المغولي والاستعمار البريطاني.

ومع ذلك، فإن تاريخ المعبد المشحون لا يزال جرحاً مفتوحاً للمسلمين، الذين يتعرضون بشكل متزايد لهجمات الجماعات القومية الهندوسية. واتهم منتقدون مودي بالتسرع في فتح المعبد لجذب الناخبين، حيث إنه لا يزال قيد الإنشاء. ويقول محللون إن العرض المليء بالأبهة الذي قادته الحكومة يمثل لحظة مهمة في تاريخ الهند، ويظهر مدى تآكل الخط الفاصل بين الدين والدولة في عهد مودي. 

تكمُن أهمية افتتاح رام ماندير في حمله دلالات عميقة في سياق القومية الهندوسية ويُنظر إليه كرمز لتفوقها. المعبد، المُكرس لعبادة اللورد رام -أحد أكثر الآلهة تبجيلاً في الهندوسية- يُبنى في الموقع الذي يُعتقد أنه شهد ميلاد هذه الشخصية. تدشين المعبد، من شأنه أن يعزز إرث مودي كواحد من أكثر زعماء الهند أهمية، بعدما سعى صراحة إلى تحويل البلاد من ديمقراطية علمانية إلى أمة هندوسية.


المشهد السياسي في الهند


لقد كان تصاعد النزعة القومية الهندوسية في الهند موضوعاً يثير الجدل والمخاوف لفترة طويلة؛ حيث سعت الحركة القومية الهندوسية إلى دعم وتعزيز العنصرية والتعصب الديني داخل المجتمع الهندي ككل، ويُنظر إليها على أنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحزب بهاراتيا جاناتا (BJP)، الذي يحكم البلاد في الوقت الحالي. تم توجيه الاتهامات لحزب بهاراتيا جاناتا بأنه يروّج لسياسة تفضيل الأغلبية، الأمر الذي يؤدي إلى تهميش الأقليات الدينية في الهند.

من ناحية أخرى، يُعتبر تأثير حزب المؤتمر الهندي ضعيفاً، خصوصاً في السنوات الأخيرة؛ حيث أصبح حزب بهاراتيا جاناتا القوة السياسية الرئيسية في البلاد. ومع ذلك، يمتلك حزب المؤتمر تاريخاً طويلاً في دعم العلمانية، وقد كان صوتاً ناقداً للنزعة القومية الهندوسية التي يروّج لها حزب بهاراتيا جاناتا. أيضاً، عبر حزب المؤتمر عن انتقاداته لقانون تعديل المواطنة ووقف ضد مساعي الحكومة للإضرار بمكانة وحقوق الأقلية المسلمة في البلاد.

مخاوف من أن تصبح الهند دولة استبدادية ذات أغلبية هندوسية

الهند دولة تشهد تنوعاً سكانياً كبيراً، بما في ذلك نسبة كبيرة من المسلمين؛ لذلك الآثار المترتبة على تصاعد القومية الهندوسية لها وقع ثقيل على الأقليات الدينية في الهند، هذا التصاعد الحاد في القومية الهندوسية خلق قلقاً متزايداً حول الأمان والحماية لهذه الأقليات. فقد سُجلت أعمال عنف ضد المسلمين وغيرهم من الأقليات الدينية، مع توجيه انتقادات للحكومة بسبب عجزها عن حمايتهم.

إن المخاوف من تحول الهند إلى دولة استبدادية ذات أغلبية هندوسية ليست بلا أساس، فحزب بهاراتيا جاناتا  يعمل على تقليل شأن المؤسسات الديمقراطية في البلاد، ويسعى لفرض أجندة تفضل الأغلبية على حساب الأقليات الدينية. كما أثارت القومية الهندوسية المتصاعدة القلق بشأن مستقبل العلمانية في الهند؛ حيث يخشى البعض من أن الدولة تتجه نحو التخلي عن مبادئها العلمانية الأساسية لصالح القومية المتعصبة.

خلاصة القول، إن بناء معبد هندوسي على أنقاض مسجد بابري ليس مجرد حدث عابر، بل يمثل نقطة تحول رمزية تعكس توترات أعمق وتحديات جوهرية تواجهها الهند والأقليات تحديداً، وهذه الواقعة لا تعكس فقط تشابك التوترات الدينية والقومية، بل تُلقي الضوء أيضاً على القلق المتزايد بشأن انحراف الدولة عن مبادئها الديمقراطية والعلمانية؛ مما يُنذر بتحول محتمل نحو دولة يسودها الطابع الاستبدادي، بقيادة أغلبية هندوسية مهيمنة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ألطاف موتي
باحث اقتصادي باكستاني
عضو اللجنة الدائمة للمسؤولية الاجتماعية للشركات، واتحاد غرف التجارة والصناعة الباكستانية كراتشي، باكستان. باحث سياسي واقتصادي، ومستشار الهيئات التجارية الحكومية وغير الحكومية، ورئيس شبكة التعليم في باكستان.
تحميل المزيد