في عام 551 ق.م، شهدت الصين مولد سون تزو، القائد والاستراتيجي العسكري، الذي قدم للعالم كتاب "فن الحرب". يُعتبر هذا الكتاب أقدم مرجع تاريخي يُعنى بالاستراتيجيات والخطط العسكرية، وقد تُرجم إلى 29 لغة، ويتكون الكتاب من 13 فصلاً، كل فصل يُعالج جانباً محدداً من الحرب. على الرغم من أنه كُتب منذ آلاف السنين، فإن مبادئه ما زالت تُطبق في مختلف المجالات مثل الأعمال التجارية، والإدارة، والسياسة، إضافة إلى الاستراتيجيات العسكرية، ويُعتقد أن بعض مبادئ كتاب "فن الحرب" قد تم استخدامها من قِبل القوات الأمريكية خلال عملية "عاصفة الصحراء".
من أشهر مقولات سون تزو: "إذا عرفت عدوك وعرفت نفسك، فلا داعي للخوف من نتيجة مئة معركة. إذا عرفت نفسك ولم تعرف عدوك، فلكل انتصار ستتلقى هزيمة. إذا لم تعرف نفسك ولا عدوك، فستُهزم في كل معركة".
في "فن الحرب"، يناقش سون تزو المعارك الحربية ويقدم فلسفة، مفادها أن الحرب، مهما كانت نتائجها، قد تكون غير فعالة في بعض الأحيان. يُعتبر أعلى فنون الحرب، وفقاً لسون تزو، هو تجنب المعركة تماماً، وبدلاً من ذلك، تدمير العدو من الداخل عبر تقويض ما له قيمة في مجتمعه. يشير سون تزو إلى أنه عندما تتم إزالة أو تشويه القيم والرموز المجتمعية، يقل وعي المواطنين بشكل طبيعي، ومن ثم قد لا يرونك عدواً بعد ذلك، بل يميلون إلى الإعجاب بتطورك وطموحاتك وتجاربك، محاولين تقليدك واعتبارك مثالاً يُحتذى به.
إن تدمير القيم وتشويه الثقافة يُعدان عملية معقدة تتطلب مراحل متعددة، تبدأ بمرحلة "تدمير الأخلاق". في هذه المرحلة، يتم العمل على تفكيك البنية الأخلاقية للمجتمع من خلال استراتيجيات متعددة مثل تدمير التعليم، واستغلال السياسة للدين، وترويج الفن الهابط، والتلاعب بالقانون. هذه الأساليب تؤدي إلى خلق جيل يتسم بتوجه فكري مشوه، يتصف بالجهل ويميل نحو اليأس وفقدان الثقة في المجتمع.
خلال هذه العملية، يمكن استغلال بعض الأشخاص أو الكيانات الناقمة على المجتمع، سواء كان ذلك لأسباب سياسية، أو اجتماعية، أو دينية. إذ يمكن أن يُستغل هؤلاء الأفراد، ليس لأنهم بالضرورة عملاء، بل قد يكون بعضهم يحملون نوايا وطنية أكثر صدقاً من الحكام الفعليين. ومع ذلك، يمكن أن تُستخدم أفعالهم لتعزيز هذا التدمير الأخلاقي.
عندما يصل المجتمع إلى نقطة الانهيار الأخلاقي، حيث يصبح من الصعب التمييز بين الصواب والخطأ، أو بين الشخص الجيد والشخص السيئ، يبدأ المجتمع في الانتقال إلى المرحلة التالية المتمثلة في "زعزعة الاستقرار". هذه المرحلة تتضمن تفكيك استقرار العلاقات الاجتماعية والاستقرار داخل المؤسسات. نتيجة للفكر المشوه لهذا الجيل، تصبح الخلافات شائعة حتى داخل العائلة الواحدة، ما يؤدي إلى تفكك الأسر التي هي جوهر المجتمع، ما يؤدي إلى صعوبة إنشاء أفراد قادرين على بناء مؤسسات فعالة. قرارات متخبطة قد تظهر، وقد تكون صحيحة لكن متأخرة بشكل كبير.
في هذه المرحلة، يتحول المجتمع إلى بيئة عدائية، حيث تصبح الأعمال الإجرامية شائعة ويصبح العنف والتشويه جزءاً من الأخبار اليومية. يلعب الإعلام هنا دوراً محورياً، ولكن بسبب القبضة الأمنية أو بسبب الفوضى السائدة، قد يجد نفسه معزولاً عن الواقع، غير قادر على تقديم تمثيل حقيقي لمشاكل المجتمع وهمومه.
في ضوء ما تم تقديمه، يتضح أن تدمير القيم وتشويه المجتمع ليسا مجرد عمليات عشوائية، بل هما سلسلة مدروسة ومنهجية من الخطوات التي تهدف إلى تفكيك النسيج الاجتماعي والأخلاقي للمجتمعات. إن التحدي الذي يواجهنا ليس فقط في التعرف على هذه العمليات وفهم آلياتها، بل في التصدي لها بوعي وحزم. يتطلب هذا منا جميعاً، أفراداً ومجتمعات، الالتزام بالمحافظة على القيم الأساسية والاستثمار في تعزيز الأخلاق، والتعليم، والثقافة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.