حل الدولتين بين طوفان الأقصى والإصرار الغربي على بيع الوهم

تم النشر: 2024/01/27 الساعة 10:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/01/27 الساعة 10:27 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزير خارجيته أنطوني بلينكن/ رويترز

إنَّ ما تسعى الولايات المتحدة لإعادة تسويقه من حلولٍ ميتةٍ أصبح في طيّ النسيان، وذلك عبر الحديث المتواصل عن "حل الدولتين"، وذلك ما هو إلا سعيٌ أمريكي محموم، لاستمرار نفوذ أمريكا وسطوتها في المنطقة، وإعادة هندستها سياسياً وأمنياً وفقاً لرؤيتها، بعد أن فشلت الحلول العسكرية بعد طوفان الأقصى، وهو الأمر الذي سيفشل وينهار على صخرة المقاومة وصمود الشعب الفلسطيني.

ومع استمرار أمريكا في إقحام "ملف حل الدولتين وملف التطبيع"، ضمن الحوارات والنقاشات الدائرة حول وقف إطلاق النار، ومرحلة ما بعد الحرب، ما هي إلا محاولة أمريكية لتعويم مشروعها السياسي، الذي مكَّنها خلال الخمسين عاماً الماضية من الحديث عن السلام الأمريكي في الاتفاقيات المتتابعة، التي توّجتها بالاتفاقيات الإبراهيمية، وهي محاولة لتكريس هذا النفوذ وتعويمه، بعد أن تعرض لانتكاسة كبيرة عقب معركة طوفان الأقصى.

ولا تزال أمريكا تعمد لإقحام هذه القضية ضمن أي ترتيبات لما بعد الحرب، أو ضمن أي مفاوضات حول وقف إطلاق النار باعتباره شرطاً أساسياً لهذا الوقف، أو للإغاثة الإنسانية الذي ستتبعه، وإعادة الإعمار، والتي يتوقع أن تنطلق عقب انتهاء الحرب على قطاع غزة.

وذلك أنّها تريد أن تقفز على المطالب والحقوق الفلسطينية التي يمكن أن تطالب بها المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وطالما عبّر عنها، وهي رفع الحصار وانسحاب الاحتلال من كامل الضفة الغربية ومن القدس، ووقف الاعتداءات وتفكيك المستوطنات، وتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في دولة فلسطينية مستقلة وعودة اللاجئين.

إن أمريكا تريد إقحام هذه الملفات، لأنها تريد اعترافاً فلسطينياً عربياً بالاحتلال الإسرائيلي، ليتحول إلى كيان طبيعي، وهذا بالنسبة لها سيقلب النصر الذي حققه الفلسطينيون إلى هزيمة.

وفي الوقت ذاته فإنّ ذلك من شأنه أن يكرّس نفوذها، وسيُبقي على فاعلية هذا النفوذ، من خلال تكريس الاحتلال الإسرائيلي الغاصب كقوة أساسية وفاعلة في المنطقة العربية، ومحور لأي مشاريع سياسية أو اقتصادية مستقبلية.

إنَّ حل الدولتين بالنسبة لأمريكا هو عنوان لنفوذها، وعنوان لتأثيرها السياسي في المنطقة، ويؤكد على أنّها هي القادرة على ترتيب أوضاع المنطقة وهندستها سياسياً، بعد أن فشلت في هندستها عسكرياً عقب طوفان الأقصى، فكل الترسانة العسكرية الأمريكية والإسرائيلية لم تنجح في كسر شوكة المقاومة، ولذلك هي تسعى لإحياء هذه المشاريع الميتة والعبثية، التي لا تُمثل أكثر من كونها وعوداً لن تتحقق، ولا تسعى أمريكا إلى تحقيقها، بل هي وسيلة لإدارة نفوذها في المنطقة العربية.

إنّ هذه هي رؤية أمريكا لهذا الحل، وهذا هو الدافع الحقيقي، فهو الوسيلة الوحيدة لتعويم نفوذها بعد الضربة التي تلقتها هي وحليفتها إسرائيل، التي تعد أهم أدوات هذا النفوذ، وأهمّ اختراق للمنطقة وأمنها.

إنَّ هذا الحل أيضاً يشمل هندسة المنطقة أمنياً وفقاً للرؤية الأمريكية كما قلنا، وإدماج الاحتلال الإسرائيلي سياسياً واقتصادياً في المنطقة، وتقزيم الحقوق الفلسطينية في حدودٍ ضيقة، وتجاهل حقوقه الأوسع، وهي حق العودة، والحق في تقرير المصير وإدارة شؤونه.

هذا المشروع لا يمكن له أن يتحقق في ظل وجود مقاومة فرضت شروطها، وأكدت على أنَّها الفاعل الرئيسي في المنطقة.

غير أن أمريكا ما زالت تعوّل على محاولات إحياء السلطة من زاوية التنسيق الأمني، ومن زاوية الدور الوظيفي الذي تحدده الإدارة الأمريكية، وهي بالنسبة لها تعتبر عنصراً أساسياً من هذا المشروع الأمريكي، ولا يُتوقع أن تنجح الولايات المتحدة في ترميم مشروع السلطة المرتبط بآليات التنسيق الأمني الأمريكي.

إنّ كل هذه المحاولات ستتحطم على صخرة المقاومة، وصخرة المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني، وهذا بداية لنهاية النفوذ الأمريكي وتفرّده في فرض الحلول على المنطقة العربية والشعب الفلسطيني.

إن الغرب يتحدث أن معركة 7 أكتوبر فتحت أفقاً لموضوع الرؤية السياسية، ومن هنا يعودون إلى بضاعتهم القديمة، وهي حل الدولتين، ببيع الوهم لقيادات وشعوب المنطقة.

ومن هنا سوف تتوقّف الحرب، مهما طال الوقت أو قصُر، وسينتهي العدوان الأكثر همجيةً ونازيةً في التاريخ، وسيعود الضحايا إلى أطلال بيوتهم المدمّرة بفعل القصف الصهيوني، لكن شيئاً واحداً لا يمكن أن يعود، وهو الوضع الفلسطيني إلى ما قبل السابع من أكتوبر.

يُخطئ من يتصوّر أو يتوّهم أن بالإمكان استعادة معادلة الصراع كما كانت قبل "طوفان الأقصى"، فهذه نتيجةٌ مستحيلةٌ تَجاوَزها الزمن، ولن يعود إليها، والنتائج المستحيلة هي بالضرورة تعبّر عن خطأ في التقدير وفي القراءة، وليس أكثر خطأً من قراءة 7 أكتوبر أنه كان لحظة عابرة، مقطوعة الصلة بما كان قبلها وما سوف يأتي بعدها.

إنّ أصغر طفل فلسطيني يؤمن بأن ما جرى ويجري هو واحدةٌ من جولات معركة الحلم المؤجّل منذ 76 عاماً، فلا تضحكوا على أنفسكم بأوهام ما قبل الطوفان وما بعده.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

إسماعيل الريماوي
كاتب وباحث فلسطيني
كاتب وباحث فلسطيني
تحميل المزيد