وأخيراً صوّت البرلمان التركي على قضية نوقشت منذ فترة طويلة: انضمام السويد إلى حلف الناتو. كانت السويد، التي أصبحت في حالة تأهب قصوى منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، ترغب في ضمان أمنها من خلال الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، ولكن تركيا، وهي عضو مهم في حلف شمال الأطلسي، كان لديها بعض التحفظات. وكانت تركيا قد قدمت بعض المطالب من السويد مقابل التصويت لصالح انضمام السويد إلى حلف الناتو، وهي الدولة التي واجهت معها بعض المشكلات لسنوات عديدة. ورغم أن الاحتجاجات المناهضة للإسلام وأيضاً المناهضة لتركيا في السويد أدت إلى تهدئة هذه العملية، تمكنت السويد في نهاية المطاف من الحصول على الدعم الذي أرادته من تركيا. صوَّت البرلمان أمس لصالح الموافقة على عضوية السويد في حلف الناتو بأغلبية 287 صوتاً مقابل 55 صوتاً، تضمنت جميعاً أصوات حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية وحزب الشعب الجمهوري. وإذا فعلت المجر، وهي الدولة الوحيدة التي لم تصدق بعد على عضوية السويد في منظمة حلف شمال الأطلسي، كما فعلت تركيا، فسوف تعمل منظمة حلف الناتو على توسيع حدودها نحو الشمال. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى إعادة تقييم التوازن الدولي الحالي، وخاصة من جانب روسيا، كما كان الحال عندما طُرِحَت قضية عضوية أوكرانيا في منظمة حلف الناتو على جدول الأعمال. ومع ذلك، تصرفت تركيا من خلال وضع أولويات سياستها الخارجية طويلة المدى على الطاولة، وتمكنت من الخروج من هذه العملية بأفضل المكاسب الممكنة.
ما هي مطالب تركيا من السويد؟ كم لُبِّيَت هذه المطالب؟
في إطار المذكرة الثلاثية الموقعة في 28 يونيو/حزيران 2022، التقت السويد وفنلندا مع تركيا لمناقشة انضمامهما إلى الناتو. وقَّعَت الدول الثلاث بالفعل على مذكرة من 10 نقاط، وأُنشِئت آليةٌ مشتركة دائمة في إطار المذكرة الثلاثية.
وفقاً للمذكرة ذات النقاط العشر، ستدعم السويد وفنلندا تركيا بشكل كامل ضد جميع التهديدات للأمن القومي لتركيا، ولن تقدما الدعم لحزب الاتحاد الديمقراطي/وحدات حماية الشعب والمنظمة الإرهابية المحددة في تركيا باسم منظمة فتح الله غولن. وتؤكد فنلندا والسويد أن حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية محظورة، وسوف تمنع أنشطة حزب العمال الكردستاني وجميع المنظمات الإرهابية الأخرى وامتداداتها، وكذلك أنشطة الأفراد المشاركين في المنظمات التابعة لها والمنظمات الواجهة أو المرتبطة بهذه المنظمات الإرهابية. وتتضمن المذكرة أيضاً رفع حظر الأسلحة بين الدول الثلاث.
وكانت توقعات تركيا، وخاصة من السويد، هي أن السويد يجب ألا تدعم المنظمات الإرهابية، ويجب أن تعاقب الهياكل القائمة، ويجب أن تسلم إلى تركيا بعض الأسماء المرتبطة بالمنظمات الإرهابية. ويعود تاريخ قضية التنظيمات الإرهابية، التي تعد قضية مهمة في العلاقات بين تركيا والسويد، إلى ما يقرب من 40 عاماً. فتحت الهجرة من تركيا إلى السويد بعد الثمانينيات بعداً مختلفاً في العلاقات التركية السويدية. وجعلت الهجرة المكثفة للمؤيدين والمتعاطفين مع منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية إلى السويد، بعد انقلاب عام 1980 في تركيا، مشكلة حزب العمال الكردستاني قضية مهمة في العلاقات مع السويد. ونظم أنصار حزب العمال الكردستاني تنظيماتهم في جمعيات ومجموعات في السويد وقاموا بأنشطة ضد تركيا. في واقع الأمر، بعد طرح مسألة عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي على جدول الأعمال، كان أول وأهم مطلب لتركيا من السويد هو عدم السماح بهيكلة حزب العمال الكردستاني، وعدم دعم حزب العمال الكردستاني، والاتفاق الكامل على أن حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية.
كان البند الأكثر إيجابية في المذكرة المشتركة الموقعة بين الدول الثلاث هو رفع حظر الأسلحة بين الدول الثلاث. وكانت وزارة الخارجية التركية قد أعلنت في وقت سابق أن الحظر المفروض على مؤسسات الصناعة الدفاعية في تركيا لم يعد ساري المفعول. ومع ذلك، لم يُسلَّم حتى الآن سوى اسم واحد فقط من بين 37 اسماً مطلوب تسليمهم إلى تركيا ضمن نطاق المنظمة الإرهابية. ومن المتوقع أن يقوم الأعضاء القضائيون الذين عينتهم السويد لتسليم الأسماء الأخرى بتنفيذ العملية بشكل إيجابي. من ناحية أخرى، لم يُلَبَّ حتى الآن مطلب إعلان منظمة فتح الله غولن منظمة إرهابية إلى جانب حزب العمال الكردستاني. ورغم إصرار تركيا على ضرورة إعلان منظمة غولن منظمة إرهابية، فإنه ليس من الواضح ما إذا كان هذا سيؤدي إلى نتيجة إيجابية. ومع ذلك، يمكننا القول إن خطوات السويد تجاه التنظيمات الإرهابية إيجابية.
مكاسب تركيا من انضمام السويد إلى حلف الناتو
إن العملية التي نفذتها تركيا فيما يتعلق بعضوية فنلندا والسويد في حلف شمال الأطلسي تكشف عن النهج الاستباقي للسياسة الخارجية التركية. ومن خلال وضع أجندتها الخاصة لعضوية هذه البلدان في حلف شمال الأطلسي، أثبتت تركيا أنها ليست مجرد عضو آخر في حلف شمال الأطلسي، ولكنها عضو مهم وصانع للقرار في حلف الناتو، وقد نجحت في هذا الصدد. في السنوات الأخيرة، أظهرت تركيا بوضوح سياستها الخارجية الحاسمة والمستقرة في أزمة نظام صواريخ إس-400، وكذلك في بناء محطة الطاقة النووية، ما عزز إرادتها في السياسة الخارجية من خلال إظهار قدرتها على إقامة علاقات مع كل من الشرق والغرب عند الضرورة. علاوة على ذلك، فمن خلال لعب دور مهم للغاية في أزمة الحبوب خلال الحرب الروسية الأوكرانية، وضمان فتح ممر آمن للحبوب، أظهرت تركيا للعالم مرة أخرى أنها جسر يمكنه التواصل مع جميع الأطراف. ولذلك، ينبغي النظر إلى استعداد تركيا لدعم عضوية السويد في حلف الناتو كنتيجة لهذه السياسات الاستباقية.
ومن ناحية أخرى، فإن تعزيز حلف الناتو وتوسيعه يصب بالطبع في المصالح الأمنية لتركيا، وهي عضو في الحلف. ورغم أن علاقات تركيا مع روسيا إيجابية، خاصة على المستوى القيادي، لا ينبغي أن ننسى أن روسيا منافس تاريخي وجغرافي لتركيا. الأعوام المئتان الأخيرة من صراع الإمبراطورية العثمانية مع روسيا والتهديد الروسي، وبعد إنشاء الجمهورية التركية، خاصة أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها مباشرة، كانت تهديدات الاتحاد السوفييتي، بما في ذلك المطالبات الإقليمية، لهي دروس مهمة في السياسة الخارجية لتركيا. لقد اتبعت تركيا دائماً ولا تزال تنتهج سياسة القرب من روسيا بما يكفي بحيث لا تتعرض للتهديد، والبعيدة بما يكفي حتى لا تقترب أكثر مما ينبغي وتعرض نفسها للخطر في مواجهة الغرب. لذلك، لا يزال حلف الناتو يمثل ميثاقاً دفاعياً مهماً للغاية بالنسبة لتركيا، علاوة على أن تعزيزه يعد ذا قيمة أيضاً لأمن تركيا.
إن تصريحات الولايات المتحدة، التي أعربت عن ارتياحها بعد موافقة البرلمان التركي على عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي، تتضمن أيضاً قضايا مهمة بالنسبة لتركيا. وبعد استبعاد تركيا من برنامج طائرات إف-35، رغم دفعها ثمن الطائرات، تحاول تركيا الحصول على هذه الدفعة عن طريق شراء طائرات مقاتلة من طراز إف-16 من الولايات المتحدة وتحديث طائرات إف-16 الحالية. هذه القضية، التي ظلت غير واضحة لفترة طويلة، تلقت تصريحات أكثر وضوحاً من الولايات المتحدة بعد التصديق على انضمام السويد. قال المتحدث باسم الرئاسة الأمريكية إن طائرات إف-16 جزء من الالتزام الشامل بالحفاظ على علاقة دفاعية قوية مع تركيا، وإنهم يعملون على حل المشكلة لصالح جميع الأطراف. ومن المتوقع أيضاً أن يؤدي التصديق على انضمام السويد إلى تعزيز يد تركيا على طائراتها المقاتلة البديلة من طراز يوروفايتر، إذا لم تتمكن الولايات المتحدة من حل مشكلة طائرات إف-16. بمعنى آخر، مع التصديق على انضمام السويد، من المرجح أن تحقق تركيا مكاسب ملموسة في حاجة مهمة لقواتها الجوية.
ونتيجة لهذا فقد تمكنت تركيا، باعتبارها قوة إقليمية، من استخدام هذه العملية لصالحها من خلال اكتساب أكبر قدر ممكن من مكاسب عضوية السويد، التي تصورت أنها سوف تنضم في نهاية المطاف إلى حلف الناتو، مع إدارتها الناجحة لسياستها الخارجية. وفي الوقت نفسه، أعلنت أيضاً للعالم أنها دولة صاحبة قرار في الناتو وتتصرف وفقاً لأجندة السياسة الخارجية الخاصة بها. ولذلك، ينبغي قراءة عملية انضمام السويد إلى حلف الناتو على أنها مكسب، وليست خسارة لتركيا.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.