هذه روايتنا المشتركة، رواية المقاومة والبحث عن المصير والخلاص من الاستبداد والاحتلال، فيناير التحرير وأكتوبر الأقصى، وإن اختلف السياق الزماني والمكاني والطبيعة بين الاستبداد والاحتلال، القاسم المشترك بينهما تحقيق العدالة والحرية وتأمين البقاء ضد مساعي الإبادة والإفناء.
بعد مرور ثلاثة عشر عاماً على ثورة يناير 2011، نستلهم ملحمة المقاومة والمعاناة التي يخوضها الشعب الفلسطيني منذ طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، لنعيد تذكير شعبنا المصري والأجيال التي لم تشهدها، لماذا ثورة يناير؟
لم تأتِ ثورة يناير في غفلةٍ من العالم، ولم تكن أسبابها وليدةَ اللحظة، بل اندلعت في ظل تراكم لعوامل شتى متعلقة بنظام سياسي مُباركي نيوليبرالي ديكتاتوري على مدى ثلاثين عاماً، وآثاره على المجتمع المصري، في ظل أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية، وإن كنت أدرك أن الحديث الآن عن نظام مبارك أصبح بمثابة رفاهية وحنين إلى الماضي لدى قطاع كبير من الشعب المصري، مقارنةً بالأوضاع التدميرية الأشد بطشاً للبشر والشجر والحجر، التي قادها رئيس الجمهورية الحالي عبد الفتاح السيسي منذ يوليو 2013.
عودة إلى يناير.. لقد كانت ثورة يناير وليدة أزمات عدة متعلقة بنظام استشرى به الفساد والعنف الشُّرطي، تمهيداً للتوريث السياسي، في ظل إفساد الحياة السياسية الناجم عن تزاوج رأس المال مع السلطة، وغياب العدالة الاجتماعية، ما أدى إلى بروز الفوارق بين الطبقات، وارتفاع معدلات الفقر. فخرجت من رحم المعاناة حركات اجتماعية من ضمنها حركة أساتذة 9 مارس في 2003، داعيةً إلى استقلال الجامعات، وإلغاء الحرس الجامعي، ومنع التدخلات الأمنية السافرة داخل الحرم الجامعي. وفي النصف الثاني من عام 2004 تحالفت قوى سياسية مصرية من مختلف التيارات السياسية، لتشكيل الحركة المصرية من أجل التغيير (حركة كفاية)، رافعةً شعار "لا للتمديد، لا للتوريث"، والذي اتضحت رؤيته في 25 مايو 2005، يوم الاستفتاء على الدستور لتعديل المادة (76) آنذاك لتُفَصَّل على الابن جمال مبارك. ثم نشأت مجموعة شباب من أجل التغيير، والتي كانت من جيل الشباب، داخل حركة كفاية، في عام 2005، لتجديد دماء الداعين للتغيير.
وما لبث الحراك أن تمدَّد حين حدثت إحدى أهم الحلقات في مسيرة التغيير في مصر، بإضراب عمال المحلة في 6 أبريل 2008، والذي أدى إلى انتفاضة شعبية سقطت بها صور مبارك في مدينة العمال. حينها نشأت حركة 6 أبريل في 28 يونيو 2008، لتبدأ حلقة أخرى من النضال والتراكم، ثم تأسيس الجمعية الوطنية للتغيير في فبراير 2010، على يد محمد البرادعي، والتي شاركت بها كل الجماعات والحركات المعارضة، باستثناء أحزاب الوفد والناصري والتجمع، وأخرجت الجمعية الوطنية بيان التغيير وحملة المليون توقيع لبرنامج السبعة مطالب، والتي شاركت بها جماعة الإخوان المسلمين، إذ تمثلت المطالب في:
1- إنهاء حالة الطوارئ
2- ضمان الإشراف القضائي على العملية الانتخابية
3- السماح لمجموعات المجتمع المدني المحلية والدولية بمراقبة الانتخابات
4- إتاحة فرص متساوية في وسائل الإعلام لجميع المرشحين (ولاسيما الانتخابات الرئاسية)
5- إعطاء المصريين في الخارج الحق في التصويت في السفارات والقنصليات المصرية
6- ضمان الحق في الترشح للرئاسة دون قيود تعسفية
7- تحديد مدة الرئاسة بولايتين والتصويت ببطاقة الهوية القومية بدلاً من بطاقة تسجيل الناخبين.
ثم وقعت حادثة تعذيب وقتل الشهيد خالد سعيد، في 6 يونيو 2010، على يد شرطيين، بموجب قانون الطوارئ، أداة القمع المرعبة إبان حقبة مبارك، ثم العنف والتزوير الكلي للانتخابات البرلمانية في أواخر نوفمبر 2010، إلى أن جاء الحراك الشعبي رافعاً شعار "عيش وحرية وعدالة اجتماعية"، في 25 يناير 2011.
انطلاقاً ممَّا سبق كانت ثورة يناير خطوةً ضروريةً واستجابةً طبيعيةً لمواجهة نظام أمعن في إزلال الشعب المصري، وحطَّم أحلامه وآماله في العيش بكرامة داخل الوطن، فكان الحراك طبيعياً لإنهاء عقود من الديكتاتورية لتحقيق العدالة وانتزاع الحقوق وترسيخ الحريات.
نعم، حدثت ثورة يناير، وثارت آمال النضال في تصحيح ما أصاب الحراك الاجتماعى من تشوهات وهزائم، ولكن هذا المناخ لم يستغرق وقتاً طويلاً حتى تم الانقلاب عليه في يوليو 2013.
لماذا أخفقنا؟
لم تُفكك الثورة مكوناتِ نظام مبارك، وكان التغيير شكلياً مؤقتاً غير جذري؛ إذ اعتبر الثوار تنحي مبارك بمثابة إعلان نجاح للثورة، في حين ظلت الدولة العسكرية تحكم وتتآمر وتنمي الشقاق وتعمق الصراع، حتى بسطت سيطرتها وتمكنت من إلحاق الهزيمة بيناير، عبر تدخّلها الخشن العنيف في 2013.
فالثورة تعني التغيير الجذري لكل البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولا تعني مجرد إطاحة حاكم، إذ عليها أن تأتي بقوى جديدة تحمل مبادئ الثورة، لتحل محل الديكتاتورية، وتقوم بإعادة البنية الهيكيلة لتحقيق أهداف الثورة.
اتَّسمت المرحلة بالاستقطاب الأيديولوجي وغياب العمل السياسي، فضلاً عن الغرق في الصراع الهُويّاتي، وعدم صياغة مشروع سياسي مصحوب بخطاب يقنع الجماهير، فأصبحت المعارضة مشتتة تستخدم الاحتجاج كغاية، وكانت غير قادرة على تطوير شكلها وأطر عملها.
ثورة يناير وفلسطين
تخوض المقاومة الفلسطينية والشعب الغزَّاوي الباسل معارك عظمى فوق الأرض وتحتها، في جباليا ودير البلح وخان يونس ورفح، ويهبّ فلسطينيو الضفة الغربية المحتلة لمقاومة إرهاب المستوطنين وجيش الاحتلال، الذي لم يجد غير قتل آلاف الأطفال والنساء في إبادة جماعية لشعب محاصر أمعنت الأنظمة العربية في التخلي عنه، وتركه وحيداً في مقاومة جيش صهيوني بدعم أمريكي وأوروبي.
جاءت يناير مُحبةً للمقاومة الفلسطينية، وداعمةً لها لتفتح معبر رفح، شريان الحياة للفلسطينيين، الذي واصل نظام مبارك إغلاقه، وجاءت لتُنزل علم الكيان المحتل بعد اقتحام السفارة الإسرائيلية، ورفع علم فلسطين في سبتمبر 2011، ونادت يناير بالحرية للشعب الفلسطيني، وبحقه في تحرير أرضه المسلوبة، فكان شعارها من ميدان التحرير على "القدس رايحين شهداء بالملايين".. و"لتحرير القدس، علينا تحرير مصر"، فكان ميدان التحرير طوفان الحرية للمصريين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.