إن فيلم "Blood Diamond"، أي "الألماس الدموي"، الذي أخرجه المخرج الأمريكي إدوارد زويك في عام 2006، وأدى بطولته"ليوناردو دي كابريو" والممثل الأمريكي ذو الأصول البنينية "دجيمون هونسو"، لم يكن مجرد فيلم سينمائي؛ بل إدانة في شكل رواية مصورة، ليس فقط عن سيراليون التي مزقتها الحرب، بل عن الاستغلال الأوسع والمستمر لأفريقيا من قبل الرجل الأبيض.
ربما يُعتقد الكثير من الناس، وخصوصاً في البلدان الغربية التي تدعي التحضر والثقافة أن عصر الاستعمار هو فصل مغلق في كتب التاريخ، إلا أن الحقيقة التي يصعب إخفاؤها اليوم هي أن الإرث والممارسات الاستغلالية الاستعمارية لا تزال تتجلى في أشكال مختلفة، وأبرزها في البلاد الغنية بالموارد في أفريقيا.
يزخر تاريخ الاستعمار الأوروبي في أفريقيا بالتنافس الشديد على الموارد والهيمنة الإقليمية، فعلى سبيل المثال يصف المؤرخ الأمريكي آدم هوتشيلد في عمله المبدع "شبح الملك ليوبولد" كيف استغل البلجيكيين الكونغو بطريقة وحشية، حيث فرض الملك ليوبولد الدموي نظاماً قاسياً للعمل القسري على السكان الأصليين لاستخراج المطاط والعاج من الغابات الكونغولية لزيادة ثروات مملكته الأوروبية التي لا تبلغ مساحتها نصف مساحة الكونغو حتى، كان العمال الكونغوليون يعملون في ظروف قاسية، وغالباً ما يتعرضون للعنف الشديد إذا فشلوا في تحقيق الحصص المفروضة عليهم من ذلك الملك الأبيض القادم من الشمال.
وكان أحد أشهر أساليب القمع التي استخدمتها القوات البلجيكية كان قطع الأيدي، فكان الجنود البلجيكيون يقطعون أيدي الكونغوليين كعقوبة لعدم تحقيق الحصص، أو في بعض الأحيان كدليل على استخدام الذخيرة لأغراض "مشروعة"، هذا العنف الوحشي أدى إلى موت الملايين، هل تمت محاسبة بلجيكا اليوم؟! هل تشعر بلجيكا بالذنب مثل ألمانيا تجاه اليهود؟! لا اعتقد فالكونغولين ليسوا من الجنس الأبيض، إذا فلا داعي لتعويضات، إنها "الماما أفريقيا". هذه الخلفية التاريخية ضرورية لفهم الديناميكيات المعاصرة لاستخراج الموارد واستغلالها في تلك القارة المغتصبة إلى اليوم.
"Blood Diamond".. عدسة معاصرة لسرد قديم
تدور أحداث فيلم "Blood Diamond"، على خلفية الحرب الأهلية في سيراليون خلال التسعينيات، وترتكز الحبكة السينمائية حول قصة صياد ومهرب وصحفي، يتشابكون في مهمة تدور حول ألماسة ثمينة. الفيلم، لا يقتصر جوهره على إدانة لاذعة لتجارة الألماس وتداعياتها على المجتمعات الأفريقية، بل يوضح الجشع الاستعماري الأوروبي المستمر إلى اليوم، إذ يكشف كيف يؤدي الطلب الأوروبي على الألماس لإهدار حياة الكثيرين من البشر وتدمير المجتمعات، وكيف لدول أن تدخل دورة لا متناهية من العنف والفقر وعدم الاستقرار السياسي، لأن بعض الأوروبيين يريدون أن يتأنقوا بالمجوهرات.
استمرار الاستعمار الاقتصادي
على الرغم من نهاية الحكم الاستعماري الرسمي في أفريقيا، فإن أنماط الاستغلال لا تزال مستمرة بلا هوادة. غالباً ما تجد الدول الأفريقية الغنية بالموارد مثل الألماس والنفط والمعادن النادرة نفسها في حالة متناقضة من الفقر وسط الوفرة. ويرى الباحث والتر رودني في كتابه المؤثر "كيف تسببت أوروبا في تخلف أفريقيا" أن ذلك نتيجة مباشرة للاستعمار الأوروبي ومظاهره الحديثة.
إن تجارة الألماس، كما هو موضح في فيلم "الألماس الدموي"، هي مثال صارخ على هذا الاستغلال المستمر. فكثيراً ما تسيطر الشركات الأوروبية، بشبكاتها الموسعة ونفوذها الاقتصادي، على تسعير هذه الموارد والاتجار بها، مما يترك للدول الأفريقية الحد الأدنى من الأرباح من ثرواتها الطبيعية. تعكس هذه الممارسة الاستعمارية الجديدة السياسات التجارية الاستغلالية التي تنتهجها الدول الغربية في القارة بكل فجاجة.
إن فيلم "Blood Diamond" يتجاوز مجرد كشف تجارة صناعة الألماس، إذ يعكس قضية أكبر وأكثر منهجية تتعلق بكيفية تجاهل النزعة الاستهلاكية الغربية في كثير من الأحيان للتكلفة البشرية والبيئية للسلع الفاخرة. وهذا الجهل، سواء كان متعمداً أو غير مقصود، يؤدي إلى إدامة دورة الاستغلال والفقر.
دور الإعلام والتوعية
رغم ذلك لا يتركنا فيلم "Blood Diamond" بلا أمل في الطموح لعالم أفضل فنراه يؤكد أيضاً على قوة وسائل الإعلام في تشكيل الروايات والوعي، حيث مثلت شخصية مادي بوين، الصحفية، الدور الحاسم الذي يمكن أن تلعبه وسائل الإعلام في كشف الحقائق القاسية لمثل هذه الصفقات الاستعمارية.
في الختام، "Blood Diamond" هو أكثر من مجرد فيلم؛ إنه انعكاس لواقع مستمر؛ حيث لا تزال آثار الاستعمار تعصف بالقارة الأفريقية. الفيلم عبارة عن دعوة للعمل – وتذكير بأن إرث الاستغلال الاستعماري ليس مجرد من بقايا الماضي، بل هو ظاهرة حية تتنفس وتستمر في التأثير على حياة الملايين. إنه يتحدى المشاهدين ليس فقط ليكونوا مستهلكين واعين ولكن أيضاً ليكونوا دعاة للتغيير، ويدفعون نحو الممارسات الأخلاقية في الصناعات التي ازدهرت منذ فترة طويلة على استغلال الأشخاص الأقل حظاً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.