أفادت صحيفة التلغراف بأن إدارة بايدن تعمل على صياغة خطة للقيام بعمل عسكري "مستمر" في اليمن ضد الحوثيين، بعد محاولات فاشلة لوقف هجماتهم على السفن باستخدام ضربات عسكرية محدودة من قِبل الولايات المتحدة وبريطانيا. ويأتي هذا الوضع وسط تزايد هجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات المسيرة على السفن التجارية والبحرية المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر.
تجاهل لدروس التاريخ
بدلاً من اختيار الطريق الأقصر والأقل تكلفة، وهو أن تقوم الولايات المتحدة بالضغط على إسرائيل لوقف حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة وذلك لأن هذا هو المطلب الوحيد للحوثيين لوقف العمليات ضد السفن التجارية في البحر الأحمر، تقرر إدارة بايدن الانخراط بشكل أوسع وأكبر في جبهة جديدة هي اليمن، عملية صنع القرار الأمريكي هذه تذكرنا بصعوبة فهم محركات صنع القرار والتدخلات العسكرية وتجاهل الحقائق التاريخية. ففي نسيج السياسة العالمية المعقد، تعكس الدورات المتكررة لصنع القرار غالباً تجاهلاً محبطاً لدروس التاريخ.
تتجلى هذه الظاهرة بوضوح في سياق الغارات الجوية التي تشنها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ضد قوات الحوثيين في اليمن. فعلى الرغم من سجلات التاريخ الغنية المليئة بأمثلة التدخلات العسكرية التي تصاعدت إلى صراعات طويلة الأمد ذات عواقب غير مقصودة، فقد كررت هذه الدول نمطاً مألوفاً ودائرياً من التدخلات غير المبررة.
وعليه، فقد يتحول التدخل في اليمن، الذي كان المقصود منه أن يكون عملاً حاسماً "لحماية الملاحة البحرية" بحسب المزاعم الأمريكية، إلى مستنقع، مردداً صدى مغامرات الماضي؛ حيث أصبحت الأهداف الاستراتيجية غارقة في تعقيدات السياسة المحلية والديناميات الإقليمية. ويسلط هذا السيناريو المتكرر الضوء على جانب مثير للقلق في عملية صنع القرار السياسي: العجز الواضح أو عدم الرغبة من جانب القادة في استيعاب دروس التاريخ، الأمر الذي يؤدي إلى تكرار أخطاء الماضي.
إن الضربات الجوية في اليمن، بدلاً من كونها حادثة معزولة، تجسد اتجاهاً أوسع حيث غالباً ما تطغى جاذبية العمل الفوري على الحكمة المستمدة من السوابق التاريخية، ما يؤدي إلى نمط دوري من النتائج غير المقصودة والاشتباكات المطولة. لا بدَّ من التذكير بأنّ حركة الملاحة حتى منتصف شهر ديسمبر الماضي كانت شبه طبيعية، وذلك لأن الحوثيين اقتصروا على مهاجمة السفن التجارية والحربية المتجهة إلى إسرائيل وحسب. ولم تتدخل القوات البحرية التابعة لهم في حركة الملاحة أو تعطيلها كما أنها لم تقم باستهداف السفن الأمريكية والبريطانية. بعد ذلك قامت الولايات المتحدة بتشكيل تحالف أطلقت عليه "حارس الازدهار"، وحشدت السفن والبوارج والمدمرات في البحر الأحمر، وهذا هو ما دفع إلى عرقلة حركة الملاحة بشكل ملحوظ في القسم الثاني من ديسمبر/كانون الأول وشهر يناير/كانون الثاني.
وعلى الرغم من أنّ البحرية اليمنية تفرض تواجدها العسكري على امتداد المياه الإقليمية، إلّا أنّ غالبية السفن التي تمر عبر البحر الأحمر تتواصل مع القوات البحرية التابعة لصنعاء على "القناة 16"، ويتم السماح لها بالمرور من دون اعتراض، باستثناء تلك التي تحاول المرور بحماية سفن عسكرية وتكون في الغالب أمريكية، أو السفن التي تتعمّد إغلاق أجهزة التعريف وإخفاء هويتها ووجهة سفرها. كما أنّ مرور السفن المتجهة نحو موانئ الاحتلال الإسرائيلي قد توقّف في البحر الأحمر بعد فشل "التحالف" في تمرير أي سفينة إلى هناك، خلال الشهر الفائت، وهو ما يفسر تراجع الهجمات العسكرية اليمنية على هذه السفن.
تشديد عزلة الولايات المتحدة
بشكل عام لقد أظهرت حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في غزة عزلة أمريكية-إسرائيلية غير مسبوقة. فمقاومة الولايات المتحدة لإصدار قرار من مجلس الأمن يحث على وقف إطلاق النار واستخدامها لحق النقض "الفيتو" أدى إلى إظهار الانحطاط الأخلاقي الذي وصلت إليه الولايات المتحدة في دعمها غير المشروط لإسرائيل.
كما قامت الدعوى القضائية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل والتي تعتزم إكمالها بدعوى تواطؤ ضد الولايات المتحدة وبريطانيا، العزلة القانونية والحقوقية لهذه البلدان الاستعمارية. كما أظهر انهيار التحالف الذي شكلته الولايات المتحدة في البحر الأحمر العزلة العسكرية والسياسية للولايات المتحدة؛ حيث باتت عاجزة عن تشكيل أي تكتلات إقليمية أو دولية.
لقد انهار ما سمته الولايات المتحدة بتحالف "حارس الازدهار"؛ بسبب انسحاب أعضائه عدا بريطانيا. يمكن فهم انهيار هذا التحالف في سياق ديناميكيات العلاقة الأوسع بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. تاريخياً، كانت العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة معقدة، واتسمت بالتعاون والخلاف حول مختلف القضايا وظهر هذا الخلاف بشكل واضح خلال حرب العراق التي بررتها الولايات المتحدة بناء على معلومات كاذبة حول امتلاك أسلحة نووية من قبل نظام صدام حسين.
علاوة على ذلك، فإن التجربة الأوروبية مع إدارة ترامب (2017-2021) أدخلت حالة من عدم اليقين بشأن القدرة على التنبؤ على المدى الطويل بالسياسة الخارجية الأمريكية. وشهدت هذه الفترة تناقضات عميقة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بما في ذلك التجارة، والعمل المناخي، والالتزام بالمعاهدات الدولية. وظهرت مؤخراً خلافات فردية بين الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي فعلى سبيل المثال، يعكس رد فعل الاتحاد الأوروبي تجاه صفقة الغواصات AUKUS، حيث انتقد الاتحاد الأوروبي الولايات المتحدة بسبب معاملتها لفرنسا، التوترات الكامنة في العلاقات عبر الأطلسي. وفي ديسمبر/كانون الأول 2023 وبحسب صحف إسبانية عديدة منها "SPAIN IN ENGLISH" فقد طردت إسبانيا اثنين من موظفي سفارة الولايات المتحدة. واتهم هؤلاء الأفراد بمحاولة رشوة ضباط المخابرات الإسبانية للحصول على معلومات سرية. وتورط في الحادث عميلان من وكالة المخابرات الإسبانية، كذلك تم وصف عملية التجسس الأمريكية بأنها عمل من أعمال التجسس النموذجي للعلاقات بين القوى المعادية، وهو أمر غير معتاد بالنسبة للدول الحليفة مثل إسبانيا والولايات المتحدة. ويبدو أنّ إسبانيا انتظرت الفرصة المناسبة وهي الحرب على غزة وتشكيل التحالف السابق ذكره لتفصح عن عملية طرد الدبلوماسيين وعملية التجسس الأمريكي داخل الأراضي الإسبانية.
ختاماً، بغض النظر عن موقفنا منهم، فإنّ دعم الحوثيين المستمر للقضية الفلسطينية، كما يتضح من استجابتهم للصراع المستمر في غزة، يشكل جانباً مهماً من إطارهم الأيديولوجي. لقد وضعوا أنفسهم كجزء من صراع أوسع ضد ما يعتبرونه الإمبريالية الغربية والصهيونية في المنطقة. ويتردد صدى هذا الموقف لدى شريحة من الشعب اليمني والعالم العربي الأوسع، الذين ينظرون إلى القضية الفلسطينية باعتبارها قضية مركزية في النضال ضد الهيمنة الأجنبية في الشرق الأوسط. وأظهر هؤلاء كذلك أن الولايات المتحدة معزولة اليوم بسبب الحرب على غزة، وأنها غير قادرة إقناع الحلفاء التقليديين بخوض معركة جديدة في البحر الأحمر، كما أن إصرار بايدن على الغوص في مستنقع اليمن يعني بشكل لا يدع مجالاً للشك أن الولايات المتحدة وساستها لا يتعلمون من دروس التاريخ المجانية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.