إن استخدام الفيتو في قرار يدعو لوقف إطلاق النار يعد نقيضاً للفكرة التي قامت عليها الأمم المتحدة وتدميراً لما تدَّعيه الولايات المتحدة الأمريكية من عالم قائم على القوانين الدولية، إذ لا يعد ذلك إلا ضرباً للمؤسسات الدولية، وتكريساً للهيمنة القطبية الأحادية وإيغالاً في محاصرة وتعميقاً لمأساة الضعفاء، خاصة أن القرار جاء بناءً على طلب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، استناداً إلى أحكام المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، في ضوء ما يجري في فلسطين المحتلة من تهديدات للسلم والأمن الدوليين.
حيث تقوم قوات الاحتلال الإسرائيلية باستخدام أسلحة فتاكة ومحرمة دولياً؛ مما يعكس سياسات التطهير العرقي والإبادة الجماعية القائم عليها الاحتلال منذ نشأته. في هذا السياق، تبرز الولايات المتحدة كشريك وداعم لإسرائيل، من خلال استخدام كافة وسائل الضغط العسكرية والسياسية، بما في ذلك الفيتو ضد قرارات وقف الحرب. هذا الدعم ليس إلا محاولة لفرض الأمر الواقع على السكان المدنيين المحاصرين في فلسطين، بهدف تهجيرهم إلى خارج الحدود الفلسطينية وإنهاء القضية الفلسطينية على الطريقة الاستعمارية.
السياسة الأمريكية بمشاركتها في البطش وارتكاب البشاعة في فلسطين ما هي إلا انعكاس لأساليبها وطرقها الوحشية في معالجة العديد من الملفات التي تواجهها، حيث يبدو أن الذهنية الاستعلائية للإدارة الأمريكية لا تزال تحمل بقايا من ذكريات استخدام السلاح النووي في هيروشيما وناجازاكي، لذلك لا ترى أي مشكلة في استمرار المذبحة في غزة، وربما لن ترى مشكلة؛ إذ ما سحق الاحتلال غزة على طريقة هيروشيما وناجازاكي.
في مقابل ذلك، ما زالت غزة وحدها صامدة بمقاومتها وصبر شعبها، إلى جانب التضامن غير المسبوق من الشعوب الحرة الرافضة لسياسات العدوان الإسرائيلي واستمرار همجيته العنصرية المدعومة أمريكياً. وبينما تدخل الحرب شهرها الرابع دون القضاء على المقاومة ومع استمرار تكبُّد الاحتلال وداعميه الخسائر في الميدان وخارجه، تضيق الحلول أمامهم، فنراهم يطرحون حلولاً واهية مثل اقتراح قيام السلطة الفلسطينية بإدارة قطاع غزة.
وذلك الطرح ما هو إلا تعبير عن عجز الاحتلال و عجرفته، حيث لا يرى الأمور إلا من نظارته الاستعمارية الضيقة، فبنظر لجوهر ذلك الطرح نراه لا يسعى إلا لخلق الصدام بين فصائل المقاومة والسلطة الفلسطينية بما يخدم نظرية الأمن الإسرائيلية التوسعية، ولصرف الأنظار عن حل الدولتين الذي يتبناه المجتمع الدولي ويحظى بالتأييد والدعم من قبل غالبية الحكومات في العالم، فضلاً عن المؤسسات الأممية.
بينما يستمر النفاق الغربي بدعم أغلب حكوماته اليمينية للأعمال القمعية التي تمارسها إسرائيل والتي تعد خرقاً لمبادئ الأمن العام والقيم الأساسية التي تأسست عليها هذه الحكومات. إذ تستمر أغلب النظم الغربية في تبرير الأفعال الوحشية لإسرائيل بحجة حقها في الدفاع عن نفسها، دون السعي لإيجاد حلول جذرية لإنهاء الاحتلال والمعاناة الإنسانية التي يتحملها الشعب الفلسطيني منذ عقود تحت ظل هذا الاحتلال المستمر.
وفي ظل السقوط الحر لكل القيم التي كان قد ادعاها الغرب أنه حاميها وحاملها، تأتي تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ذهاباً وإياباً، لتعبر عن بؤس الغرب الصارخ، فرغم تراجع موقف باريس من دعم إسرائيل، عكس تصريح ماكرون، الداعي لتشكيل تحالف عالمي ضد حماس يشبه التحالف ضد داعش، النظرة الضيقة و الاستعمارية لتلك الحكومات، التي لا تنافق العالم فحسب، بل تنافق نفسها وشعبها أيضاً، فهذا النهج والعنف الذي تدعو له يتناقض مع المفاهيم التي أنشأتها عاصمة الأنوار وثورتها البراقة، والتي أرست أسس ثقافة حقوق الإنسان ووضعت القواعد للصكوك الدولية كما في لائحة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
إن هذه المواقف تشير إلى أن الحقوق والحريات المدنية في الغرب تبدو محصورة على مواطنيهم فقط، مما يُبرز السلوك الاستعماري الذي لا تزال تتبعه دول مثل ألمانيا وفرنسا، كما رأينا في تاريخهم مع فيتنام والجزائر وناميبيا وغيرها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.