مثّل هجوم السابع من أكتوبر وما تلاه من هجوم إسرائيلي غير مسبوق على قطاع غزة تحدياً لتماسك محور المقاومة ولمصداقية فكرة "وحدة الساحات"، وكذلك فرصة لأطراف هذا المحور لإعادة رص الصفوف، بل أيضاً محاولة إعادة تشكيل صورة المحور في الوعي الجمعي العربي بعد كل أخطاء المرحلة السابقة الجسيمة التي تم ارتكابها في سوريا والعراق واليمن وغيرها.
فقد وضع الهجوم وتداعياته محور المقاومة وعلى رأسه إيران وحزب الله أمام امتحان حقيقي يتعلق بمدى التزامهم بمبدأ الدفاع المشترك والذود عن أحد مكونات هذا المحور في حال تعرض لخطر وجودي. خاصة أن الهجوم الذي تشنه إسرائيل على القطاع ليس مسبوقاً، ويمثل حرب إبادة على الشعب الفلسطيني، ومحاولة للقضاء على القضية الفلسطينية التي تمثل أحد الادعاءات المركزية لتماسك المحور ومكوناته، بل يمكن القول إن السبب المعلن لوجود هذا المحور أصلاً raison d'etat. كما أن الحرب، وفق المعلن من قبل الطرف الإسرائيلي، تستهدف اجتثاث حركة حماس المكون السني المهم في هذا المحور.
ويبدو أن قادة حركة حماس في قطاع غزة، أو على الأقل جزء منهم، كان يراهن على دخول محور المقاومة وعلى رأسه حزب الله على خط المواجهة بشكل مباشر. هذا الرهان لدى بعض قادة حماس، وكذلك جزء من جمهورها، كبُر في الأيام الأولى وخاصة قبيل الاجتياح البري الذي قامت به إسرائيل. تعزز هذا الأمل مع ذهاب بعض المحللين إلى أن دخول الحزب على خط المواجهة المباشرة مرتبط بخطوط حمر، ومنها قيام إسرائيل باجتياح بري، أو اجتياح مدينة غزة تحديداً، أو محاولة تهجير الفلسطينيين، وهي الخطوات التي همّت بها إسرائيل لاحقاً.
كما يبدو أن قادة حماس في غزة كانوا قد عملوا على تعزيز علاقاتهم مع "محور المقاومة" في السنتين اللتين سبقتا هجوم السابع من أكتوبر، آخذين بعين الاعتبار احتمالية القيام بهكذا هجوم. ولعل هذا التوجه هو ما يفسر قيام قيادة حركة حماس بتطبيع علاقاتها مع النظام السوري بشكل متسارع في العامين الماضيين. ترافق هذا التوجه مع الحديث بشكل واضح عن فكرة "وحدة الساحات" التي كان أحد أهم مهندسيها الشيخ صالح العاروري الذي اغتالته إسرائيل في بيروت في بداية الشهر الجاري.
أما الحزب، ومن خلفه إيران، والذي يبدو أنهم تفاجأوا بتوقيت الهجوم، فلم يكونوا مستعدين للدخول على خط المواجهة المفتوحة. فتوقيت الهجوم لم يلائم طهران المثقلة بهمومها الاقتصادية الداخلية والتي تتطلع لإحداث اختراق في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية في الأشهر المتبقية من إدارة الرئيس الأمريكي بايدن.
أما حزب الله المثقل بأزمات الحكم في لبنان والمرهق بالتدخل العسكري لصالح النظام السوري في سوريا فقد اتبع تصعيداً محسوباً في الرد على الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة تمثل من خلال استهداف مزارع شبعا بداية، وهي التي يعتبرها الحزب جزءاً من الأراضي اللبنانية. ومن ثم سمح الحزب لفصائل فلسطينية وكذلك لقوات الفجر التابعة للجماعة الإسلامية في لبنان بإطلاق صواريخ من الجنوب اللبناني. تصعيد قواعد المواجهة من قبل الحزب والذي وصل إلى استهداف أبراج المراقبة أجهزة التنصت والتشويش للمواقع الإسرائيلية قد يكون قد حقق نقاط نوعية ذات بعد عسكري للحزب ولقدرته على الحركة في الجنوب اللبناني، إلا أن هذه الضربات كان لها تأثير محدود على مجرى العمليات العسكريات الإسرائيلية في قطاع غزة.
كما أن تردد إيران وحزب الله في الرد على هجمات إسرائيل المستفزة والاغتيالات المتتالية لقادة في الحرس الثوري الإيراني وفي حزب الله يدفع الشارع العربي والمتابع للتساؤل حول أولويات إيران والحزب، ويعطي إسرائيل صورة ردع هي في أمس الحاجة لها. هذا دون التغاضي عن الدور الكبير الذي لعبته الولايات المتحدة من خلال تدخلها العسكري في شرق المتوسط في ردع إيران أو الحزب.
تدخل حزب الله ومن خلفه إيران المحدود والمدروس، قد لا يكون قد ارتقى لتوقعات عدد من قادة حماس أو على الأقل جزء من جمهورها في غزة. إذ تداولت تقارير إعلامية أن مرشد الثورة الإيرانية خامنئي أخبر إسماعيل هنية في زيارة للأخير لطهران بعد شهر من الحرب بأنه لم يتم إخطار طهران مسبقاً بهجوم حماس عبر الحدود في 7 أكتوبر على إسرائيل، وبأن إيران ستقدم الدعم السياسي لحماس، إلا أنها لن "تتدخل بشكل مباشر" في القتال. جاء هذا بالتوازي مع حديث معلقين قريبين من الحزب أن حماس اختارت موعد الحرب بداية بشكل منفرد ودون الرجوع للحزب، وبالتالي لا يمكن أن تلوم الحزب على عدم انخراطه في الحرب.
أما تحرك جماعة أنصار الله في إغلاق مضيق باب المندب والتصعيد ضد إسرائيل، فعلى الرغم من ارتباط الجماعة بإيران، إلا أن الجماعة تتحرك أيضاً وفق دينامكيات وتطلعات ذاتية محلية. كما أن القضية الفلسطينية لها بعد مهم في المجتمع اليمني يمكّن الجماعة من استغلال تصعيدها لتعزيز قاعدتها المجتمعية والتضييق على المعارضين داخلياً والتلكؤ في استحقاقات العملية السياسية في اليمن. ولهذا فيمكن قراءة تحرك جماعة أنصار الله في سياقها الذاتي أكثر من كونها تأتي في سياق ردة فعل محور المقاومة، أو أن يتم اختزالها بعلاقة الوكالة مع إيران.
مما لا شك فيه أن مشاركة جميع أعضاء المحور في الحرب على غزة من خلال استهداف بعض المصالح الأمريكية في سوريا والعراق أو الانخراط بتصعيد -وإن كان محسوباً- مع إسرائيل، تشير إلى أن الروابط بين أعضاء هذا المحور ما زالت فاعلة، وأن الحاجة المتبادلة ما زالت سيدة الموقف.
لكن وبالنظر للتردد الإيراني في الرد، وعقلانية حزب الله اللامتناهية في حساب تصعيده ضد إسرائيل، يبدو أن "وحدة الساحات" هي فكرة طوباوية ليس لها ترجمة على أرض الواقع بالنسبة لمحور المقاومة. وبأن التعاضد والتعاون المتبادل لا يجب أن يطغى على المصالح الوطنية لإيران أو الأولويات الذاتية لحزب الله. فبالنسبة لطهران فالمحور هو أداة وظيفية في الدفاع المتقدم عن النظام الإيراني، أما العلاقة بين مكونات المحور فهي ليست علاقة متكافئة.
في ظل حاجة كل الأطراف لبعضها، فإن العلاقة بين إيران وحماس يتوقع أن تستمر، خاصة في ظل عدم وجود بدائل للأخيرة، لكن من غير المستبعد أن تترك تجربة هذه الحرب وخيبة الأمل من عدم وجود تدخل فاعل من قبل إيران أو حزب الله كافٍ لتغيير موازين المعركة آثار على مدى تقييم قيادة حماس، في غزة تحديداً، للعلاقة بين الطرفين وإلى المدى الذي يمكن تعويله على هذه العلاقة. هذه المراجعة المحتملة يُفترض أن تترك أثراً على رؤية حركة حماس وقراءتها لمشروعها في مواجهة إسرائيل.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.