وائل الدحدوح، مؤمن الشرافي، أنس الشريف، وغيرهم الكثير يعيشون أوضاعاً مزرية منذ بدء الحرب قبل مئة يوم، ومن واجبنا أن نكشف جزءاً من معاناتهم، لندرك جيداً أنها في حقيقة الأمر من معاناة الغزّاويين.
هؤلاء الصحفيون سيكونون بمثابة الصورة الواضحة للكارثة الإنسانية المجردة، بعيداً عن الخداع وكشف حقيقة الإبادة التي تجري في قطاع صغير مكتظ بالسكان كـقطاع غزة. فقد تعرَّضوا للفقدان والنزوح والتهجير، وقد اضطروا لمواجهة الألم الذي ينال من الشعب الفلسطيني، من جوع وسوء الأحوال الجوية والعيش في المخيمات وصفير المسيّرات وغيرها الكثير.
واحدة من هذه القصص المأساوية هي قصة وائل الدحدوح، الذي قُتل عدد من أفراد عائلته في مجزرة لقوات الاحتلال، في 25 أكتوبر 2023، وراح ضحيتها زوجته السيدة آمنة، وابنته شام، وابنه محمود، وحفيده آدم، ثم في 7 يناير 2024، استشهد ابنه الأكبر حمزة.
الخداع والقصف العشوائي.. الشهداء والناجون من الاحتلال يروون قصصهم
يجب أن نسلط الضوء على الخداع الذي يتّبعه الاحتلال منذ بدء الحرب التي يعيشها سكان القطاع لأكثر من مئة يوم حتى الآن، ومدى تهاونه بقتل العائلات، حيث يطلب من أهالي القطاع النزوح والإخلاء والانتقال إلى مناطق يزعم الاحتلال أنها آمنة، ثم يقوم بقصفهم.
كم واحدة من العائلات نزحت من الموت لتلاقي موتاً آخر بفعل الاحتلال.
إن هذه القصص تحمل بطياتها الموت والتهجير ونهب الآمال والأحلام، حيث انقطعت كل سبل الحياة في لحظة من القصف بدون رقابة أو مساءلة.
ولكن يبقى السؤال: ما الذي ينتظره العالم ليتحرك لنصرة الحق وإنقاذ الأرواح؟
عندما يضطر الأشخاص للنزوح ويتجهون للعيش في منازل أخرى آمنة وفقاً لاعتقادهم، ثم يقوم الاحتلال بقصفهم، ولا يتحرك أحد، فإنه وفقاً لمدى وحشية الاحتلال سيزداد القتل بوحشية أكبر، وهذا كنتيجة طبيعية لصمت وعدم وجود رقابة تحمي الأبرياء.
كم فرداً رأى شبح الموت وعاش النزوح والجوع والبرد القارس؟
قصص أطفال فقدوا ذويهم وفقدوا طفولتهم مع مصاحبة الآلالم النفسية، ليدركوا معنى الظلم في سن مبكرة.
كم ناجياً سيحتاج أن يحتسب صابراً؟ كم من الوقت سيحتاج ليتعافى؟ متى سيدرك أن منزله تهدّم وعائلته استشهدت وبقي وحيداً مشرداً؟
كل هذا نتيجة القصف العشوائي، عائلات كاملة مُسحت من السجل المدني، والعالم ما زال صامتاً بلا حراك.
قصة مؤمن الشرّافي من إحدى القصص المأساوية التي جرت ضمن أعمال العنف والإبادة الوحشية، كانت عائلته قد قُتلت في منزل في جباليا شمال غزة، بعدما نزحوا إليه. وفي تلك الأثناء كان يؤدي عمله كصحفي، وكان مفصولاً عن عائلته منذ بدء الحرب، إذ فارقته عائلته منذ شهور على أمل العودة بعد انتهاء العدوان، حتى الوداع الأخير بات أمراً يصعب تحقيقه في غزة، وكما حدث للكثيرين الذين فقدوا عائلاتهم دون وداع أخير، الوصول لجثث تحت الأنقاض يعد إنجازاً كبيراً في عام 2024 فقط في قطاع غزة.
حتى لحظات الوداع الأكثر قسوة بالنسبة لأي إنسان أصبحت أمراً يصعب تحقيقه في غزة، فالمحظوظ هو من يتمكن من استخراج جثة أحد أفراد عائلته ودفنها في قبر. أصبح الشهداء غير محظوظين على الإطلاق، فالاحتلال لم يتوقف عن قتلهم فقط، بل يصل أيضاً إلى قبورهم ليقوم بتجريفها بلا إنسانية.
يتردد الأهالي في حيرة وقلق حول مصيرهم، هل سيستشهد أبناؤهم دون وداع، هل سيصبحون أشلاء أم لا؟ يتساءل الجميع هل سنكون أشلاءً أم سنكون تحت الأنقاض، أم حتى في قبور ستجرف لاحقاً؟!
يعيش سكان قطاع غزة هذه الكارثة والظروف القاسية يومياً، وهناك الكثير من القصص الصادمة الإنسانية.
أنس الشَّرِيف كان والده قد استُشهِدَ في قصفٍ استهدافي بعد تهديده بالتوقف عن العمل، ليتم قصفُ منزله ويستشهد والده.
هؤلاء الرجال الثلاثة هم أمثلة على حقيقة الكارثة والمعاناة التي يُعاني منها قطاع غزة. يَتَّخذ هؤلاء الصحفيون الشُّجعان تضحيات قصوى لكشف الجرائم البشعة. لَولا وجودهُم وآخرين أمثالهم لَما تمكَّن أحد بالعالم من معرفة حقيقة إسرائيل، وربما كانت قد قَضَتْ على غزة ولا أحد يعلم. فما يحدث اليوم في ظل رصد أعلامي، أتساءل ترى ماذا يحدث إذا غاب المراسلون الفلسطينيون عن كشف المجازر؟
هؤلاء النماذج جزء لا يتجزأ من الأوضاع الكارثية لسكان قطاع غزة، حيث منهم من يستشهِد ومنهم من يَفقد أحباباً، ومنهم من تهدم منزله، ومنهم من يعيش النزوح والجوع. أصواتهم نبحت لأجل المساعدة الإنسانية ليقابلها صمت مخزٍ. عائلاتٌ بأكملها محيت. صحفيون، مُسعفون، وأطباء دفاع مدني لم يسلم أحد، الاحتلال دمر الحجر والبشر. غزة أصبحت على شفا مجاعة، فإن لم يموتوا من القصف سيموتون من الجوع، وإن لم يمتوا جوعاً فسيموتون من البرد. الموت مترصد بهم في كل الأنحاء.
تضامننا مع غزة.. "الصمت أكبر انتهاك"
من دورنا نحن أن نرفع أصواتنا ونوصل المجازر والدمار الذي لحق أهل غزة للعالم، حتى يكتشف الجميع حقيقة التطرف وقصة الاحتلال. إن كنا عاجزين فيجب علينا إيجاد طريقة لمساعدة أهالي غزة، يجب علينا القيام بأبسط الأشياء مثل حملات المقاطعة، والكتابة عن المجازر، ونشر قصص الناجين. يجب أن نشارك لإنقاذ رجال غزة ونسائها وأطفالها، بدلاً من الصمت المطلق.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.