عاشت باكستان سنوات طويلة من التوتر الداخلي بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية الداخلية؛ حيث باكستان لها جبهتان داخليتان يشوبهما القلق؛ هما بلوشستان في الجنوب الغربي وهي أكبر الأقاليم الباكستانية من حيث المساحة، وكشمير في الشمال الذي جزء منه خاضع لإدارة الدولة الباكستانية والجزء الآخر لا يزال تحت السيطرة الهند.
تمثل بلوشستان التي تعني أرض البلوش وعياً إقليمياً وقومياً للبلوش؛ فهي مستقلة جغرافياً لكنها مقسمة بين ثلاث دول؛ باكستان وإيران وأفغانستان، وتمتد بلوشستان الباكستانية على مساحة 274 ألف كيلو متر مربع، وعاصمتها كويتا، وبلوشستان الإيرانية تضم أقاليم سيستان وزاهدان ومكران على الخليج، وتنتشر فيها الأنماط الرعوية والزراعية وصيد السمك على الخليج.
شهدت باكستان في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين عقوداً من الاضطراب السياسي، وعانت القومية البلوشية من نكسات كبيرة، ويعود ذلك لتوطين البدو، وارتفاع عدد سكان المناطق الحضرية وإصلاحات الأراضي التي بدأتها الحكومات المركزية، واتجهت المطالب البلوشية في باكستان نحو الحكم الذاتي، وأدت هذه الثورة إلى فجوة واسعة من عدم الثقة بين البلوش والحكومة المركزية الباكستانية وقتئذ.
يختلف الوضع في بلوشستان عن الأقاليم الباكستانية الأخرى؛ حيث يوجد في الإقليم عدة تنظيمات مسلحة تقف في وجه الإدارة المدنية الباكستانية في بعض الأحيان، خاصة أن بلوشستان تشترك في حدودها مع الاراضي الأفغانية والإيرانية، وجزء من هذه الحدود مفتوح ويشكل ثغرة أمنية للدولة التي تتغاضى عنها كنوع من الضوء الأخضر للبلوش بحرية الحركة في الأراضي المشتركة بين الدول الثلاث.
الى جانب هذا، فإن هناك أصواتاً تتعالى وتنادي بفكرة مظلومية الشعب البلوشي وإن الإقليم خضع بالقوة للسيطرة الباكستانية وتم إهماله والإساءة له عن قصد.
أما الوضع الاقتصادي والمعيشي في إقليم بلوشستان فمشابه لباقي الأقاليم الجنوبية في باكستان التي تعاني من نقص في الخدمات العامة وضعف في البنى التحتية، يعود ذلك لمساحة الدولة الكبيرة والتركيز على مشاريع التنمية في المناطق الشمالية ومحاولة الدولة حماية البلاد والحفاظ على اتزانها العسكري، مع هذا كله تحاول الدولة الباكستانية جاهدة الحفاظ على الهدوء في بلوشستان ومحاولة دمج المجتمع البلوشي مع جمع أفراد المجتمع الباكستاني الذي يشكل نموذجاً للتعايش والعيش المشترك في جنوب آسيا، فالمجتمع الباكستاني هو مزيج من الشعوب والحضارات التي كانت تعيش في النطاق الجغرافي قبل قيام الدولة الباكستانية، ويكون ذلك في منح البلوش بعضاً من مناصب إدارية في الدولة.
تعد بلوشستان قنبلة جنوب آسيا الموقوتة لكونها المنطقة الأكثر سخونة في باكستان وإيران ويلعب على وترها عدد من أعداء الدولتين لزعزعة الاستقرار الداخلي للبلدين، مستفيدين بذلك من القومية البلوشية التي تتطلع في وقت ما للاستقلال وإقامة دولة مستقلة لتكون مصدر توتر دائماً لكل من باكستان وإيران، وما قد يخلق أزمات متكررة ومشابهة تحدث في الأقاليم المختلفة في كلتا الدولتين.
يظهر للعيان أن الصراع في إقليم بلوشستان محسوم لصالح دولتين كبيرتين ترفضان استقلال بلوشستان، ويُنظر له على أنه امتداد جغرافي وطبيعي، ولن يغير ذلك من أن يكون البلوش يتمتعون بتاريخ وثقافة إثنية، وساهم تغير النظام العالمي والتطورات الديمقراطية في العالم في ظهور هويات فرعية في ظل الهوية الرئيسية للدولة القائمة على المكان والموارد والمكان؛ ما يتيح للبلوش أن يتمتعوا بهويتهم وثقافتهم وأن يكونوا في الوقت عينه مواطنين باكستانيين وإيرانيين لهم كامل الحقوق وعليهم كامل الواجبات.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.