فوز الحزب الديمقراطي التقدمي في تايوان، والحرب الباردة بين أمريكا والصين

عربي بوست
تم النشر: 2024/01/19 الساعة 10:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/01/19 الساعة 10:41 بتوقيت غرينتش
الرئيس التايواني الجديد التابع للحزب الديمقراطي التقدمي/ الأناضول

كان النصر الأخير الذي حققه الحزب الديمقراطي التقدمي في الانتخابات الرئاسية التايوانية سبباً في إلقاء ضوء جديد على التوترات المتزايدة الحدة والتي تعتبر أشبه بالحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين. ويشير هذا التطور، إلى جانب الصراع المتصاعد في الشرق الأوسط ومخاوف البيت الأبيض المتزايدة بشأن انتقال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الأمريكية إلى الصين، إلى لعبة شطرنج جيوسياسية متعددة الأوجه.

تحدٍ لمبدأ الصين الواحدة

في قلب هذه التوترات تكمن قضية سيادة تايوان. ويشكل انتصار الحزب الديمقراطي التقدمي إشارة واضحة إلى ابتعاد تايوان عن النفوذ الصيني، وهو الوضع الذي تعتبره بكين تهديداً مباشراً لسياسة "الصين الواحدة" التي تنتهجها. بالنسبة للولايات المتحدة، تشكل تايوان حليفاً استراتيجياً في منطقة المحيط الهادئ، ويشكل دعمها لهذه الجزيرة حجر الزاوية في سياستها لمواجهة النفوذ الصيني في آسيا. ومع ذلك، فإن هذا الدعم يأتي على حساب إثارة غضب الصين، مما قد يؤدي إلى تصعيد في بحر الصين الجنوبي وخارجه.

تاريخياً، كان موقف الحزب الديمقراطي التقدمي بشأن استقلال تايوان بمثابة نقطة خلاف مع الصين. وأكد "لاي تشينج تي" الرئيس الجديد لتايوان بأن تايوان هي بالفعل دولة مستقلة ذات سيادة، وهو موقف يتفق مع مواقف قادة تايوان منذ عام 1999، ويتحدى الموقف الصيني بالنسبة لتايوان. وجاء رد فعل بكين الأولي على الانتخابات مقيدا نسبياً، مع التركيز على التحذيرات ضد "الأعمال الانفصالية لاستقلال تايوان" ومحاولة التقليل من أهمية فوز الحزب الديمقراطي التقدمي باعتباره لا يمثل الرأي السائد في تايوان.

وعلى هذه الخلفية فمن المتوقع أن يتضمن رد الصين المستقبلي على انتخاب "تشينج بي" مناورات وتحركات عسكرية. ومع ذلك، فإن هذه التحركات ستكون أداءً وليس إشارة إلى تهديد وشيك بالغزو، وستكون بمثابة تحذير ضد المزيد من التحركات نحو الاستقلال الرسمي.

وعلى المستوى الدولي، لاقت الانتخابات استجابة قوية؛ حيث هنأت الولايات المتحدة وشركاؤها الإقليميون، بما في ذلك أستراليا، "تشينج بي". ومن المثير للاهتمام أن بعض الدول في المنطقة، مثل الفلبين، اتخذت موقفاً أقوى لدعم تايوان، ربما كخطوة للتوافق بشكل أوثق مع المصالح الأمريكية في المنطقة. وتشير هذه الاستجابة من دول المنطقة إلى تحول طفيف في الديناميكيات الجيوسياسية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وفيما يتعلق بالتأثير المحتمل على العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، فإن انتصار " تشينج بي" قد يؤدي إلى تصعيد التوترات، وخاصة فيما يتعلق بالمجال الجوي ومياه تايوان الإقليمية. قد تكثف بكين أنشطتها العسكرية حول تايوان كشكل من أشكال الترهيب والتعبير عن عدم موافقتها. وقد يؤدي هذا إلى زيادة توتر العلاقة الهشة بالفعل بين الولايات المتحدة والصين، خاصة فيما يتعلق بدعم واشنطن لتايوان. بالإضافة إلى ذلك، قد تواجه الولايات المتحدة ضغوطاً متزايدة لتقديم دعم عسكري أكبر لتايوان، وهو ما من المرجح أن يقابل بمعارضة قوية من بكين.

الصين
الرئيسان الأمريكي جو بايدن، ونظيره الصيني شي جين بينغ- رويترز

حرب نفوذ في الشرق الأوسط

برز الشرق الأوسط كساحة معركة جديدة للتنافس بين الولايات المتحدة والصين. فعملية الوساطة الصينية الناجحة في تحقيق المصالحة السعودية-الإيرانية أثارت مخاوف واشنطن من تزايد النفوذ السياسي للصين في الشرق الأوسط. ولا ينبغي لنا أن ننظر إلى هذا التطورات بمعزل عن غيرها، بل تعتبر هذه التحركات كجزء من مبادرة الحزام والطريق الأوسع التي أطلقتها الصين، والتي تسعى إلى توسيع نفوذها الاقتصادي والاستراتيجي في مختلف أنحاء العالم.

علاوة على ذلك، أصبحت الولايات المتحدة يقظة بشكل متزايد بشأن العلاقة المتنامية بين الصين والإمارات العربية المتحدة، وخاصة فيما يتعلق بالدفاع والأمن والتكنولوجيا. وتنبع هذه المخاوف من إمكانية نقل التكنولوجيا العسكرية الأمريكية، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، إلى بكين. وقد وجه الكونغرس الأمريكي وكالات الاستخبارات بإعادة تقييم الضمانات التي تطبقها دولة الإمارات العربية المتحدة لحماية التكنولوجيا العسكرية الأمريكية، خاصة في سياق مشتريات الإمارات العربية المتحدة السابقة من المعدات العسكرية الأمريكية المتقدمة والمناقشات الجارية لمزيد من صفقات الأسلحة.

علاوة على ذلك، أعرب البيت الأبيض عن مخاوف محددة بشأن النفوذ الصيني في تطوير الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط. هناك تخوف من أن تتمكن الصين من الوصول إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي والملكية الفكرية من خلال شراكات مع حلفاء مثل الإمارات العربية المتحدة. ويشبه هذا السيناريو مشكلة هواوي G5 السابقة، حيث خلقت التكنولوجيا التي اعتمدها حلفاء الولايات المتحدة على نطاق واسع أبواباً خلفية محتملة لوصول الصين إلى أنظمة مختلفة. وقد أجرت إدارة بايدن مناقشات خاصة مع الإمارات العربية المتحدة حول هذه المخاوف، مع التركيز بشكل خاص على الشركة الإماراتية G42 وتطويرها لنموذج Jais AI. وتجدر الإشارة إلى أن شركة G42 اشترت في السنوات الأخيرة ما قيمته 100 مليون دولار من أسهم شركة ByteDance الصينية المالكة لمنصة Tik Tok الشهيرة، والتي يقال بأن السلطات الصينية تستخدمها للتجسس على الأشخاص في أنحاء مختلفة من العالم. بالإضافة إلى ذلك، بدأت شركة G42، في إطار مؤتمر COP 28، تعاونها مع الشركة الصينية Open EI في مجال الذكاء الاصطناعي وبرنامج Chat GBT الذي يقدم خدمات في المجالات المالية والطاقة والصحة العامة.

تشعر الولايات المتحدة بالقلق من الإمكانات المزدوجة لتحريف تحيزات الذكاء الاصطناعي واستخلاص الملكية الفكرية من مشاريع الذكاء الاصطناعي التعاونية بالإضافة إلى الوصول الصيني إلى أنظمة الصحة والخدمات والطاقة والنظام المالي الأمريكي.

يتضمن السياق الأوسع تحذيرات مكتب التحقيقات الفيدرالي بشأن جهود الصين للحصول على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الأمريكية لتطوير برامج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها وإجراء عمليات التأثير الأجنبي. وترى الولايات المتحدة أن الصين تستهدف بنشاط الشركات والجامعات والمرافق البحثية الأمريكية للحصول على أحدث أبحاث ومنتجات الذكاء الاصطناعي، وبالتالي تعزيز وضعها الاستراتيجي والتكنولوجي. ويُنظر إلى هذا على أنه جزء من طموح الصين لتصبح القوة العالمية الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، حيث يُزعم أن الكثير من تقدمها يعتمد على اكتساب التكنولوجيا الأمريكية.

تحديات معقدة ومتشابكة

تواجه إدارة بايدن مهمة شاقة في معالجة التحديات السابق ذكرها. فمن ناحية، يتعين عليها أن تطمئن تايوان إلى دعمها، وهو تحرك بالغ الأهمية للحفاظ على القيم الديمقراطية ومواجهة التوسع الصيني في منطقة المحيط الهادئ. ومن ناحية أخرى، يتعين عليها أن تتعامل مع دول الشرق الأوسط للحد من نفوذ الصين، وضمان عدم وصول التكنولوجيات المتقدمة، وخاصة في مجال الذكاء الاصطناعي، إلى أيدي بكين.

وتتميز هذه الحرب الباردة الجديدة بتعقيدها وطبيعتها المتعددة المسارح. وعلى النقيض من الحرب الباردة السوفييتية الأميركية، التي كانت أيديولوجية وعسكرية في المقام الأول، فإن التنافس بين الولايات المتحدة والصين يشمل أبعاداً اقتصادية وتكنولوجية وجيوسياسية. إن الترابط بين الاقتصاد العالمي يزيد الأمور تعقيداً، مما يجعل تكتيكات الحرب الباردة التقليدية مثل الحظر والتحالفات أقل فعالية.

في الختام، يمثل انتصار الحزب الديمقراطي التقدمي في تايوان، والصراع في الشرق الأوسط، والمخاوف بشأن نقل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي إلى الصين، مجموعة من التحديات التي تواجه السياسة الخارجية للولايات المتحدة. إن هذه القضايا مترابطة، ويؤثر كل منها على توازن القوى الدقيق في الحرب الباردة الجديدة بين الولايات المتحدة والصين. ويتطلب فهم هذا المشهد نهجاً دقيقاً، نهجاً يوازن بين الحزم والدبلوماسية، ويدرك الطبيعة المتعددة الأبعاد للصراعات العالمية الحديثة. وبينما يراقب العالم، فإن الإجراءات التي ستتخذها الولايات المتحدة والصين في الأشهر المقبلة سوف تشكل النظام الدولي لسنوات قادمة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

حامد أبو العز
باحث سياسي فلسطيني
باحث سياسي فلسطيني
تحميل المزيد