الأغاني الثورية تعتبر جزءاً لا يتجزأ من الحركات التحررية في جميع أنحاء العالم، فهي ليست مجرد ألحان وكلمات، بل تمثل صوت الشعوب في مواجهة الظلم والاستبداد. في العالم العربي، كانت هذه الأغاني عنصراً أساسياً في توحيد الشعوب ورفع معنوياتها خلال الصراعات والحروب، خاصة في الحروب العربية-الإسرائيلية.
في العالم العربي كانت الأغنية الثورية واحداً من أهم مفاتيح القوة لدى الجماهير العربية على امتداد الخارطة العربية، إذ كانت أداة تعبيرية قوية، تنقل المشاعر الوطنية وتعبر عن الرغبة في التحرير والاستقلال. كانت هذه الأغاني ترفع من معنويات الجيش والشعب، مما يظهر الوحدة الفريدة بين مختلف مكونات المجتمع في وقت الأزمات، ولا تزال لليوم الأغنية الثورية يصدح صوتها من كل بيت وحارة وشارع مع شرارة كل حرب، لتجد أن هذه الأغاني راسخة في الأذهان ويتناقلها جيل بعد جيل.
الأغنية الثورية العربية التي غنَّاها فنانون عرب بشكل جماعي أو فردي أو فِرق غنائية عربية ولا يزال يرددها الكبار والصغار كلما لاحت ثورة في الأفق، وبعض هذه الأغاني تجد أنها مناسبة لكل زمان ومكان، وكأن هذه الأغاني لا تشيب، مثل أغانٍ كثيرة لفيروز وأم كلثوم وغيرهما التي قد ظهرت في المنطقة العربية بعد حرب عام 1967. ولم تتغنّ تلك الأغاني بفلسطين فقط، وإنما أيضاً تذكر بضرورة استعادة العرب لدورهم الحضاري والإنساني كواحدة من أهم حضارات العالم والتمسك بالهوية العربية للتخلص من ويلات الاستعمار.
أما الأغنية الثورية الفلسطينية، فلطالما كانت من أهم أشكال مقاومة المحتل وتقديم القضية، كما يجب أن تُقدم للعالم ، فتصور الصراع بين الحق والباطل وتقدم دلائل ثابتة عن أحقية الفلسطينيين بأرضهم التاريخية، كما كان لها دور في نقل التراث الشعبي والفلكور والحفاظ على الهوية من الاحتلال، الذي لا يحتل الأرض فحسب إنما يسرق الذات الإنسانية وتراثها ويسلخها من أصالتها وكل ما يربطها تاريخياً بهذه الأرض، فظهرت فرق غنائية عديدة مثل فرقة "كوفية" و"صبايا الانتفاضة" وغيرهما من الفرق الأخرى، مثل فرقة "أغاني العاشقين"، وهي فرقة غنائية فلسطينية تأسست عام 1977 في العاصمة السورية دمشق، وكانت أغانيها وطنية وشعبية. أو "صابرين" في القدس، التي أسسها الموسيقار الفلسطيني سعيد مراد في الثمانينيات، والتي سعت لتطوير الأغاني الفلسطينية الحديثة التي تعبّر عن المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني بسبب الأوضاع السياسية، واستطاعت أن تمزج بين الموسيقى العربية والشرقية التقليدية، واستخدمت آلات شرقية وغربية في موسيقاها. ومالت هذه الأغاني لاستلهام ألحان من التراث الشعبي الفلسطيني، ما يعمق تأثيرها في نفوس السامعين؛ فأيقظت مشاعر الحنين والدفء تجاه الوطن، مذكرة بأهمية العودة إلى أرض البرتقال والزيتون. بالإضافة لذلك ساهمت فرقة صابرين في إدخال اتجاه الموسيقى الملتزمة إلى فلسطين، مثلما فعلت موسيقى الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم في مصر، ومارسيل خليفة وزياد رحباني في لبنان.
تحافظ الأغنية الثورية الفلسطينية على رونقها، فمنها ما كان يتغنى بالوطن وأمجاده وتراثه، ومنها ما كان يلهب المشاعر الحماسية ويوقد مشاعل النور لمقاومة المحتل، ومنها ما كان مخصصاً للشهداء الذين قضوا نحبهم في سبيل الوطن تبجيلاً لدمائهم الطاهرة، ويرى الباحث والموسيقي الأيرلندي لوس برهوني في كتابه "موسيقى فلسطينية في الغربة: أصوات المقاومة"، أن الموسيقى الفلسطينية ساهمت في إيجاد فرص لتعلم وممارسة الموسيقى كمقاومة في فلسطين وعدة دول في الشرق الأوسط بعد حدوث النكبة عام 1948، إذ ساعدت في ترسيخ ذاكرة جماعية وتأريخ فلسطين من خلال الموسيقى الثورية والمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي في إطار نظام إمبريالي عالمي. وقد عكست الأغنية الثورية قدرتها على التطور والتكيف مع مختلف أشكال المقاومة المختلفة الساحة العربية المتغيرة على مر الزمن.
وإلى اليوم، يستمر الدور التاريخي للأغنية الثورية التي لا تقتصر على مجرد أغانٍ حماسية تحرك الجماهير في الوطن، فاليوم في زمن معركة طوفان الأقصى تتزايد وتيرة الأغاني الوطنية التي تدعم أهلنا في الأراضي الفلسطينية، والوقوف إلى جانبهم في هذه الحرب بالشكل الذي يقدر عليه، كلٌّ من مكانه، فكل يوم نجد أغنية جديدة مليئة بالكلمات الوطنية، والتي تحفز المشاعر الحماسية؛ ما يجعل ذاكرتنا مليئة بالكلمات والصور والموسيقى القادمة إلينا من أماكن مختلفة أن هناك أرضاً كانت تسمى فلسطين، وسيبقى اسمها إلى الأبد "فلسطين حرة أبيّة".
وحتى يومنا هذا، لا يزال للأغنية الثورية دورها التاريخي المتميز الذي يتعدى كونها مجرد أغانٍ حماسية تثير حماس الجماهير. فخلال معركة طوفان الأقصى في الوقت الراهن، نشهد تزايداً في وتيرة الأغاني الوطنية التي تعبر عن دعمنا لأهلنا في الأراضي الفلسطينية، إلى أن يحين لقاؤنا، فنعزف أغاني النصر سوياً في يوم ليس بعيداً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.