لا شك أن العدوان الإسرائيلي على غزة سينتهي، ولا شك أن أهلها باقون فيها لأنهم يرفعون شعار: إما أن نعيش على أرضها أو نُدفن في باطنها. ولذا، يجب أن نفكر نحن في سيناريو ما بعد الحرب، وكيف سيعيش أهلها بعد كل هذا التخريب الذي لحق بالبنية التحتية والمنازل والمؤسسات التعليمية والصحية والمخابز… إلخ. ويرتبط هذا السؤال بسؤال آخر، ألا وهو: ما دور وواجب المجتمع الدولي والمجتمع العربي في إصلاح غزة وإعادة تأهيلها؟ وهذه محاولة متواضعة للإجابة على هذين السؤالين.
المآسي المتوقعة
تثقل الحرب الجميع، وتجعلنا لا نفكر في أي شيء غير إيقافها، وربما تغيب عنا مسائل مهمة عما سيحدث بعد الحرب وخططنا المستقبلية لهذه الأرض المدمرة، إذ تنتظرنا كوارث من كل نوع؛ فمئات الألوف من أهل غزة في العراء بعد أن هُدِّمَتْ منازلهم، فأين يذهبون بعد الحرب؟ ومئات الألوف من الطلاب والتلاميذ بحاجة للتعليم، فأين يتعلمون بعد أن قُصِفَتْ مدارسهم وجامعاتهم؟ وآلاف الجرحى يحتاجون لعمليات جراحية، ولكن أين تُجْرَى هذه العمليات وقد خرجت أغلب المستشفيات والمراكز الطبية عن الخدمة؟ ناهيك عن تلك التي قُصِفَتْ ودُمِّرَتْ تماماً! وكيف تسير الحياة على أنقاض مدينة لم يبقَ من شوارعها ما هو صالح للاستخدام إلا أقل القليل، وبنيتها التحتية (الكهرباء، والمياه، والصرف الصحي… إلخ) تحتاج لسنوات من العمل المضني لتعود كما كانت!
هل من حلول سريعة؟
اعتدنا عقب كل حرب على غزة على مدار العقدين الماضيين أن تتبرع بعض الدول أو المنظمات بإنشاء بعض المستشفيات والمدارس والمجتمعات السكنية، وكانت هذه التبرعات كافية إلى حد ما لأن التخريب لم يكن ليُقَارَن بما نراه الآن في غزة. أما الآن، فالتبرعات المطلوبة أكبر عشرات المرات من التبرعات التي كانت مطلوبة قبل ذلك، فهل يُتَوَقَّعُ من المجتمع الدولي أن يتبرع بسخاء أكبر لغزة هذه المرة؟
الحقيقة، لا أظن أن الحكومات والمنظمات التي كانت تتبرع لغزة فيما مضى ستعيد الكرّة مرة أخرى من الأساس، فما شهدناه من تأثير الصهيونية العالمية على مدار الأشهر الثلاثة الماضية ربما يوحي لنا أَنَّها ربما ستنهى المانحين عن التبرع بأي شيء بعد انتهاء الحرب، وحجتها -كما أتوقع- أن حماس ستستخدم التبرعات في شراء أو تصنيع أسلحة تهدد أمن إسرائيل.
ما البديل؟
وهنا، لابد من تدخل عربي سريع وسخي يعوض أي نقص متوقع من تبرعات المنظمات التي اعتادت أن تمنح غزة بعض التبرعات. ولابد كذلك من بديل شعبي ينسق جمع التبرعات من المواطنين في كل مكان على وجه الأرض ثم تنسيق آخر لإيصالها لأهل غزة أو حكومتها.
ولكن، بما أن المطلوب هو بناء مدن كاملة تقريباً، فلابد من توفير بديل سريع يتمثل في مخيمات بها خيم مجهزة جيداً للسكن، وأخرى مجهزة للدراسة تستخدم كمدارس مؤقتة، ومستشفيات ميدانية، وعربات قوافل طبية يمكن أن تتم فيها الجراحات السريعة، أو تُستخدم كعيادات متنقلة لتخفيف الضغط على المستشفيات الميدانية، ومخابز وعربات متنقلة تقدم وجبات كافية، حتى لا يُضطر الناس للطهي في الخيام، حيث يُتوقع حدوث كوارث -لا قدَّر الله- جرَّاء استخدام معدات الطهي، وعربات لتوزيع مياه الشرب، وعربات مزودة بحمامات وغسالات عامة، ولا بد أن تُقام بهذه المخيمات ألواح طاقة شمسية لتوفير الكهرباء اللازمة للمخيمات… إلخ.
ولا بد كذلك أن يتم توفير العنصر البشري الكفء بديلاً عن آلاف المهنيين الذين استُشهدوا من أطباء ومسعفين ومعلمين، وهؤلاء يمكن توفيرهم من دول عربية مجاورة، وخاصة مصر التي بها آلاف المهنيين الذين سيتسابقون للتطوع في العمل بغزة إِنْ فُتح باب التطوع. أما طلاب الجامعات في غزة، فيجدر بالدول العربية أن توفر لهم منحاً دراسية كاملة بجامعاتها.
وبجانب هذه الإجراءات المؤقتة، يجب أن تسير عمليات بناء المنازل والمؤسسات التعليمية والصحية وتجهيز البنية التحتية على قدم وساق، وتتوزع المهام على شركات عملاقة يمكن أن تنجز الكثير في وقت قليل، وهذه الشركات موجودة بالفعل في كثير من الدول العربية، وبعضها له خبرة كبيرة في الإنشاء السريع، فقد أقام مدناً كاملة المرافقة في غضون سنوات قليلة.
هذا قليل من كثير تحتاجه غزة، وهو واجب على كل الحكومات العربية، وخاصة مصر والأردن والسعودية، وهي دول الجوار لفلسطين. فإذا لم تكن هذه الحكومات قد قامت بواجبها في منع الحرب على غزة، فلا أقل من المشاركة في واجب تعميرها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.