أتمت حرب الإبادة على قطاع غزة التي شنَّها الاحتلال يومها الـ100، مستمراً بغاراته المكثفة على مناطق مختلفة من القطاع، وقصفه المربعات السكنية ومحيط مراكز الإيواء، وارتكاب المجازر اليومية بحق المدنيين وتدمير كل مقومات الحياة في هذه البقعة الجغرافية التي يتناساها العالم.
أعلنت حكومة نتنياهو في البداية عن أن أهداف الحرب على غزة هي القضاء على "حركة حماس" وقدراتها العسكرية، وبعد أكثر من 10 أيام أعلنت عن هدف ثانٍ هو إعادة المحتجزين الإسرائيليين في القطاع، ثم أعلنت عن هدف ثالث هو ضمان عدم تكرار هجوم "طوفان الأقصى"، واستدعى جيش الاحتلال الإسرائيلي، بشكل غير مسبوق منذ حرب العام 1973، قرابة 350 ألف ضابط وجندي في الاحتياط.
لم يحقق الاحتلال أياً من أهدافه المعلنة في حروبه السابقة على غزة، وفي العدوان الحالي أيضاً، لم يحقق إلى اليوم شيئاً من أهدافه التي أعلن عنها، ولا يبدو أنه سيحقّقها، والأمر الوحيد الذي (حققه) هو الدمار الهائل والقتل الرهيب في صفوف الأبرياء من الفلسطينيين، بينما يستمر تراكم فشله المستمر كمستعمر لا يعرف إلا البطش والهمجية.
استطاعت المقاومة يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي رغم فارق القوة الهائل أن تقهر أسطورة جيش الاحتلال "الذي لا يُقهر"، فلم يسعف الاحتلال أجهزته الأمنية الأذكى والأكثر تطوراً في العالم كما يزعم بأن تتنبأ حتى بالهجوم، ومنذ يومها دخل الاحتلال في نفق فشل لم يستطع الخروج منه إلا اليوم، ولكي نكون على قدر من الدقة نستعرض هنا أبرز نقاط الفشل والخيّبة التي يراكمها الاحتلال الإسرائيلي وأجهزته الأمنية منذ بداية الحرب في غزة:
1- رغم الوعيد والتهديدات والدعم الغربي غير المسبوق فشل الاحتلال في تحرير أسراه لدى حركة "حماس" أحياء أو بدون مقابل، حيث أطلقت الحركة سراح عشرات المدنيين منهم مقابل هدنة مؤقتة وتحرير أسرى فلسطينيين بصفقة تمت برعاية قطر ومصر نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فيما بقي نحو 132 أسيراً لدى المقاومة، وتمت على قاعدة الإفراج عن أسير إسرائيلي مقابل 3 أسرى فلسطينيين.
2- يستمر جيش الاحتلال بالاعتراف يومياً على مضض بسقوط قتلى وجرحى في صفوف جنوده خلال معارك مع عناصر المقاومة الفلسطينية في شمال وجنوب القطاع، وفي بعض الأيام يصل عدد قتلاه باليوم الواحد إلى أكثر من 10 قتلى علاوة على عشرات الجرحى.
حيث بلغ إجمالي قتلى الجيش الإسرائيلي من الضباط والجنود منذ بداية العملية البرية في 27 أكتوبر الماضي، 187 قتيلاً ومئات الجرحى، في حين بلغ إجمالي القتلى العسكريين الإسرائيليين 522 قتيلاً منذ 7 أكتوبر. كما بدأت تتكشف أوضاع الجرحى الخطيرة وحالات الإعاقة التي يتوقع أن ترتفع إلى نحو 20 ألف معاق بحسب إحصاءات نشرتها وسائل إعلام عبرية.
3- لم ينجح جيش الاحتلال في وقف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة باتجاه تل أبيب والقدس ومدن أخرى؛ حيث تواصل المقاومة إطلاقها يومياً منذ بداية الحرب على القطاع، وكان لافتاً للانتباه قدرة المقاومة على تحديد أوقات تحمل رسائل مهمة بشأن إطلاق الصواريخ، مثل إطلاق الصواريخ في رأس السنة الجديدة وإطلاقها في اليوم الـ100 للعدوان، ما يؤكد إخفاق الاحتلال على وقف الصواريخ، وعجزه أمام عمليات المقاومة النوعية في كل مناطق توغله رغم الكثافة العددية للاحتلال والأحزمة النارية الجوية.
4- تنفذ كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة "حماس"، وفصائل المقاومة، يومياً، عمليات تفجير وإطلاق نار ضد قوات الاحتلال المتوغلة بمناطق شمال وجنوب القطاع، ما أدى إلى تدمير المئات من الدبابات والآليات العسكرية، وتستمر المقاومة في نشر مقاطع فيديو يومياً لعمليات المقاومة الفلسطينية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، والتي تحمل في كل يوم شيئاً جديداً وطريقة تعبر عن حالة الإقدام في التنفيذ من المسافة صفر.
5- لم يتمكن جيش الاحتلال الإسرائيلي طوال أيام حربه البرية وعدوانه المستمر من السيطرة كلياً على مناطق زعم أنها أصبحت تحت سيطرته خاصة فيما يتعلق بحي الشجاعية وبلدتي بيت حانون وبيت لاهيا ومخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين. في حين ما زالت المقاومة الفلسطينية تطلق صواريخ من هذه المناطق تجاه المستوطنات الإسرائيلية، وتنفذ عمليات نوعية ضد قوات الاحتلال المتوغلة فيها.
6- تسيطر حالة رعب متصاعدة على الإسرائيليين في كافة مدن فلسطين التاريخية، في ظل وصول صواريخ المقاومة إلى غالبية المدن، خاصة بعد قصف مدينتي صفد وحيفا بالشمال، في حدث يعد نادراً، يضاف إلى ذلك حالة إغلاق المستوطنات المحاذية لقطاع غزة، وتلك التي في الشمال على الحدود مع لبنان، وهو ما يشكل حالة ضغط جماهيرية ضد حكومة الاحتلال.
7- تراجع الدعم الدولي، إذ لم تعد دول العالم تساند الكيان الإسرائيلي في حربه وعدوانه على قطاع غزة رغم أن غالبيتها كانت تقف إلى جانبه في بداية الحرب، وظهر ذلك في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ فقد طالبت 153 دولة بوقف العدوان وصوَّت مع "إسرائيل" وأمريكا 8 دول هامشية فقط، كما تطور الأمر لرفع قضية من قبل جنوب أفريقيا ضد "إسرائيل" في محكمة العدل الدولية في سابقة تاريخية.
8- تخبط في العلاقة مع واشنطن، فبسبب تضرر مصالحها وقرب انتخابات الرئاسة الأمريكية بدأت واشنطن وإدارة الرئيس جو بايدن تغيير لهجتها مع دولة الاحتلال والتحول نحو مطالبتها بوقف الحرب، بل ومهاجمة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في بعض تصريحات بايدن، إلا أنها مع ذلك تواصل دعم الاحتلال علنياً، رغم المصادر الإعلامية التي تتحدث عن توتر بين الجانبين.
9- بعد 100 يوم من الحرب، وحتى قبل الحرب، أثبتت دولة الاحتلال فشلها الأمني، ويظهر ذلك بدخول الآلاف من عناصر المقاومة الفلسطينية إلى مواقع عسكرية وبلدات محاذية للقطاع، كما تعزز هذا الفشل بعدم قدرة جيش الاحتلال على اغتيال قيادات سياسية وعسكرية وازنة في "حماس" طول أيام الحرب، وعدم القدرة كذلك على اكتشاف وتدمير القدرات العسكرية والأمنية للحركة، علاوة على استمرار المقاومة بالعمل والتحكم في مجريات المعركة على الأرض بسلاسة، وحتى اليوم المئة من الحرب ما زال يكتشف أموراً جديدة لدى المقاومة، كما أعلن أمس أنه اكتشف أنفاقاً لسرايا القدس الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي وليس لكتائب القسام فقط.
لم ينجح جيش الاحتلال الإسرائيلي حتى اليوم الـ100 للحرب في تحقيق أي من أهدافه التي أطلق الحرب بشأنها، مثل القضاء على حركة حماس وتفكيك قدراتها العسكرية، وإطلاق سراح الأسرى بالقوة، كما أنه يتلقى ضربات موجعة يومياً من المقاومة الفلسطينية بجميع نقاط توغله حتى في البلدات التي دخلها في اليوم الأول من عملياته البرية، ورغم القوة النيرانية لجيش الاحتلال والتغطية الجوية المكثفة لمناطق العمليات البرية فإنه لم ينجح في تحييد منظومة الأنفاق أو حتى سلاح الطائرات المسيرة للمقاومة الفلسطينية التي نفذت العديد من الهجمات ضد قوات الاحتلال.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.