مع تصاعد الصراع في البحر الأحمر نسمع عن تحويل مسار السفن إلى طريق "رأس الرجاء الصالح"، فما قصة هذا الطريق؟ وما علاقته بالاستعمار الغربي؟
طريق رأس الرجاء الصالح هو الطريق الواصل بين شرق آسيا وأوروبا من خلال الالتفاف حول القارة الأفريقية بالكامل، ورأس الرجاء الصالح هو منطقة في جنوب أفريقيا، وقصة اكتشافه تعود إلى قبيل سقوط غرناطة آخر مدن الأندلس بسنوات قليلة، أي عام 1487.
كانت حينها مملكة قشتالة وأراغون تخوضان حروباً صليبية في شبه الجزيرة الأيبيرية من أجل طرد المسلمين من الأندلس وهو ما يعرف (بحروب الاسترداد)، وبعد توالي انتصارتهم بدأوا يفكرون في غزو الدول الإسلامية والقضاء على قوتها.
ومن هنا بدأت إحدى مراحل الصراع بين الدول الإسلامية والغربية، والتي انتقلت من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر والبحر العربي وسواحل الهند الغربية، إذ سعت البرتغال لاحتلال شمال أفريقيا وغربها حتى الوصول إلى شرقها عبر طريق رأس الرجاء الصالح، وقد تحولت الخطط البرتغالية من محاربة المسلمين إلى الاستعمار، والبحث عن المصالح الاقتصادية.
و كانت إحدى خطط البرتغاليين البحث عن طريق تجارة مع شرق آسيا لا يمر من الدول العربية؛ حتى لا يكونوا تحت رحمة المسلمين، فأرسل ملك البرتغال رحلات استكشافية للالتفاف حول أفريقيا، ونجح الملاح البرتغالي "بارتولوميو دياز" في الالتفاف عبرها، وسمى المكان الذي اعتقد أنه يصل المحيط الأطلسي بالمحيط الهندي برأس العواصف؛ وذلك لكثرة ما يتعرض للعواصف العاتية هناك، ثم أطلق عليه ملك البرتغال اسم رأس "الرجاء الصالح"؛ تيمناً بإمكانية الإطاحة بهيمنة المسلمين التجارية.
منذ ذلك الوقت بدأت البرتغال تنشر مواقعها التجارية والعسكرية على طول الساحل الأفريقي والخليج العربي وبدأت بنهب الخيرات، من ثم تبعتها الممالك الأوروبية الأخرى، وقد ساهم تحول الطريق في انهيار اقتصاد دولة المماليك وسقوطها لاحقاً.
استمرت البرتغال في هيمنتها الاستعمارية إلى أن استطاعت سلطنة عمان عام 1650 بعد احتلال دامَ 140 عاماً، في طردها من الخليج العربي وشرق أفريقيا والساحل الفارسي، ولم يكتفِ العمانيون بطرد البرتغاليين من البلاد والدفاع عنها فقط، بل ظلوا يطاردونهم وأرسلوا أساطيل هاجمت القواعد البرتغالية في سواحل الهند وأفريقيا، وبدأ العمانيون في تشكيل أسطولهم البحري العسكري الضخم معتمدين على الأسطول البرتغالي الذي سيطروا عليه، لتتحول عمان من بلد مُحتل إلى إمبراطورية كبرى ممتدة عبر سواحل آسيا وأفريقيا.
ثم جاء الهولنديون إلى جنوب أفريقيا وعرف مستوطنوهم بالـ"بوير" والذين اعتبروا أنفسهم المختارين وأنهم أصحاب الأرض، فجاء بعدها الإنجليز وطردوا الهولنديين وخاضوا حروباً طويلة معهم، حيث كان الرجل الأبيض يتصارع مع نظيره الأبيض في جنوب أفريقيا، على حساب السكان الأفارقة الأصليين أصحاب الأرض، إذ كانت جنوب أفريقيا وطريق رأس الرجاء الصالح مهمين جداً للقوى الاستعمارية وللإنجليز تحديداً؛ من أجل الوصول للمستعمرات البريطانية في الهند. وبعد أن أصبحت إنجلترا قوة عسكرية واقتصادية كبرى قضت على الوجود العماني في شرق أفريقيا وفرضت الوصاية عليها.
تراجعت أهمية طريق رأس الرجاء الصالح بعد شق قناة السويس، ولهذا حرص الاستعمار على السيطرة على القناة، وتمر اليوم عبر القناة والبحر الأحمر معظم التجارة بين آسيا وأوروبا وتصدير النفط والغاز من الخليج إلى أوروبا وأمريكا.
لهذا لا عجب في هذه الاستماتة الغربية اليوم في محاربة الحوثيين واستمرار فتح طريق البحر الأحمر حسب شروط الغرب، فتحول طرق التجارة نحو طريق رأس الرجاء الصالح يستغرق أشهراً أطول ويكلف أكثر بكثير، ولا ترغب الدول الغربية بإرثها وسياستها الاستعمارية أن يخضعوا لليمن وأصحاب المنطقة وأن يوقفوا العدوان على غزة.
ما نراه اليوم في غزة والبحر الأحمر هو إحدى حروب وصراعات الغرب الاستعمارية من أجل الحفاظ على هيمنته وسيطرته العسكرية والاقتصادية والسياسية على العالم ومنع صعود الأمة الإسلامية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.