إن بعض الأحداث تحدث في حياتنا لتنير أمامنا حقيقتنا، حقيقتنا التي نتوارى منها ونريد أن نخفيها، قلوبنا لا تصدق في البداية، لكن عندما تزداد الأمور تعقيداً، نضطر إلى تصديقها، فالعقل حينها يكون المرآة المثلى، ويكون الجوهر النقي الذي يشير إلى ما تريد أن تخفيه عنا نفوسنا وقلوبنا، فغزة كانت هي النور الذي أرانا حقيقتنا، أرانا ما نحن فيه من وهَن وضعف منذ سنين، أرانا أنا لا نملك في أيدينا إلا أن نأكل ونشرب كالبهائم، ونشاهد كل يوم أشلاء تمزَّق، فنريد أن نتحرك، لكن نستيقظ ونرى أننا مكبلون، مكتوفو الأيدي، لا حول لنا ولا قوة، ألسنا في خزي يغطينا من أعلى رؤوسنا إلى أسفل أقدامنا؟!
بعض كلمات نكتبها؛ لكي نخفف عنا ألم ضميرنا الذي ينهش فينا كالذئاب، فضآلتنا تزيد كلما رأينا الدماء تسيل، وبطولات نقف أمامها عاجزين عن التعبير عن صدمتنا تجاهها، وعندما تهدأ آلامنا قليلاً، يأتي حدث يوقظها مرة أخرى، بكاء أم فقدت أولادها جميعاً، بكاء جد فقد حفيدته فلذة كبده، صحفي يتلقى الضربة تلو الضربة من الاحتلال الإسرائيلي المجرم، يقتل فرداً من عائلته على أيام متفاوتة، ومشاهد لأشلاء بشر مثلنا لم يرف لأحد عين لينقذهم من مأساتهم، وهناك غيرهم الكثيرون الذين لا نعرف مدى معاناتهم وقصصهم في غزة.
فالإنسان ضمير ينبعث من نفسه، مخلوق مشاعره تزداد عندما يمس أحدٌ جزءاً حساساً في كينونته، يشعر بمدى ضعفه عندما يفقد أحداً من عشيرته، فهو لا يملك غير أن يدعو الله دون حراك، أو ينتقم، أليس أهل غزة من عشيرتنا؟!
فضآلتنا تزداد يوماً بعد يوم أمام ما نشاهده من أحداث، لا أدري إلى متى نتألم دون حراك؟ أليسوا من أمتنا؟ أليسوا من دم ولحم يتألمون كما نألم؟ إنها أسئلة يعجز علينا أن نجيبها؛ لأننا نحتاج إلى أمر يوقظنا، إلى حدث يمس المقربين إلينا؛ لكي نشعر، فالأنانية عمت قلوبنا، وأكلت جزءاً من إنسانيتنا التي لم تصبح ترى بالعين المجردة.
إن الآدمي الذي لم يستشعر الأوجاع في تلك الأحداث الآخيرة على أهل غزة فلا يستحق لقب الآدمية، فهو تجرد من كل فعلٍ حسن، وتجرد من قلبه، فإما نزعه أو جعله كالحجر أو أشد، إننا يجب ألا ننسى أبداً في يومنا أن هناك إخواناً لنا يموتون ظلماً وقهراً، ويذبحون على أيدي أصحاب قلوب نجسة، فعيب علينا أن لا نتكلم، حتى ولو كانوا في خلجات صدورنا، والأكثر عيباً أن ننساهم، فنكون حينها شاركنا هؤلاء اليهود في قتلهم، فالصمت حينها يكون هو السم الذي يقتلهم بدم بارد.
فلتستيقظ قلوبنا لنرى الحقيقة الكاملة، ولنجعل الآخرين من حولنا يفيقون، ربما نكون سبباً لصلاح الأمة، وانتشار الحق بين أضلعها، إنما نحن أسباب لنغير واقعنا، ونحرك عزائمنا، ونقود حرارة نفوسنا بالأمل، الذي سيتحقق إن آمنا بأنفسنا، وبأفعالنا الصغيرة المؤثرة، وآمنا بأننا قادرون على أن ننقذ أهل فلسطين جميعاً من الصهاينة الغاصبين، فبمجرد أن نتذكرهم ونذكر من حولنا بهم، ولا ننساهم أبداً، ولا نلتهي في معترك حياتنا، فذلك سيكون بداية النصر بإذن الله، وبداية دخول النور داخلنا، فالوعي في حد ذاته يخيف أعداءنا، ويرجف نفوسهم، ويجعلهم مذبذبين مشتتين، فهم جبناء، شعروا بالشجاعة فقط لأننا أمة متفرقة، لا نجتمع إلا قليلاً، تغلغل الوهن في جذورنا، لكن الأمل ما زال موجوداً بعد كل تلك الآلام، فالأمة ستفيق يوماً ما لا محالة، والمجتمعات العربية والإسلامية ستعلم أنها الأقوى، فالثقة في الله ثم في وحدتنا هي منبع نجاحنا في تحقيق مبتغانا، فبك وبي وبمن حولنا ستتغير الأمور، نحتاج بعض الصبر، وبعض الخطوات الواثقة، فمن المؤكد سيظهر منا صلاح الدين الجديد!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.