سياسات التطهير العرقي والديني موجودة وبشكل حقيقي، حيث تنتهجها بعض الدول للتخلص من جماعة تعتقد أنها تضر أمن الدولة وتهدد الأمن القومي، لكن هذا ليس مبرراً لتشريد شعوبٍ وقوميات ومدنيين من نساء وأطفال وكبار سن، لمجرد أخطار تحدق في الدولة أو الادعاء بوجود تهديد لأمنها القومي، وما حدث في ميانمار مع مسلمي الروهينغا بين عامي 2016م حتى 2017م هي سياسة التطهير العرقي ذاتها التي تحدث اليوم في قطاع غزة، وما أشبه اليوم بالأمس!
حيث يستخدم الجيش الإسرائيلي ترسانته العسكرية الكاملة في حربه على قطاع غزة، رغم سنوات من الحصار والعزل عن العالم، فمثلاً في الحروب التقليدية تدفع الجيوش بقواتها وألوية النخبة في صراعات عسكرية متكافئة، أما ما يحدث في فلسطين فمختلف تماماً، أسلحة إسرائيلية بمليارات الدولارات، وتقنيات وصواريخ دقيقة الأهداف، مقابل أسلحة بدائية ويدوية الصنع أو مُعاد تدويرها من مخلفات الحروب السابقة على غزة، وهذه الصواريخ الدقيقة في كل مرة تضل طريقها وتسقط على المدنيين الذين عادة ما يكونون دروعاً بشرية، وفق الرواية الإسرائيلية، لتبرر لنفسها قتل المدنيين، ولعدم تمكنها من الوصول للأهداف العسكرية التابعة للمقاومة الفلسطينية.
وحتى الآن استشهد ما يقارب 30 ألف فلسطيني في حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة التي بدأت في 7 أكتوبر 2023، ولا يزال القصف الإسرائيلي مستمراً حتى اللحظة على أهلنا في القطاع، وما زال الآلاف من الشهداء والجرحى يسقطون يومياً، ما يعني وبشكل صريح تعمد الاحتلال استهداف المدنيين وممارسة إبادة جماعية بحق الفلسطينيين الأبرياء.
في جُل الحروب التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي تُلقى منشورات تحذيرية تطلب من سكان القطاع إخلاء منازلهم والتوجه نحو المناطق الجنوبية، رغم ذلك يتم استهداف الآلاف من الضحايا الأبرياء، وذلك من خلال استخدام أسلحة مدمرة من شأنها قتل أكبر عدد من الأشخاص وتدمير المنازل والبنى التحتية، ويعتبر هذا شكلاً من أشكال التهجير القسري، وسلب أبسط حقوق البشر وطردهم من بيوتهم وخلق نكبة جديدة، وتشريد الآمنين وتعكير صفو معيشتهم.
والادعاء بأن المقاومة الفلسطينية تستخدمهم كدروع بشرية للتنصل من الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية في قطاع غزة؛ ليس إلا شكلاً من أشكال التطهير العرقي الممنهج، وتتعالى الأصوات في الداخل الإسرائيلي التي تطالب بتهجير سكان غزة وتوطينهم خارج حدود القطاع.
وما حدث في ميانمار يتطابق مع ما يحدث مع أهلنا في قطاع غزة، وهو التمييز العنصري ذاته والخوف ذاته، ووسائل القتل والتنكيل والتهجير ذاتها في ترهيب البشر وإساءة الإنسان لأخيه الإنسان، وهو نفسه الذي تفعله دولة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، طُرِدَ مسلمو الروهينغا من أراضيهم لوجود خلفيات عنصرية وسياسية ودينية مغايرة للغالبية من سكان الدولة، وتم إحراق قراهم وانتهاك حرمة الدماء وممارسة أفعال وحشية خلفت وراءها الآلاف من الضحايا الأبرياء، وعشرات الآلاف من اللاجئين الذين فروا إلى دول الجوار هروباً من الموت المحتم.
الجرائم متشابهة في بشاعتها وفظاعتها، في كلا الموطنين حاولت بورما ودولة الاحتلال الإسرائيلي تفريغ المناطق من أهلها للسيطرة على الجغرافيا والانفراد بكتابة تاريخٍ جديد، أو على الأقل حماية الحدود، لكن ما يرسخ في الأذهان أن القضايا المحقة باقية، والحقوق التي يقف وراءها مطالب باقية أيضاً، والأجيال ذاكرتها لا تُمحى، كما أن القتل والتهجير ليس مبرراً لارتكاب الفظائع والجرائم ضد الإنسانية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.