في رحلتنا القصيرة على متن هذه الحياة نواجه عدداً كبيراً من المحن على طول طريقنا. بينما نبحر في هذه الأودية نختبر مد وجزر الوجود، السقوط والصعود، واستيعاب التعاليم العميقة التي تضفيها الحياة. وفي خضم نسيج المكاسب والخسائر يتجلى الحزن الأكثر وجعاً للقلب في فقدان الأحباء، فقدان فلذة الكبد، فقدان الولد، وخصوصاً الولد البكر، أول قرة عين لوالديه.
في بوتقة معركة غزة التي لا هوادة فيها، وسط الفوضى والروح التي لا تتزعزع لشعبها الشريف، يظهر الصحفي الشجاع وائل الدحدوح كمنارة للشجاعة. ومن وراء حجاب شاشته ينقل بلا خوف الروايات العميقة والأصوات الرنانة لشعب غزة، ويبحر في المخاطر بجرأة وشجاعة. وائل الجبل، نموذج الصمود، يواجه بوتقة الصراع وجهاً لوجه أثناء قيامه بواجبه الصحفي. وفي وسط الهجمات الإسرائيلية سقطت الغارات الإسرائيلية على أسرته: زوجته سنده، ورفيقة دربه، وابنه محمود، وابنته الأميرة شام، وحفيده الرضيع آدم.
وبعد خسارته لأفراد من أسرته لم يتوقف الاستهداف المتواصل لعائلة الدحدوح، وبدلاً من ذلك تصاعدت حدة الأمر. أصبح التزام وائل بالحقيقة رحلةً محفوفة بالمخاطر، حيث تم إطلاق النار عليه بينما كان يوثق بشجاعة المشاهد الوحشية للقصف والدمار، ووسط هذه الفوضى سقط زميله الشهيد سامر أبو دقة أثناء أداء الواجب، مضيفاً فصلاً مؤثراً إلى السرد المأساوي للشجاعة الصحفية.
وفي مطاردة أخرى واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي مطاردة وائل الدحدوح من جديد، فقد انكشف فصلٌ آخر لم يتوقعه أي أحد، حيث لم ينزل شبح الغارة الإسرائيلية على وائل نفسه، بل على ابنه البكر، حمزة وائل الدحدوح، مع زميله الصحفي الشهيد مصطفى ثريا. وتقف أحداث ذلك اليوم، السابع من يناير، كشهادة صارخة على القمع الذي لا ينضب، وتُلقي بظلال قاتمة على الأرواح التي وقعت في مرمى نيران هذه المطاردة المستمرة.
حمزة، الابن البار، وقف إلى جانب والده وائل بثبات في كل مهمة إخبارية. لقد جسد الكمال كصديق، ورفيق، ودعم لا يتزعزع، وهو جوهر روح والده. ومع ذلك رحل حمزة، تاركاً وراءه حضن أبيه وإخوته وزوجته فارغاً ومثقلاً بالألم والقهر، وانضم إلى مركبة الشهداء مع أمه وإخوته.
وائل الجبل القوي، أنت تقف أمامنا كتجسيد للقوة التي لا تتزعزع، في مواجهة الألم المستمر في قلبك الناجم عن الخسارة العميقة لأحبائك. من خلال عدسة شاشاتنا، شاهدنا قوتك التي لا تتزعزع وأنت تواسي بناتك وابنك يحيى، وتبدي صبراً رائعاً مع زوجة ابنك البطل حمزة، ولكن وسط هذا القهر العميق مَن سيكون البلسم لروحك يا أبا حمزة؟ من سيضمد الجروح التي تنزف بداخلك بقوة؟
يا أبا حمزة، لقد كتبت لنا حياتك قصة صبر عظيمة، وكأنك تعيش مدرسة الصمود والتحديات، لكننا نعلم جيداً أنك لست مجرد صحفي، بل أنت صوت الأمل والوحدة لكل قلب ينبض بالحب والإيمان، أنت صاحبنا، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من عائلة كل فرد فينا. إنَّ صبرك في هذه الحياة يحمل معه جزاءً عظيماً عند الله عز وجل، إن الله تعالى يبتلي العبد الذي يحبه، نعم نلت حب الله وحب العالم بأسره، بفضل صبرك وقلبك الكبير.
لقاء الدنيا ليس نهاية الرحلة، بل هو مجرد بداية للقاء الأفضل، اللقاء في الجنة، حيث لا يعرف الموت سبيلاً. إن فهم الحياة الدنيا كمرحلة عابرة يجعلنا نرتقب لقاءً أجمل في الدار الآخرة، حيث تنعدم فيها آلام الوداع والفراق. والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون.
إلى عائلة الصحفي البطل الدحدوح، نعزيكم ونسأل الله أن يمنحكم صبراً جليلاً لتحملوا مصابكم في قلوبكم، ندعو الله أن يمنحكم القوة والسلوان، وصبراً عظيماً، فإن ابتلاء الله للعبد علامة على حبه الكبير، ندعو الله أن يكون اختباركم سبباً لرفعة درجاتكم في الدنيا والآخرة، وأن يجمعكم بأحبائكم في الفردوس الأعلى.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.