اشتباكات في البحر الأحمر، وحزمة من الصواريخ أطلقها حزب الله على إسرائيل، والفصائل الفلسطينية بغزة أسقطت عدداً من الجنود الإسرائيليين بغزة، والاحتلال الإسرائيلي يضاعف هجماته في الضفة الغربية، ليس هذا فحسب، فهناك حرب سياسية أخرى داخل إسرائيل، فحكومة نتنياهو اعترفت بعدم تحقيق الجيش أياً من الأهداف المعلنة في هذه الحرب حتى هذه اللحظة، مع إلقاء اللوم على عاتق الأجهزة الأمنية والعسكرية فيما يتعلق بعملية السابع من أكتوبر، المسماة بـ"طوفان الأقصى".
نتنياهو يغرق، ويريد إغراق المسن بايدن أيضاً، فالرجل قد بات معروفاً أمام العالم بأنه الجزار الذي قتل أكثر من ٢٣ ألف إنسان، معظمهم من النساء والأطفال، في هذه الحرب، ودمّر جميع مظاهر الحياة في غزة، وأطبق عليها حصاراً شاملاً لأكثر من ثلاثة أشهر، لا ماء ولا طعام ولا وقود ولا مستشفيات ولا منازل ولا مساجد، ولا حياة في القطاع، باستثناء القتل والدمار. وهو الآن يواجه تهمة الإبادة الجماعية من دولة جنوب أفريقيا، وستمثل إسرائيل المجرمة أمام محكمة العدل الدولية بسببها.
والمسن بايدن يتخبط كذلك ويحطم رقماً قياسياً في استطلاعات الرأي، مع هبوط شديد في أعداد الناخبين الذين يشاهدون ضلوعه في مجزرة نتنياهو، ويتابعون الاستقالات في إدارته. وبينما هو يتخبط في حملاته الانتخابية، وتشتغل النار في البحر الأحمر وتتطاير الصواريخ من لبنان إلى إسرائيل، وتستعد الحكومة العراقية لإنهاء الوجود العسكري الأمريكي فيها، وبينما يتزايد عدد الشهداء بالضفة وغزة يتخبط بايدن ويعيد إرسال وزير خارجيته الذي يهدف إلى عدم توسع الصراع بالمنطقة.
المُسن بايدن يعلم أن الشارع الأمريكي لم يعد راغباً فيه، والشتائم التي سمعها منه مؤشر على الرأي السائد في البلاد، وسياسة الرجل الدموية هي سبب تلك الشتائم التي تلاحقه أينما ذهب، وتشمل موكب وزير خارجيته، وتتوسع الشتائم لتشمل الحكومات المساندة للاحتلال الإسرائيلي، فمنذ بدأ مجزرته في القطاع تغيّرت الجماهير العالمية، واتخذت موقفاً سياسياً من جميع هذه الحكومات التي تنطلق من قيم زائفة للديمقراطية، بينما ترتكب المجازر وتقتل الأطفال بطريقة غير مباشرة. فهو لم يعد مقتنعاً بالكلمات التي وجهها لترامب في خطابه مساء يوم الجمعة، بأنه خطر على الديمقراطية، بايدن ينطق باسم الديمقراطية بينما إدارته لم تستطع إيقاف حرب غزة وإدخال المساعدات وإنقاذ ما تبقى من الأطفال والنساء في غزة.
اغتيال العاروري شعلة جديدة في هذه الحرب، التي لن تتوقف بعد هذه اللحظة، والتوسع الذي تخشاه إدارة بايدن واقع لا محالة، ولن تمنعه زيارة بلينكن لإسطنبول، ولا رحلاته القادمة للضفة والأردن والسعودية والإمارات واليونان، وما يطلق عليها هو دول الشركاء، فهذه الدول ليست مستعدة للمشاركة مع بايدن، الذي يتخبط في السياسة ويسحبه نتنياهو إلى القاع قبل غرقه المحتوم، وتحديداً بعدما هاجمت حكومته الجيش، وتشاجر مجلس الحرب المصغر حول مَن يتحمل مسؤولية السابع من أكتوبر، رئيس الأركان أعاد التهمة إلى نتنياهو وغالانت مساند له، وبهذا اتخذ سياسة المعارض لحكومة نتنياهو المتطرفة.
نتنياهو يغرق، وهذا ما توضحه سياسته الحالية. ولأن حكومته مكونة من الجهلاء والمتطرفين تتفاقم عليه المشاكل، كلما اتخذ قرارات سياسية جديدة عادت عليه بالفشل، فهو عسكرياً أوقع جيشه في فخ غزة، و١٢٥٠٠ من جنوده معاقون، ولم ينجحوا في إطلاق أسير، ولا تدمير الأنفاق، وحماس مازالت تمتلك قوة عسكرية وتدير غزة بشكل فعال، وبهذا يفشل نتنياهو في جميع قراراته التي تنعكس عليه بشكل واضح وسلبي، فحكومته تواجه عزلةً دوليةً بسبب جرائم الإبادة بغزة، والدعم الدولي يتراجع.
بكل تأكيد نتنياهو يغرق نتيجة لسياسته الميكيافيلية والنازية، فالرجل تائه بين الأساليب النازية والتوصيات المكيافيلية، التي تحث على الحرب والتحالفات والمصالح المشتركة والمراوغة والخداع، بهدف البقاء في السلطة، ولو كان الثمن هو القتل. وهذا ما يؤمن به نتنياهو في السياسة وحكومة اليمين المتطرف التي تدير وزاراته بعقلية النازيين؛ لذا يجد مخرجاً من تهم الفساد الموجهة ضده من المحكمة، ويرغب في توسيع دائرة الحرب؛ لأن ذلك يضمن له البقاء لفترة أطول داخل الحكومة.
وما بين غرق نتنياهو في وحل غزة وتخبطات المسن بايدن يشتعل البحر الأحمر، ويتفاقم الضغط على رؤساء الدول الإمبريالية، التي تستعد للتفاوض بأي ثمن كان دون تعرض التجارة العالمية للخطر، لأن ذلك يحلق أضراراً بهذه الحكومات الرأسمالية، التي تخضع لقوى الشركات العابرة للقارات، ومع اشتعال البحر الأحمر ومهاجمة الحوثيين للسفن المتجهة إلى إسرائيل، يتوعد حزب الله بالانتقام من إسرائيل، بعد اغتيالهم للعاروري، ثم يمتد الصراح للضفة الغربية، وتتخطى حرب غزة شهرها الثالث دون حل حقيقي، وتتفاقم المعاناة وحجم الخسائر البشرية، وهي الأكبر حالياً في غزة بشهادة الأوروبيين أنفسهم.
رأيتُ صورة نتنياهو تحت أقدام المتظاهرين بمدينة إسطنبول في اليوم الأول من هذا العام. وإن كان إلقاء البيض على الساسة الأوروبيين يحمل دلالة سياسية فإن البصق على صورة نتنياهو يحمل آلاف المعاني السياسية والإنسانية، وهذا ما فهمته من تلك المسيرة الحاشدة التي بدأت من جسر غالاتا، واحتشد آلاف المتضامنين مع الفلسطينيين، وأُلقيت الخطابات السياسية المساندة للقضية الفلسطينية، والناقدة للاحتلال، والرافضة كذلك للمجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال في قطاع غزة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.