سيذكر التاريخ العالمي القرنين الـ20 والـ21 باعتبارهما أبرز قرون التقدم التقنية والحروب؛ إذ تُشير الأرقام الرسمية إلى مقتل أكثر من 100 مليون شخص في الحروب التي وقعت منذ عام 1900 وحتى عام 1999، ومنذ عام 2000 وحتى اليوم. ووفقاً للباحثين ستكون أعداد الضحايا الفعلية أكبر، لأن الإحصاءات المتاحة تقتصر على الضحايا المسجلين أثناء الحرب. لكن الآثار المدمِّرة للحرب اليوم تُعد أكثر حدةً مما كانت عليه في الماضي. وقد كانت الحروب في الماضي تشتعل بين جيشين داخل ساحة المعركة بشكلٍ عام، لكن رقعة ساحة المعركة اتسعت اليوم، حيث تحوَّل مفهوم الحرب الجديد إلى ظاهرةٍ تشهد استخدام الأسلحة والصواريخ والقنابل في أماكن إقامة المدنيين، وقتل الناس، بمن فيهم الأطفال، وتشتيت العائلات، وإحراق وتدمير المدن، وتحطيم كل الآمال.
ونتيجةً للحرب سنجد أن أعداد الجرحى أو المصابين بإعاقات تفوق أعداد القتلى بكثير، وعلاوةً على الوفيات تتعرض النساء والأطفال للتحرش الجنسي، والاغتصاب، والصدمات الجسدية والعقلية الحادة. كما أُجبر الملايين على ترك أوطانهم، أو فقدوا حياتهم على طرق الهجرة، أو أُجبروا على العيش كلاجئين في دولٍ أخرى.
وعند فحص الأبعاد الاجتماعية للحرب سنجد أن النساء يمثلن واحدةً من أكثر الفئات تأثراً، وفي هذا السياق، وبفحص الأوضاع المعيشية لنساء غزة تحت القصف الإسرائيلي، سيتضح أنهن يتعرضن لظروف جسدية ونفسية قاسية، وسط بيئة لا يتوافر فيها الطعام والشراب والملجأ سوى بدرجةٍ محدودة للغاية. ويتجلى المثال على ذلك في النساء اللواتي يلدن أطفالهن وسط ظروف الحرب، دون دعم من طبيب، أو توافر الإمدادات الطبية اللازمة بعد الحرب، وليس هناك ماء أو دواء أو طعام كافٍ. كما أنهن لا يمتلكن منزلاً يُتيح لهن الاستعداد لاستقبال أطفالهن بسعادة كبقية الأمهات، وأصبح العديد من الأسر مجبرةً على العيش في الخيام لأن المنازل، والمدارس، وحتى المستشفيات تتعرض للقصف بشكلٍ متكرر. وداخل الخيام تعيش المرأة محرومةً من أدوات النظافة النسائية، ولا يمكنها الوصول إلى أماكن الاستحمام ومنتجات العناية الشخصية وغيرها.
تعيش النساء في حرمان شبه كامل؛ إذ تُعد المرأة من الفئات الهشة جسدياً وعاطفياً بطبيعتها، لكن المرأة في خضمّ حرب غزة تضطر لتولّي عبء المسؤولية نيابةً عن أفراد أسرتها المفقودين، وتتحمل الضغوط النفسية الشديدة، وتتعرض لصعوبات قد تسبب تدهور صحتها، كما قد يؤدي ذلك إلى تعرض المرأة للصدمة النفسية.
ومن المؤكد أن نساء فلسطين يضعن حرية وطنهن قبل حريتهن الشخصية، وتضطر المرأة الفلسطينية لفعل ذلك من أجل وطنها، ولا شك أن تضحيات المرأة الفلسطينية وما تعيشه من نضالات يقدمان درساً لكل امرأة مسلمة، ويكشفان كذلك نفاق الإعلام الغربي، الذي يزعم أنه يدافع عن حقوق الإنسان.
حيث انتقدت الصحفية ميريام إليادا أطلس الغرب، بسبب موقفه من قتل المدنيين في عمليات القصف الإسرائيلية، منذ السابع من أكتوبر. وقد أوضحت وجهة نظر الإعلام عبر التصريح التالي: "تحدثت مجلة The Economist البريطانية عن العدد الكبير من الأطفال القتلى في غزة بقدر كبير من برودة الأعصاب؛ إذ ذكر التقرير أن السبب يتمثل في ارتفاع معدل الخصوبة، وقال إننا لم نكن سنشهد موت الكثير من الأطفال لو لم تُنجب نساء غزة كلَّ هذا العدد، ولا شك أنه خبر ينضح بالعداء العنصري من بدايته وحتى نهايته".
وقد أخذت وكالات الأخبار العالمية "المرموقة" الحجة نفسها ونشرتها، لكن هذه السردية لا تذكر مطلقاً أن إسرائيل سلبت روحاً واحدةً على الأقل من كل منزلٍ في غزة.
ومن الواضح أن نساء غزة لَسن أكثر من عناصر مجهولة داخل تلك الصور النمطية.
وإذا أنجبت امرأة من غزة طفلاً ومات في المستشفى مثلاً، فستقول هذه السردية إن موته حدث بسبب الآلات نتيجة انقطاع الكهرباء. وينطبق الأمر ذاته على طبيبات غزة الجالسات بجوار أسرِّة الأطفال الذين لن تُكتب لهم النجاة، وكذلك صحفيات غزة اللواتي يواصلن بث الأخبار بالإنجليزية بكل هدوء وسط الحطام.
لهذا يبدو أنهم لم يشاهدوا نساء غزة، اللواتي يحاولن مواصلة الحياة وكأن شيئاً لم يحدث.
بينما آمل أنا أن نعيش ذات يومٍ في سلام، وسط عالم لا يعرف الحروب، ولا يموت فيه الأبرياء والنساء والأطفال.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.