تفاقمت الخلافات الداخلية الإسرائيلية في اليوم الأخير، إذ يبدو أنها أصبحت تهدد استمرار مجلس الحرب.
خلال اجتماع المجلس الوزاري الإسرائيلي للشؤون الأمنية والسياسية "الكابينت"، يوم الخميس الماضي، اشتعل الخلاف بين وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش من ناحية، ورئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي من ناحية أخرى، على خلفية تشكيل لجنة تحقيق في الفشل الذي لحق بالاحتلال الإسرائيلي، يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
وحتى نفهم خلفيات ومآلات هذا الخلاف المتفاقم، يجب أن نفهم ذلك التخبط والاضطراب الداخلي في سياقه الواقعي، حيث يوجد صراع من قبل الحرب بين نتنياهو وحلفائه المتطرفين من أقصى اليمين (بن غفير وسموتريتش) من ناحية، وجيش الاحتلال والمؤسسة الأمنية وبيني غانتس زعيم حزب "الوحدة الوطنية" وغادي أيزنكوت الوزير بالمجلس الوزاري للحرب والولايات المتحدة الأمريكية من الناحية الأخرى.
في رأيي، تنبع عقدة تلك المشكلة داخل الاحتلال من حزب الصهيونية الدينية الذي يتزعمه إيتمار بن غفير وسموتريتش، وتتلخص بثلاثة أمور، أولها أن حزب الصهيونية الدينية يريد مواصلة الحرب حتى تهجير جميع الفلسطينيين وعودة المستوطنين إلى غزة، رغم أنه هدف غير قابل للتحقيق، ويتهمون الطرف الآخر بأنه يفرط بأمن الاحتلال الإسرائيلي.
ثانياً، تملك الصهيونية الدينية عقدة المزايدة على باقي الإسرائيليين والتشكيك بولائهم للاحتلال والفكرة الصهيونية، ولا مشكلة لديها بتخوين الصهاينة والإسرائيليين الآخرين، ولا استخدام العنف ضدهم مثلما ما فعلوا في اغتيال رئيس وزراء الاحتلال الأسبق إسحاق رابين، واعتداء عناصر متطرفة منها على جنود الاحتلال في شمال الضفة بمناسبات عدة، بحجة "أن الجنود لا يقمعون الفلسطينيين بما فيه الكفاية".
وما زالت تسقط الصهيونية الدينية هذه العقدة على باقي الإسرائيليين، وتلك المزايدة والتطرف تجعلها عمياء، فنلاحظ كيف أن زعماء ذلك التيار لا يأبهون بأن وقت الحرب اليوم لا يحتمل مثل هذه المزايدات والصراعات الداخلية.
ثالثاً، الصهيونية الدينية بشكل عام ترفض تلبية أية أوامر أمريكية، وتعتقد أن الغرب يتآمر على الاحتلال الإسرائيلي، وأن العلاقات الخاصة مع أمريكا هي عبء على الاحتلال، لذا يرفض سموتريتش حتى الآن طلب الأمريكان تحويل أموال (المقاصة) الضرائب، والتي يقوم الاحتلال بجمعها نيابةً عن السلطة الفلسطينية، للسلطة، رغم أن ذلك يخدم دولة الاحتلال قبل أية جهة أخرى، لكن العمى يجعله يطلق النار على قدميه، فتخيلات وأوهام ذلك التيار الديني المتطرف وأحلامه بفلسطين خالية من جميع الفلسطينيين، وهي التي تدق مسامير في نعش الاحتلال الإسرائيلي بأكمله.
يزداد الخناق على نتنياهو كل يوم أكثر، ونراه رغم الضغوط الأمريكية والداخلية، بسبب فشله في الحرب إلى الآن، فوفقاً لمحلل بصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية: حلفاء نتنياهو اليمينيون المتطرفون سيتعين عليهم الاختيار بين خيبة أمل ناخبيهم أو التصادم مع واشنطن، وستكون هذه أيضاً معضلة نتنياهو. وهنا أرى أن نتنياهو سيتمسك بتحالفه مع كل من تيار الصهيونية الدينية والتيار الديني الحريدي، لأنه سيسقط بدونهما، لذلك هو يستمر في ترك الصهيونية الدينية تُوجهه، ما يفاقم الأزمة الداخلية، ويجعل الجبهة الداخلية للاحتلال أكثر تصدعاً وارتباكاً.
أعتقد أن هذا الخلاف سيتفاقم مع الوقت، وخصوصاً مع استمرار التصعيد الميداني، سواء في فلسطين أو جنوب لبنان أو المنطقة، فكلما شعر الاحتلال بالضغط قلّت إمكانية تفكيره بمنطقية أو هدوء.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.