حافلاً كان الأسبوع الماضي بما تضمّنه من استهدافاتٍ أقل ما يقال فيها إنها "حرب اغتيالاتٍ موسّعة"، تعتمدها الولايات المتحدة وإسرائيل، حرباً رديفةً للحرب العسكرية الميدانية.
كرّت سبحة الاستهدافات بُعيد اغتيال قائد حركة حماس "صالح العاروري" في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله اللبناني، باستهداف إسرائيلي.
بعد العاروري أقدمت إسرائيل على اغتيال مسؤول الحزب في الناقورة جنوبيّ لبنان "حسين يزبك" بقصف للمبنى الذي كان موجوداً فيه.
ثمّ جاء الاستهداف الأمريكي للحشد الشعبيّ العراقي بالعاصمة بغداد، ليقضي على أثره القيادي بالحشد الحليف لإيران "أبو تقى السعيدي".
وقد سبق هذا كله اغتيال القيادي بالحرس الثوري الإيراني "رضي موسوي" في سوريا، والذي كان منسق التحالف العسكري الإيراني مع النظام في دمشق.
هذه السلسلة من الاغتيالات كانت رسائل أمريكية– إسرائيلية واضحة إلى إيران الراعية للتظيمات أعلاه.. فكيف تلقّفت طهران هذه الرسائل؟
حماس تتوعد بالرد وإيران تندد
منذ أكتوبر لا يخفى على مراقب أنّ حركة حماس منشغلة أيّما انشغال في حربها مع إسرائيل بغزة، وهذا الانشغال ربما سهّل على الموساد الإسرائيلي استهداف العاروري، الذي كانت له اليد الطولى في تخطيط طوفان الأقصى وهندسته.
ومع وعيد حماس بالردِّ المناسب على اغتيال العاروري، الذي استهدفه الطيران الإسرائيلي باعتباره "رجل إيران" في الحركة وفق "الإعلام العبري"، نددت إيران عبر مسؤوليها وقادتها باغتياله، تنديداً فارغاً من المعنى العسكري، وهو ما يؤكد التزام طهران بربط النزاع مع إسرائيل هذه الأيام.
وهنا يتأكد أيضاً إحجام إيران عن دعم حماس على الوجه المطلوب منذ الطوفان.
إسرائيل تحيِّد الحزب بعد قصف معقله
لم تترك إسرائيل فرصةً للتكهنات بعد استهداف ضاحية بيروت، وصرحت بأنّها لا تستهدف حزب الله بل تركّز على حماس، لكنّ هذا كما رأى أمين عام الحزب السيد حسن نصر الله كلامٌ يخدع الأطفال.
ومع إدراك حزب الله أنّ الاغتيال هو رسالة مباشرة للأخير، حيث كان مقرراً أن يلتقي العاروري السيد نصر الله في يومٍ يلي يومَ الاغتيال، إلا أنّه اعتبر إسرائيل ضعيفة وقال إنها "لا تجرؤ" على استهداف لبنان.
وقد بدا لافتاً أنَّ الطيران الإسرائيلي قصف مواقع وبنى تحتية للحزب أثناء خطاب نصر الله الأربعاء، ثمّ أتبعه باغتيال رابط الحزب في الناقورة، وهو ما يترجم "جرأة" إسرائيلية، أو تهوراً ينتظر ردّ الحزب في قادم الأيام.
خط النار من بيروت إلى بغداد
لم يمضِ يومٌ على اغتيال العاروري في بيروت، حتى أقدمت مسيّرات أمريكية على مهاجمة مقر للحشد الشعبي وحركة النجباء في العراق، ليؤكد الحشد رحيل القيادي السعيدي، أحد قادة ألوية الحشد بالغارة الصباحية.
وفي ردِّ الحشد الشعبي على الاغتيال، أعلن التنظيم أنّه يضع نفسه بتصرف رئيس الوزراء العراقي "محمد شياع السوداني"، الذي جاء ردُّه غريباً، إذ شكَّل "لجنة" لإخراج القوات الأمريكية من العراق.
الجدير بالذكر أن ردَّ السوداني جاء في حفل تأبين قائد فيلق القدس السابق، قاسم سليماني، والذي قضى بغارة أمريكية مماثلة ببغداد. يومها توعّدت إيران وحلفاء لها بإخراج جنود واشنطن من المنطقة، بشكل أفقي وفي توابيت.
سوريا واستهداف الحرس في المكان المناسب
علمت إسرائيل بعد كمّ الاستهدافات الهائل لمواقع إيرانية في الأراضي السورية، فضلاً عن عدد لا نهائي من المرات التي خرج فيها مطار دمشق عن الخدمة بالقصف الإسرائيلي، أنّ سوريا هي البقعة الأنسب لاستهداف طهران وحرسها الثوري.
وهذه القناعة الإسرائيلية تولّدت من احتفاظ سوريا الرسمية بحقّ الرد على العدوان الإسرائيلي المستمر في الزمان والمكان المناسبين لسنوات، وهو ما عوّلت عليه إسرائيل لاستهداف القيادي الثوري "رضي موسوي"، حيث لم يصدر أي ردّ ذي قيمة من سوريا المستضيفة، ولا من القوات الإيرانية المتموضعة في البلاد.
وقد أوعز البعض هذه الجرأة الإسرائيلية إلى الفيتو العسكريّ الروسي، الذي تلتزمه دمشق حين تكون المواجهة مع إسرائيل.
إيران تتحلى بالصبر وتؤجّل الثأر
في قراءة لكلام المرشد الإيراني، علي خامنئي، الذي نقلته صحيفة "نيويورك تايمز" عن أوامره للقادة العسكريين باتباع "الصبر الاستراتيجي" مع الولايات المتحدة، فإنّه يظهر أنّ المارد الإيراني يلزم مصباح التهدئة هذه المرة، نظراً لحجم الدمار الذي سيلحق بطهران وأخواتها في حال قررت "تدمير" إسرائيل وأمريكا وفق الشعارات.
وما يضاعف هذه الخشية الإيرانية هو الدمار الذي ألحقته الولايات المتحدة بكلّ البلاد التي دخلتها من جهة، ومن جهة أخرى حجم الانهيار الذي ترزح تحت أثقاله شعوب كثيرة حالفت طهران وتحالفت معها، اقتصادياً وعسكرياً.
إن الحرب في هذه اللحظة الإقليمية ليست سهلة، وحساباتها دقيقة، وتستلزم تخطيطاً وتجهيزاً وإعداداً، ونية "صادقة" للمواجهة. كما تدرك إيران أن ثنائي "واشنطن تل أبيب" مستنفر، وأن "الموت لأمريكا وإسرائيل" سيجلب الموت إلى عقر دار إيران.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.