كان الشهيد القائد الشيخ صالح العاروري أحد أكثر الشخصيات الفلسطينية التي تركت فيّ أثراً لا يُنسى، بتاريخه الطويل في التضحيات لأجل القضية الفلسطينية وتحرير المسجد الأقصى المبارك، وقد كان العاروري كذلك من الشخصيات التي أرّقت الاحتلال "الإسرائيلي" على مدى سنوات، داخل فلسطين وخارجها، ظلّت مقاومة الاحتلال غايته، والشهادة أسمى أمانيه، هو هدف على رأس قائمة الاغتيالات، وهو "مهندس وحدة الساحات" و"الرجل الاستراتيجي"، كما وصفه الإعلام "الإسرائيلي"، محملاً إياه مسؤولية تحريك المقاومة في الضفة الغربية وإشعالها.
لم تكن التهديدات التي صدرت قبل أكثر من شهر هي الأولى من قيادات الاحتلال باستهداف قادة "حماس"، خصوصاً القائد صالح العاروري، فهي لا تتوقف منذ سنوات، كان أبرزها قبل الحرب بعدة أسابيع، حينما نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية 26 أغسطس 2023، عن مصادر أمنية "إسرائيلية"، أن نائب رئيس المكتب السياسي للحركة صالح العاروري، والمقيم في لبنان، قد يكون على رأس قائمة "الاغتيالات الإسرائيلية".
وفي اليوم التالي هدّد نتنياهو قادة حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وفي مقدمتهم الشيخ صالح العاروري، بدفع "الثمن كاملاً"، معتبراً أن "إسرائيل" تواجه "موجة من الإرهاب من الداخل والخارج"، وأن "العاروري يعرف جيداً سبب اختبائه هو وأصدقائه".
وفي شهر مايو 2023، نقلت صحيفة "تايمز" البريطانية عن مصادر لم تسمها قولها إن "إسرائيل أبلغت حلفاءها بأنها تستعد لاغتيال قادة حركة حماس في الخارج انتقاماً للهجمات القاتلة على مدنيين "إسرائيليين" في الأشهر الماضية"، في إشارة إلى العمليات الفدائية بالضفة وداخل المدن "الإسرائيلية".
لفتت الصحيفة إلى أنه "تم تحذير حركة حماس من الضربات الوشيكة من قبل أجهزة المخابرات في الشرق الأوسط وأوروبا"، موضحةً أن "إسرائيل أبلغت حلفاءها عزمها إرسال فرق اغتيالات لتصفية قادة "حركة حماس" بالخارج في حال لم تتوقف الهجمات المسلحة".
لا شك أن الحكومة "الإسرائيلية" تعاني أزمة هي الكبرى في تاريخ "إسرائيل"، في محاولة للهروب من الهزائم والإخفاقات المتكررة، باغتيال عدد من قادة حركة "حماس"، لتصدير أزمتها إلى الخارج، تماماً كما حدث مع نتنياهو بولايته الأولى عام 1996، حين نفذت الحركة عمليات "الثأر المقدس"، انتقاماً لاغتيال المهندس الأول القائد يحيى عياش.
حينها قرر الاحتلال اغتيال القائد خالد مشعل زعيم "حركة حماس" وقتها، رغم أنه كان مقيماً في الأردن، الذي كان قد وقع مع الاحتلال حينها اتفاق سلام، وكادت هذه المحاولة الفاشلة أن تتسبب بانهيار علاقاتهما، لولا إنقاذ حياة القائد خالد مشعل في اللحظات الأخيرة بضغط من عمّان.
أبرز عمليات الاغتيال
من أبرز عمليات الاغتيال سابقاً تلك التي استهدفت القيادي في "حماس" محمود المبحوح في دبي (يناير 2010)، ومحمد الزواري المهندس التونسي وأحد قيادات "كتائب القسام"، الذي اغتيل في تونس (ديسمبر 2016)، والعالم الفلسطيني فادي البطش وأحد أعضاء "حماس" حين اغتيل في ماليزيا (أبريل 2018)، ومحاولات اغتيال أخرى فاشلة، وكان جميعهم من القادة والكوادر العسكريين للحركة.
الشيخ العاروري مهندس عملية "طوفان الأقصى" في سطور
هو قائد أركان المقاومة في الضفة وغزة ومهندس عملية "طـوفان الأقصى"، كما نعته "حركة حمـاس"، الشهــيد الشيخ صالح العاروري هو قيادي سياسي وعسكري فلسطيني، تولى منصب نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المـ.ـقاومة الإسلامية "حمـاس"، وساهم في تأسيس جناحها العسكري، كتائــب الشهــ.ـيد عز الدين القسّام، في الضفة الغربية.
وُلد الشيخ العاروري باسم صالح محمد سليمان خصيب، عام 1966، وهو من قرية عارورة، قرب رام الله، وسُمي العاروري نسبةً لقريته.
درس الشيخ صالح العاروري الشريعة الإسلامية، وحصل على درجة البكالوريوس من جامعة الخليل. عام 1987، انضم إلى حركة حمـاس، وصار عضواً في مكتبها السياسي منذ عام 2010.
بين عامي 1991 و1992، اعتقل جيش الاحتلال الإسرائيلي الشيخ العاروري إدارياً لفترات محدودة، وذلك على خلفية نشاطه بحركة "حمـاس"، تزامناً مع بدئه تأسيس النواة الأولى لجهازها العسكري في الضفة.
وبعد التحرر من الاعتقال الإداري، أعاد جيش الاحتلال اعتقال العاروري في عام 1992، وحُكم عليه بالسجن 15 عاماً، بتهمة تشكيل الخلايا الأولى لكتائــب القسّام بالضفة.
بعد سنوات، وتحديداً في عام 2007 وبعد 3 أشهر من تحرره، أعادت سلطات الاحتلال اعتقاله حتى عام 2010، حيث قررت المحكمة العليا الإسرائيلية إخراجه من السجن لتبعده إلى خارج فلسطين، فعاش الفترة التي سبقت اسـتشهــاده في لبنان.
وكان الشيخ صالح العاروري أحد أعضاء الفريق المفاوض من "حركة حمـاس" لإتمام صفقة تبادل الأسرى عام 2011 مع الاحتلال، بوساطة مصرية، والتي أطلقت عليها الحركة اسم "وفاء الأحرار".
وبموجب الصفقة، تم الإفراج عن جلعاد شاليط، وهو جندي إسرائيلي كان أسيراً لدى "حركة حمـاس"، مقابل الإفراج عن 1027 أسيراً فلسطينياً من السجون الإسرائيلية.
في الـ9 من تشرين الأول/أكتوبر عام 2017، انتخب الشيخ العاروري نائباً لرئيس المكتب السياسي لحركة حمـ..ـاس. وبعد عام واحد، أدرجته الولايات المتحدة الأمريكية على قائمة الإرهــ.ـاب، وتولى عام 2021 رئاسة حركة حماس في الضفة الغربية.
هدم الاحتلال منزل القائد الكبير في حمــاس في عارورة عام 2014، وهدمه مرةً أخرى في تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي، بعيد ملحمة "طـوفان الأقصى" التي كان مهندساً لها.
وتوعّد رئيس حكومة الاحتلال، نتنياهو، باغتيال الشيخ صالح العاروري، وردّ الأخير حينها بأن التهديدات "لن تغيّر مساره قيد أنملة".
أبرز أقوال الشيخ الشهيد صالح العاروري
– إن قادة المـقاومة "جزء من الشعب الفلسطيني، ولا يتباينون عن كل أبناء الشعب"، مُذكراً بأن كل فصائل المـقاومة الفلسطينية قدّمت قادة شــهداء مِن كل المستويات، ومؤكداً أن هذا "لا يُعَدّ غريباً" على "حركة حمـاس" ومختلف حركات المـقاومة.
– "دماؤنا وأرواحنا ليست أغلى ولا أعز من أي شهــيد"، التحق بعد أشهر من كلامه هذا بشــهداء المـقاومة، بعد استهدافه مع اثنين من قادة كتائب القسام و4 من عناصر الحركة في الضاحية الجنوبية لبيروت.
يا ترى هل تكفي الكلمات للحديث عن الشيخ الشهيد صالح العاروري ورفاقه، وعن وصفهم؟
وهل تكفي السطور لشرح تفاصيل التحدي والبطولة، أم أنهم أعظم وأكبر من أن يتحدث أو يصفهم أُناسٌ مِثلُنا؟ إنهم لا يختلفون عنا في شيء سوى أنهم يمضون في الحياة الدنيا باحثين عن حياة العزة والكرامة، وباستشهادهم ينالون "رضا المولى عزّ وجل".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.