بعد دخول الحرب الضارية شهرها الثالث وأفعالها الحربية الضروس، نتابع كيف تأزمت أحوال سكان غزة وتفاقمت معاناتهم، فلقد بات سكان غزة منهكين إلى أقصى درجات الإنهاك الجسدي، فالجسد الغزاوي بشكل خاص أو الفلسطيني بشكل عام يعاني من الانهيار الشديد، بسبب تأزّم الأوضاع من حوله بين الوديان الوعرة للقصف الإسرائيلي المتواصل ليلاً ونهاراً وبين قسوة المداهمات الأرضية للجيش الإسرائيلي للأحياء السكنية وما تسببه من رعب شديد ومخاوف بين السكان المدنيين، وخاصةً النساء والأطفال والمراهقين فيما تخلفه لديهم من رهاب وفوبيا.
علاوة على تأثير البرد القارس في هذه الأيام على الأجساد التي لا يوجد لديها ما تستر به حالها من البرودة، والتي أخذ منها الأسى والتعب وفقدان الأمل من حل لهذه المعضلة، التي أفرزها تصميم وعزم إسرائيل بالقضاء على حركة حماس، لذلك فهي تقصف قطاع غزة بشكل متواصل، وتشنّ هجوماً برياً عليه منذ 27 أكتوبر/تشرين الأول، دون أن تصل إلى أهدافها المعلنة وغيرها لصلابة المقاومة الفلسطينية وعنادها الشرس.
هذه الأوضاع الكارثية حذَّرت وزارة الصحة في غزة في بيانٍ منها، ومن مخاطر المجاعة والجفاف الذي يصيب 1,9 مليون نازح ومشرد يفتقدون للمأوى المناسب والماء والطعام والدواء والأمان.
علاوة على الصفة الكالحة للحالة النفسية المضطربة للغزاويين، والمتأتية من كآبة الأوضاع المتردية، أو من الوضع النفسي المنهار من الشعور باليأس، والإحباط المتكالب عليهم من كل حدب وصوب بالمجهول من أضرار وكوارث الحرب، المستمرة منذ 7 أكتوبر من العام الماضي، وكذلك من القنوط المفرط من غياب أي أفق لحل سلمي يفضي إلى إيقاف إطلاق النار، يزود الناس بالأمان، رغم أهاويل ما فقدوا ومآسي ما أضاعوا.
وخلاصة القول كيف يكون حال سكان غزة الجسدي والنفسي مع استمرار فقدان الأحبة والأهل والأصدقاء والمعارف والأقارب، ومع فقدان الأمان والأمن؟ ثم نكرر السؤال لنقول: كيف يكون الوضع الجسدي والحالة النفسية لمن يعيش بشكل متواصل تحت ظل مسببات المخاوف والرعب والهلع، فلقد بات النازحون والمهجرون أكثر من مليون، وأصبح الدمار والخراب في كل مكان، وفي كل زاوية في قطاع غزة، والاشتباكات الضارية والعنيفة مستمرة في غزة والضفة الغربية والقدس الشريف بين فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة والجيش الإسرائيلي، ورئيس وزراء إسرائيل نتنياهو يهدد أهل القطاع بحرب طويلة الأمد.
كان الله في عونكم يا أهل فلسطين حتى يفرِّج عنكم هذه الغُمَّة، بعد أن تخلّى عنكم الأخ قبل الصديق، الأخ الذي فتح طرقاً برية لنقل البضائع إلى إسرائيل، بعد أن أثَّرت هجمات الحوثيين الصاروخية وضربات سلاح الجو الحوثي المسيّر على السفن التجارية في البحر الأحمر ومنعتها من الوصول إلى الموانئ الإسرائيلية.
ولكن هذا لم يفتّ في عضد المقاومة الفلسطينية في مقاومة الباطل، ولم يوهن عزيمتها على انتزاع حقوقها المسلوبة، من عدوها الديني والتاريخي والجغرافي، ولم يؤثر في مثابرتها الدائمة حتى الوصول إلى النصر المؤزّر إن شاء الله.
أقولها بأعلى صوتي، إن الحالة الجسدية والنفسية للفلسطينيين بشكل عام رغم هذه الأهاويل عالية جداً، تُناطح قذفات الجبال الشم، وتفتت الصخورالصمَّ الصلاب، وفوق التحديات مهما بلغ عتوُّها وجبروتها.
إنهم شعب تعوّد على التضحيات، وألِف التصدي للصدمات وامتصاص زخمها والخروج منها بانتصار مؤزر، يُبهر الصديق، ويُحزن العدو، ويقضُّ أحلام العرب الصهاينة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.