هل يعزّز الذكاء الاصطناعي قدرات الإنسان أم يؤدي إلى تراجع الذكاء الطبيعي؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/01/03 الساعة 10:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/01/03 الساعة 10:41 بتوقيت غرينتش
الذكاء الاصطناعي/ صورة تعبيرية

مع كل تطور تقني جديد، تكثر المناقشات حول ماهية هذا التطور ومدى نفعه أو ضرره على البشر. ومنذ ظهور الذكاء الاصطناعي، وخاصة مع تدشين ChatGP وإخوته الذين ظهروا تباعاً في منافسة محمومة لتقاسم جزء من الكعكة، تنقسم آراء كثير من الناس حول تأثير هذه الأدوات أو الروبوتات على البشر، فمنهم من يرى فيها فوائد شتى للبشر، في حين يرى آخرون أن ضررها أكبر بكثير من نفعها. فما فوائد وأضرار هذه الأدوات؟ 

الفوائد 

يرى كثيرون أن الذكاء الاصطناعي -كما يتمثل في الروبوتات من عينة ChatGPT- تطور طبيعي في مجال التقنية، وأنه لا يختلف عن التطور الذي شهده العالم عبر تاريخه، فلمَ الدهشة؟

أما فوائد الذكاء الاصطناعي فهي متعددة؛ إذ يساعدنا على إنجاز مهام كبيرة في وقت قصير للغاية، وخاصة تلك المهام النمطية المتكررة التي تستهلك الوقت؛ وبالتالي، يمكننا الذكاء الاصطناعي من التركيز على المهام التي تحتاج وقتاً كبيراً للإبداع فيها.

فعلى سبيل المثال، يقضي المدرسون جزءاً كبيراً من أوقاتهم في تحضير الدروس والبحث عن مصادر تعليمية وتصميم تدريبات، على حساب الوقت الذي يتبقى لهم للتفكير في الحلول المُثلى للتعامل مع طلابهم أو تطوير مهاراتهم أو التعمق فيما يدرسون بمتابعة الجديد في مجالاتهم. وهنا، يمكن للمدرسين أن يعهدوا لروبوتات الذكاء الاصطناعي بتحضير الدروس وإعطاء أمثلة وتقسيم بنود الدروس على وقت الحصص أو المحاضرات، واقتراح مصادر تعليمية مناسبة ومتنوعة وتصميم تدريبات متنوعة ومتدرجة تشمل كل بنود الدروس، وكل هذه مهام نمطية إلى حد كبير. بهذه الطريقة، يمكن للمدرسين أن يستغلوا أوقاتهم في عمليات عقلية واجتماعية وعاطفية لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقوم بها. والأمثلة المشابهة لهذا المثال متعددة في كل التخصصات.

الأضرار

على عكس النظرة الإيجابية للذكاء الاصطناعي أعلاه، يرى كثيرون كذلك أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في المهام النمطية أولى الخطوات في الانخفاض التدريجي لمستوى الذكاء الطبيعي؛ لأن هذه المهام النمطية هي البوابة التي يُطَوِّر من خلالها البشر مستوى ذكائهم ومهاراتهم. فالمدرس الذي يجد صعوبة كبيرة في تصميم تدريبات تناسب مستوى دروسه وطلابه يتعلم تدريجياً -على الأقل من خلال المحاولة والخطأ- الكيفية المثلى لتصميم تدريبات تناسب مستوى طلابه الذين يعرفهم على مستوى شخصي، ويعرف الفروق الفردية بينهم، مقارنةً بروبوتات الذكاء الاصطناعي التي تنتج نماذج عامة لا تراعي الفروق الفردية ولا المستويات الاجتماعية ولا البيئات المدرسية المختلفة. وما يُقال عن وظيفة المدرسين يمكن أن يُقال كذلك على وظائف أخرى قد يُحرَم من يعملون بها من تنمية ذكائهم ومهاراتهم لأنها ستبقى معطلة إلى حد كبير جرَّاء الاعتماد على روبوتات الذكاء الاصطناعي. 

ويرى آخرون كذلك أن المهام النمطية التي قد تقوم بها روبوتات الذكاء الاصطناعي تقلص فرص التوظيف في كثير من القطاعات الاقتصادية؛ ما قد يسبب أزمات اقتصادية خاصة بين الطبقات الاجتماعية التي تعتمد وظائفها على أداء هذه المهام النمطية. وقد بدأ هذا بالفعل في كثير من القطاعات، وخاصة الوظائف التي ارتبطت بالبرمجة وتحرير الصور وكتابة المحتوى والترجمة، ويُتوقَع أن تتوسع دائرة هذه الوظائف يوماً بعد يوم، ما قد يقضي على مصادر دخل كانت "سنداً" لهذه الطبقات الاجتماعية. 

ما الحل؟

أعتقد أن الذكاء الاصطناعي وُجِدَ ليبقى، وسيكون لزاماً على البشر التعامل معه، شاؤوا أم أبوا، وسيكون مثل الوحش الذي سيأكلنا يوماً بعد يوم إن لم نُرَوِّضْه. أما كيفية "ترويض الوحش" فهذه مهمة صعبة ومسؤولية ملقاة على عاتق الأفراد والحكومات والشركات. 

وباختصار قد يبدو مُخِّلاً هنا: على الأفراد أن يتعلموا كيف يتعاملون مع روبوتات الذكاء الاصطناعي بمهارة تُمَكِّنُهم من السيطرة عليه لا الاعتماد المفرط عليه في كل شيء، ويمكن فعل ذلك بدراسة طرق عمل الذكاء الاصطناعي وتنمية مهاراتهم في التفكير الناقد لمنتجاته، من خلال الدراسة الممنهجة، أو على الأقل متابعة مستحدثاته ووضعها على قائمة الأخبار المهمة التي يجب متابعتها يومياً.

وعلى الحكومات أن تتعاون مع الشركات المُطَوِّرة للذكاء الاصطناعي في وضع إطار أخلاقي يضمن عدم وصول المعلومات التي قد تؤدي لانهيار المجتمعات عبر الروبوتات، وفي دعم برامج إلكترونية ترفع من كفاءة الأفراد ليستطيعوا تطوير قدراتهم في الحصول على الوظائف الجديدة التي ستنشأ نتيجة الذكاء الاصطناعي. 

بهذه الطريقة، يمكن القول إن المجتمعات ستستطيع أن تتقبل صدمة الذكاء الاصطناعي مثلما حدث في الماضي إبان الثورة الصناعية. فهل نرى ذلك قريباً؟

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سعودي صادق
كاتب ومترجم مصري
كاتب ومترجم مصري
تحميل المزيد