غزة حيث تنعكس حقيقة العالم

تم النشر: 2024/01/01 الساعة 14:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/01/01 الساعة 14:38 بتوقيت غرينتش
الاحتلال الإسرائيلي يشن حروباً ضارية على القطاع - shutterstock

لعل يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام المنصرم، أصبح حدثا فارقاً فى كل العالم، نظراً لتأثيراته الحالية والمستقبلية على جوانب عدة في الحياة، نظراً لكون هذا يوماً كاشفاً على جميع المستويات، فأصبح واضحاً من هو الحر ومن هو الخانع سواء للاحتلال المادي أو الفكري.

 فرغم أن أغلب الشعوب حول العالم تقف مع فلسطين، أبت الأنظمة الغربية التي كان تدعي الحرية والسيادة واحترام الآخر أن تدين الاحتلال، وانكشف العالم أمام ذاته، وفتح البشر أعينهم على واقع مُخيب للآمال، فرأينا كيف تدعم الولايات المتحدة الأمريكية بكل فجاجة وعلانية عدوان الاحتلال الإسرائيلي، دون أدنى خجل أو احترام حتى لشعاراتها الكاذبة أو تحالفاتها مع الأنظمة العربية أو الإسلامية. 

هذا بالإضافة إلى الدعم المادي والمعنوي للاحتلال من قبل أغلب الدول الأوروبية، قارة الأنوار والحريات التي تحتكر مبادئ حقوق الإنسان والحرية فقط لنفسها ولأبناء جلدتها، فرأى العالم التصريحات والمواقف والسياسات الملطخة بازدواجية المعايير، فبينما تدعم الدول الأوروبية أوكرانيا في حربها ضد روسيا انطلاقاً من مبدأ دعم الحرية ورفض البلطجة الروسية، تدعم إسرائيل بشتى الطرق لتستمر في بلطجتها ووحشيتها ضد الفلسطينيين.      

 وكأن أغلب حكومات أوروبا لا تؤمن بأن أي حد يستحق الحرية خارج قارتها، وللمفارقة نجد الرئيس الأوكراني الذي يستعطف العالم في كل موقف من أجل حربه ضد روسيا، يعلن دعمه للاحتلال الإسرائيلي.

كشف "طوفان الأقصى" أيضاً أن الأنظمة العربية والإسلامية شديدة الضعف والهشاشة، وتأثيرها صوتي فقط؛ إذ تتخاذل إلى اليوم عن اتخاذ أي موقف حاسم، رغم امتلاكها مفاتيح ضغط كبيرة ومؤثرة يمكنها أن تستخدمها كسلاح لوقف الحرب؛ حيث تمتلك مصادر الطاقة كالنفط والغاز والثروات المعدنية، لكن يبدو أن الاستثمارات و تراكم المال والمصالح أهم من دماء أطفال غزة. 

إن ما يحدث في غزة ليس حرباً عادية، بل هي حرب أحدثت فعلاً تحولاً هاماً في العالم، حرب كشفت عن تناقضات وتضاربت واضحة في السلوك الغربي، في حين أظهرت الحرب طوفاناً من التخاذل عند الدول الإسلامية والعربية، إلا أنه في الوقت نفسه، أشعل شرارة الأمل في قلوب الكثيرين الذين أصروا على رؤية قيمة الإنسان الحقيقية. فقد رأينا كيف قدمت المقاومة في غزة تضحيات جسيمة من أجل شعبها، وكيف عملوا بجد وإصرار منذ أعوام من أجل تحقيق حريتهم واستقلالهم.

كشفت هذه الحرب أيضاً كثرة أصوات الحرية في العالم؛ حيث رأى الجميع مواقف أصحاب الضمائر الحرة في مختلف مدن العالم، حيث عبر الكثيرون عن دعمهم وتضامنهم بقوة مع فلسطين، حتى ولو كان ذلك سيكلفهم العقاب من حكوماتهم أو أماكن عملهم الداعمة للاحتلال الإسرائيلي. يظهر ذلك كيف يمكن للأحداث الكبرى أن تبرز مواقف الأفراد الراسخة في التضامن مع القضايا الإنسانية.

يمكن القول إن طوفان الأقصى كان كشافاً للحقائق الصعبة والجميلة في هذا العالم، حيث كشف عن الذين لا يهتمون سوى بالمصالح الشخصية وكذلك عن الذين يؤمنون بأهمية الحرية وحقوق الضعفاء.

في الختام، يظل من الصعب أن تعبر الكلمات عن قدر الاحترام والتقدير لأهل غزة على صمودهم الأسطوري والدروس التي يقدمونها للعالم يومياً؛ لذلك يجب أن ندعمهم بكل ما استطعنا من وسائل وندعو الله بكل صدق لنصرتهم.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد أحمد عبدالقوي
مهندس مصري حاصل على الدكتوراه في الهندسة الكيميائية
مهندس مصري - استشاري التعدين والفلزات في سلطنة عمان وعضو المعهد الأسترالي للتعدين والفلزات وحاصل على شهادة الدكتوراه فى الهندسة الكيميائية والبكالوريوس والماجستير فى هندسة المناجم والفلزات ولى أبحاث منشورة فى نفس المجال وأيضاً مقالات سياسية