حرب غزة والسياسة الدولية لتوسيع دائرة الصراع

تم النشر: 2023/12/29 الساعة 11:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/12/29 الساعة 11:19 بتوقيت غرينتش
دمار هائل خلفه الاحتلال بسبب القصف العنيف على قطاع غزة/ الأناضول

المقابر المحيطة بمستشفى اليمن السعيد بغزة هي نتيجة من نتائج سياسة نتنياهو المتطرفة. وتجويع ملايين الفلسطينيين جزء من الخطة العسكرية للقضاء على حياة الأبرياء داخل القطاع. فلم تعد هناك منشآت صحية تعمل بنظام متكامل، وانتهت حياة الغزيين بعد استهدافهم وقصف المستشفيات وتدمير المنازل وتفجير المساجد، وبهذا تم القضاء على حياتهم والدفع بهم نحو التهجير الطوعي الذي يعمل على إنجازه في هذه الساعة نتنياهو، وبعدما قضى على حياتهم يعمل على إرسالهم إلى الدول العربية المجاورة. التهجير القسري عملياً انتهى في غزة، والآن حان وقت تنفيذ اللجوء من غزة بأسلوب دبلوماسي.

والسياسة الدولية مطابقة لسياسة نتنياهو، فالإدارة الأمريكية ترغب في نجاح نتنياهو في هذه الحرب لضمان تحقيق الأهداف. ولعل القضاء على حركة حماس يضمن تحرير الأسرى الإسرائيليين من قبضة كتائب القسام، وهذا الهدف تبني عليه الإدارة الأمريكية حلماً انتخابياً كبيراً يتوافق مع النزعة الصهيونية لبايدن، الذي سيقف يوماً ما ويعلن عن نجاحه في تحرير الأسرى. ذلك هو الحلم الانتخابي الذي تتمناه الإدارة الأمريكية، بيد أن الواقع يدفع ببايدن ونتنياهو لإتمام الصفقة بطرق دبلوماسية.

الأمم المتحدة وملحقاتها تعمل وفقاً لسياسة القتل والتجويع، الذي يمارسه نتنياهو بغزة. وداخل مجلس الأمن يهيمن الفيتو الأمريكي بهدف إفشال القرارات التي من شأنها الدعوة لإيقاف الحرب في غزة؛ وقبل تحقيق الأهداف المعلنة لنتنياهو لن يتخذ ذلك المجلس أي خطوة حاسمة لإنهاء الحرب، والقرارات الفاشلة لإنهاء الحرب تؤكد هذا الأمر، وتصف كذلك السياسة الخاصة بالإدارة الأمريكية لمساندة نتنياهو في مواصلة مجازره داخل قطاع غزة، ويبتعد مجلس الأمن عن إنهاء الحرب.

اتحد العالم على إبادة غزة، ذلك العالم الإمبريالي الذي لم يتخلص من التراث الاستعماري، وما زال يعيد سياسة الاحتلال والاستيطان بأدوات حديثة وبمؤسسات دولية تعمل وفقاً للسياسة الإمبريالية الغربية، وتخدم المصالح البرجوازية، وتعيد إنتاج القيم الإمبريالية، وتكرس مفهوم الهيمنة والتوسع بأبشع وسيلة ممكنة. ويتجاوز ذلك العالم كل مشاريع التقدم والحضارة ومنجزات الحداثة وتتواطأ دول ذلك العالم الغربي مع حكومة يمينية متطرفة تمارس أبشع الجرائم، وتبني مستوطنات ونظام فصل عنصري مستبد، وبالرغم من ذلك كله تتواطأ الدول الغربية مع هذه الحكومة التي تجتهد في وصايات مكيافيلي والنازية.

والآن يتوسع الصراع الذي كانت تخشاه الإدارة الأمريكية ليشتعل البحر الأحمر بعد إعلان الجماعات اليمينة المسلحة استهداف السفن الإسرائيلية وغيرها المتوجهة إلى إيلات. وبعد هذا الإعلان اضطربت الملاحة في البحر الأحمر وشعرت الشركات البرجوازية الغربية المتواطئة مع الإدارة الأمريكية المتوحشة والحكومة الإسرائيلية المتطرفة بحجم الخسائر الاقتصادية؛ نتيجة توقف الشركات العالمية الكبرى عن العبور من البحر الأحمر جراء الاستهداف؛ هنا اتحدت الدول البرجوازية وأحيت النزعة الإمبريالية الاحتلالية من ماضويتها المظلمة، وأنشأت ذلك التحالف الذي يضمن استمرار مصالحهم على دماء الأبرياء في قطاع غزة وعلى أرواح الشهداء والأطفال. لا تهم المجازر بغزة، ولكن يهمهم الاقتصاد.

ويمتد الصراع نحو الجبهة الشمالية، فيضاعف نتنياهو جبهات هذه الحرب التي تنقلب ضده. وأصل النزاع قائم على التناقضات الجيوسياسية. جميع الأطراف ترغب في تحقيق الهيمنة والتوسع قدر الإمكان خارج حدود الدولة واكتساب مناطق جديدة وممرات بحرية تعزز من نفوذها، والرادع الوحيد لهذه التناقضات الجيوسياسية القوة والتمسك والدفاع عن الأرض ومواجهة هذه القوى الاحتلالية الراغبة في التوسع خارج حدودها بأي ثمن كان، وهذا ما دفع الإدارة الأمريكية بمحالفة اليمين المتطرف الإسرائيلي بقيادة نتنياهو وتسهيل عمليات القتل والإبادة الجماعية ضمن سياسة دولية ومن داخل المؤسسات الدولية وضمان حثه واستمراره إلى تحقيق الأهداف المعلنة كتحرير الأسرى والقضاء على حماس.

العولمة أخرجت المجتمع العالمي والحركات العالمية ومنطق ما بعد الحداثة يفكك السرديات الإمبريالية المتعلقة بمفهوم الدولة القومية؛ لذا أصبحت الديمقراطية هي القيمة الوحيدة الثابتة لهذه المجتمعات المتقاربة بفضل التقدم التكنولوجي، فلم يعد ممكناً إبادة الفلسطينيين في عصر منصات التواصل الاجتماعي دون اندلاع مظاهرات في العواصم الغربية تنديداً لهذه المجازر والاعتداءات غير الإنسانية وبهذا، فإن النزعة الأخلاقية للإنسان الغربي عموماً تمنعه من السماح بإبادة الإنسان.

وبينما تسعى الإدارة الأمريكية لتحقيق دعمها للاحتلال تتصدر السياسات الدولية المسرح العالمي. وبهذا يتوسع الصراع وينتقل لأماكن جديدة وتبرز جهات فاعلة تعارض هذه السياسة تارة يكون البحر الأحمر من ضمن ساحات الصراع المائي كما يتوسع الصراع حتى يتفاقم في الجبهة الشمالية ونتيجة للتناقضات وضيق الأفق السياسي في حكومة نتنياهو تندلع المواجهات في الضفة الغربية ويمارس نتنياهو الإبادة الجماعية على نطاق واسع وتشتعل المنطقة كفعل نهائي لهذه السياسة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

إدة جعفر مولاي الزين
كاتب وصحفي موريتاني
تحميل المزيد