عن فلسطين التي لنا

عربي بوست
تم النشر: 2023/12/26 الساعة 11:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/12/26 الساعة 11:26 بتوقيت غرينتش
متظاهرون من أجل فلسطين يتجمعون في لندن للمطالبة بوقف العدوان على غزة - shutterstock

فلسطين لنا نحن، نتمسك بها بقدر حبنا لها، وبقدر تشبثنا بذواتنا، أما المحتل فلا علاقة له بأرضنا، لذا فمن الأسهل عليه أن يهرب بعيداً، أما نحن فليس لنا غيرها. 

الحقيقة أن الهروب الجماعي لمستوطني الاحتلال متحقق لأبعد مستوى، فوفقاً لصحيفة عبرية هرب نحو 370 ألف إسرائيلي من البلاد منذ بداية الحرب مع المقاومة، ويُضاف هذا العدد إلى 470 ألف إسرائيلي كانوا خارج البلاد في أثناء اندلاع الحرب، ولم يعودوا إلى الآن. وليست مبالغة إن قلت إنه لولا التضييق على البعض لتركوها للجيش وقادته وهربوا. 

ذلك الفرار ليس ظاهرةً جديدةً على إسرائيل، بل هي سمة ملازمة لدولة الاحتلال، وهو ما يؤكده تقرير لصحيفة هآرتس، نشر عام 2012، إذ يكشف أن نحو 40% من الإسرائيليين يفكرون في مغادرة البلاد.

ما يحدث في حرب غزة اليوم لَهو أمر يحكي الكثير عن أصحاب الأرض، ففي حين يضغط الاحتلال بالقوة لإفراغ غزة من سكانها وطردهم إلى صحراء سيناء المصرية أو الأردن أو أي مكان خارج حدود فلسطين، يقاوم الغزاوي ويتمسك بالأرض، بل يصمد صموداً يتخطى هشاشتنا البشرية رافضاً تركها، أما المحتل فسببه المعلن التخلص من المقاومة كحركة وفكرة، لكن تأبى الأرض ألا أن تقف مع أصحابها، حتى ولو خذلهم العالم، ولهو أمر عجيب ما يحدث على أرض الواقع في تلك البقعة الجغرافية المحاصرة بشدة.

ولعل ما يحدث من صمود وتلاحم بين الأرض وأصحابها في غزة ينبئ بانفجار كبير بين مسؤولي الاحتلال الإسرائيلي، إذ إن قوة الغيض والحنق والبغض على المقاومة هي التي تظهرهم متماسكين، فيستعرضون للعالم ما ليس في كواليس الحكم من ارتباك ونزاع أعضاء الكنيست الإسرائيلي، بالنظر إلى داخل الاحتلال نرى مستوطنيه في غاية اليأس من قادتهم، وتتراجع ثقتهم بهم وبجيشهم المقدس الذي يعود جنود من غزة في صناديق خشبية أو في ناقلات مصابين وعَجَزة. 

هذا بالإضافة إلى تراجع صورة الاحتلال ككل، بعد فشل قادته في تسويق الكذب وخداع العالم، فمن يرى بعين صحيحة يجد الحقيقة من خلال تعامل مقاتلي المقاومة، وخطابات أبي عبيدة التي لا تخدع حتى مستوطني العدو كما يخدعهم قادتهم ومتحدثوهم. وهذا ليس مبالغةً، فقد تغير الرأي العام رغم حملات التضييق؛ إذ تبطش الحقيقة بالقيود المادية، ونرى شعوب العالم اليوم مع فلسطين والفلسطينيين، بل تخطَّى الأمر ذلك، إذ نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، هذا الشهر، تقريراً سلطت فيه الضوء على إقبال الأمريكيين على اعتناق الإسلام، بعد معركة "طوفان الأقصى"؛ إذ قالت الصحيفة إن الشباب في أمريكا يبحثون عن مغزىً للحياة، ووجدوا ضالتهم في اعتناق الإسلام.

وأضافت الصحيفة، نقلاً عن علماء متخصصين في دراسة الإسلام، أن عملية "طوفان الأقصى" التي شنَّتها المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، والتي كانت تمثل "في ظاهرها" ضربةً قويةً للمسلمين في الولايات المتحدة، كانت فعلياً "حافزاً" لجعل الأمريكيين فضوليين ومهتمين بفهم الإسلام.

بينما داخل إسرائيل وأثناء قيام قادتها بسحب بعض القوة الإسرائيلية من غزة، تعالت الأصوات في الشارع الإسرائيلي بإسقاط حكومة نتنياهو، وهو مطلب قديم، لكنه يستمر ويرتفع صداه كل يوم مع ارتفاع الخسائر في رمال غزة، فنجد إسرائيل تريد التفاوض من أجل هدنة جديدة، ما يوضح موقفها المأزوم، رغم ذلك أعتقد أن المسألة لا تخلو من مكر وخبث شديدين، تزامُن الانسحاب مع التفاوض يجعل الأمر مريباً، ذلك أن المحتل مغبون كثيراً بحماية جيشه من نفسه، حيث أصاب بعضَ جنود الاحتلال اكتئابٌ شديدٌ، وظروف نفسية وصلت إلى الصراخ والبكاء، وربما بسبب ما يرونه من مقاتلي المقاومة من شجاعة وصمود.

بينما يقف المقاومون الفلسطينيون في غزة على أرضهم، أمام مرتزقة العالم الذين تستعين بهم إسرائيل، من الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا وأوكرانيا، والعشرات من دول العالم، بدلاً من مستوطنيها الهاربين أو الخائفين، لاحتلال أرضٍ ليست لها.

 إن ما يحدث في غزة يحكي ويصوِّر الكثيرَ عن فلسطين وعنَّا، فنحن عندما نقف مع فلسطين لا نقف معها لأجلها فقط، بل لذواتنا أيضاً، إذ ترفع غزة اليوم عنَّا كل الاتهامات الباطلة التي طالت عالمنا، ووصمته كذباً بالإرهاب والجهل. 

لذلك يجب أن نقف اليوم مع غزة بكل قوة وعزة تليق بها،  فعندما يصِم إعلامهم مقاومينا بالإرهابيين يجب ألَّا نترددَ بمسح هذه الاتهامات من قواميسنا لمقاتلي الحرية في غزة، فالكلمة تفعل ما لا يفعله السلاح المادي أحياناً. كما علينا اليقظة لما نستقبله من مصطلحات عن ذواتنا وأرضنا، فالحرب ليست فقط بالميدان، بل هي حرب عقول وهويه تبدأ من الكلمات وتنتهي بالباروده. 

حزم آلافُ الإسرائيلين حقائبَ سفرهم للهرب من فلسطين دون رجعة، إذ يبدو أن الأرض تعرف أن أصحابها قادمون من غزة، بكل إصرار وعزيمة على المضي قدماً نحو القدس، واستعادة فلسطين المحتلة كلها يوماً ما. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سليمان المجيني
كاتب عُماني
كاتب عُماني
تحميل المزيد