ليست رفاهية أو بعض أدوات التجميل.. الفوط الصحية كابوس إضافي يلاحق نساء غزة

عربي بوست
تم النشر: 2023/12/26 الساعة 13:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/12/26 الساعة 13:39 بتوقيت غرينتش
معاناة نساء غزة بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر على القطاع/ shutterstock

في الحرب لا تقتصر المعاناة على الموت والدمار والنزوح ونقص الطعام والدواء فقط، في خضم الموت ربما لا ينظر أحد للباقي من الأحياء. واليوم في غزة، تتنوع أشكال المرارة والمعاناة، وأحد أشكالها تلك المعاناة التي ربما وجدت بعض النساء في المجتمعات المحافظة حرجاً في التعبير عنها، وهي حاجة الفتيات والنساء إلى الفوط الصحية التي قد لا تأخذ حيزاً أو أولويةً ضمن المساعدات الإنسانية الشحيحة التي تصل إلى غزة المحاصرة من الجميع.

بالطبع هناك نقصٌ حاد في المستلزمات الطبية بشكل عام، لكن حاجة النساء للفوط الصحية جزء لا يُمكن تجاهله من هذه المستلزمات الضرورية، إذ تُعد الفوط الصحية النسائية احتياجاً أساسياً للنساء، لدرجة أن الحصول عليها بات مجانياً في أماكن في أوروبا، لكن بالنسبة لفتيات وسيدات غزة أصبحت هذه الفوط شديدة الرفاهية ككل شيء أساسي يلزم للحياة.

فالنساء في غزة لا يفتقرن لأبسط أساسيات الحياة كالماء والطعام والغاز اللازم لتدفئته من أجل الحفاظ على النظافة الشخصية؛ ولكن يفتقرن أيضاً للمنتجات الصحية عموماً، والمنتجات الخاصة بالدورة الشهرية خصوصاً.

على الرغم من كمّ المعاناة التي تعيشها النساء في قطاع غزة المحاصر جراء الحرب الشرسة التي تشنها قوات الاحتلال ودخولها الشهر الثالث، فإن هناك معاناة فوق المعاناة ربما لم تخطر في بال أحد، وهي كيف تقضي هؤلاء الفتيات والسيدات فترة الدورة الشهرية وسط هذه الظروف الكارثية التي أصبح فيها الماء عملة صعبة، فما بالنا بالشُح شديد في منتجات العناية الشخصية!

تُعد فترة الدورة الشهرية واحدة من الفترات غير المُحببة عند الكثير من السيدات؛ لما يُصاحبها من تغيرات نفسية وفسيولوجية تتعرض لها الأُنثى طوال أيام الطمث، فضلاً عن تغيرات في الحالة المزاجية وآلام قد تُوصف بالشديدة عند البعض.

لكن ماذا إذا اجتمع كل ذلك مع الحرب؟!

يفوق عدد سكان غزة المليوني نسمة ويبلغ عدد الإناث نحو حوالي نصف عدد السكان، أي مليون نسمه وأكثر بحسب آخر إحصاء للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، من بينهم 540 ألف سيدة في سن الإنجاب، هذا يعني أنَّ هناك أكثر من مليون سيدة يعانين من ظروف قهرية يقضينها أثناء فترة الدورة الشهرية. 

قد يرى البعض أن هذه المأساة لا تقارن أمام القتل والجوع والهروب من القصف اليومي، وربما يرى البعض أن الفوط الصحية ليست بالغة الأهمية، وأن النساء في غزة يحتجن إلى أشياء أكثر أهمية من الفوط الصحية، لكن من الممكن أن تتغير رؤيتك للموضوع عندما تعلم أنه بسبب نقص الفوط الصحية، وبعد دخول الحرب شهرها الثالث وإعلان المتاجر والصيدليات عن نفاد الفوط الصحية، فضلاً عن عدم توافر مياه نظيفة اضطرت العديد من النساء في غزة إلى استخدام حبوب منع الدورة الشهرية لتأخير موعد الدورة الشهرية.

نساء غزة يعانين من فقدان الفوط الصحية
نساء غزة يعانين من فقدان الفوط الصحية / shutterstock

ولكن بالطبع هذا ليس حلاً، بل مشكلة أخرى، نظراً لما لتلك الممارسة من أضرار وآلام كبيرة على النساء، بالإضافة لذلك، يؤدي عدم استخدام الفوط الصحية والمياه النظيفة والاعتماد على أي أداة ملوثة مثل قطع قماش غير مغسولة جيداً إلى إحداث عدوى بكتيرية في المهبل، ويمكن أن تصل العدوى للرحم وقنوات الفالوب، وقد يحدث وقتها التهاب في الحوض، وهذا كفيل بحدوث تسمم في الدم، ما قد يؤدي بعدها إلى عدم القدرة على الحمل مجدداً.

ووفقاً لإرشادات منظمة الصحة العالمية، فإن المرأة تحتاج إلى 20 فوطة صحية بحد أدنى خلال أيام الدورة الشهرية، ومن الصحي تغييرها مرات عدة في اليوم الواحد مهما كانت كثافة الدم، لكن ذلك يعد ترفاً لنساء غزة اللاتي لا يجدن فوطاً من الأساس.

ولا يجب التذكير بأن الكثير من سيدات غزة اضطررن لاستخدام بدائل أخرى غير صحية كالقماش وغيره لمواجهة معاناتهم أثناء الحرب.

نساء غزة يعانين ويلات الحرب بكل أثقالها بجانب رجالها، ويعانين ويلات الدورة الشهرية بشكل أعنف تحت القصف. فالنزوح المستمر وعدم وجود مياه نظيفة والاعتماد على مياه البحر المالحة وساعات الانتظار للوصول إلى دورات المياه، فضلاً عن انعدام الخصوصية، فاقم أزمة النساء والفتيات اللاتي يعانين من نزيف لأسباب صحية أو أثناء فترة الحيض.

الأمر الذي دفع بعض النساء في غزة إلى مناشدة المنظمات الدولية عبر مواقع التواصل الاجتماعي وإطلاق استغاثات إنسانية لتوفير الفوط الصحية النسائية عبر المساعدات الإنسانية. ولاقت تلك الاستغاثات تفاعلاً من قِبل منظمات حقوقية، فنشرت مقاطع لتوعية المتبرعين بأهمية الفوط الصحية لضمها إلى المواد المُتبرع بها.

 إلا أن الغريب في الأمر، ظهور شريحة على وسائل التواصل الاجتماعي اعتبرت أنه من العيب الحديث عن مثل هذه الأمور على الملأ وأمام الناس، بل امتد الأمر لسخرية إحدى الناشطات من حديث نساء غزة عن الفوط الصحية وشبهته بحاجة النساء إلى مساحيق التجميل وقت الحرب.

بل تزايد الأمر أحياناً ليصل للوم نساء غزة عند حديثهن عن احتياجهن للفوط الصحية، ويبدو أنهم يتناسون الجهة المستحقة لمزايدتهم ولومهم، يتناسون من تسبب في هذا الوضع المُشين الذي منع النساء في غزة من الحصول على أبسط حقوقهن ومنع دخول المنتجات الصحية والأساسية، بل جعل من السيدات في غزة أهدافاً يستهدفها الاحتلال بكل أسلحته.

تخجل تلك الفئة من حديث نساء غزة عن حاجتها للفوط الصحية، بينما تصاب بالعمى لما حدث ويحدث بحق نساء غزة على مرأى ومسمع من العالم أجمع من قتل وقهر متعمد لهن وتنكيل ومعاملة لا إنسانية واعتداء وحشي ومحاولات للنيل من كبريائهن وحجابهن بكل الطرق، كما جاء على لسان الأسيرات المحررات.

تلك الفئة لم تجد أي حرج في متابعة تلك المأساة التي يشاهدها العالم، لكنها وجدت حرجاً من الحديث عن الفوط الصحية!

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

الاء علي
صحفية مصرية وصانعة محتوى
تحميل المزيد