بعض المصطلحات أو الدلالات لا تقدم شيئاً واضحاً يمكن التماهي معه كلما حدث أمر في أي بقعة في العالم "كالإرهاب"، فهو كمصطلح لغوي يعني الجور والتعسف والإخلال بالأمن، المصطلح ثابت والمفهوم متغير، حسب دلالته بين الشعوب أو المواقف.
واستخدَمَتْ الولايات المتحدة الأمريكية أيام الرئيس "ريجان" هذا التعبير كبداية للفظ الإرهاب حول الأحداث التي يكون طرفها مسلماً، في حين وصفت غير المسلم لفعلٍ مشابه بالاختلال العقلي في أغلب الأحوال، هذا المصطلح أصبح مفهوماً حول المسلمين في الغرب ومرتبطاً ارتباطاً بنيوياً بالمسلم؛ فعادة ما يشار إلى كل تفجير أو قتل جماعي في أوروبا أو أمريكا إلى المسلم أولاً، ومن ثم حين يتبين فاعله غير المسلم يكون السبب مختلفاً، والأمر ذاته يحدث مع لفظة معاداة السامية.
وازداد هذا المصطلح (الإرهاب) انتشاراً وارتباطاً بالمسلم بشكل وثيق بعد أحداث برجي التجارة العالميين في أمريكا عام 2001، حوربت على إثره عدة دول إما ثقافياً وإعلامياً أو عسكرياً كأفغانستان، كما اغتيل العديد من قيادات القاعدة "المتهمة الأولى" في هذا الحدث كأسامة بن لادن وبعض رفاقه، وسجن بعضهم في سجون تخلو من الإنسانية في غوانتنامو، هذا الأمر جعل مسألة الإرهاب أكثر قبولاً في المجتمعات الغربية كمفهوم مرتبط بالمسلم، سواء في أمريكا أو أوروبا أو حتى في بعض الدول المسلمة التي مورس عليها ضغط إعلامي كبير.
وعلى إثره تمت تسمية القاعدة كمنظمة إرهابية، وتبعتها عدة حركات تحرر وجماعات وجمعيات وأحزاب ومجموعات وتكونات مسلمة لتشمل مجموعة واسعة من الدول العربية والإسلامية، ونجح الغرب في محاصرة الفكرة ورميها في ساحة الإسلام، فلا يستطيع أحد التحرك منها إلا قبضت وأحيط بها من قبل النظام المحلي، بل تم تمويل عمليات ردع ما يقال عنهم "متطرفون" أو "إرهابيون" من قبل الدول الكبرى كأمريكا، حتى النخب الثقافية والسياسية أصبحت في نفس المسار وحسب تصنيفات ومفاهيم الغرب للمسألة.
هذه النخب هي نفسها التي تعطي لإسرائيل ذريعة التنكيل بشعب فلسطين الأعزل، تقتل وتدمر فتغض الطرف عن أفعالها لتضع أمامها ما فعلته حركة "حماس" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لماذا؟ لأنها مصنفة حركة إرهابية، هذه السطوة الغربية دخلت من باب الأعمال التي تقوم بها هذه الحركة بين فترة وأخرى في إسرائيل؛ بغية الإخلال بالأمن والحصول على بعض المكاسب على الأرض، لذا قُسمت أعمال العنف بين أعمال مستأنسة تصدر من قوم مسالمين (إسرائيل) ضد أقوام همجيين (حماس) همهم إرهاب الناس وقض مضاجعهم.
الحقيقة أن هذه النخب فهمت المسألة عكس مسارها، أو بمعنى آخر عكس ما ينبغي لها أن تفهم؛ فلا يمكن بأي حال أن تمضي دولة إسرائيل في تاريخها الدموي بفلسطين منذ 1948 وحتى اليوم إلى طريق مفروش بالمسالمة والسلام، الحقيقة أن انبثاق دولة غير موجودة على أرض عربية انبثاق غير بريء، ولا يمكن رد الصراع الحالي إلى "اعتداء حماس الإرهابي على أقوام مؤمنين يحتفلون بأعيادهم"، هذه مغالطة كبيرة، وأعتبره سيطرة أفكار غربية على عقول هذه النخب وما يرددون إلا إملاءات أحبت أن تعيش بسلام ناقص عقل ودين.
الشعوب رهينة بماضيها، فإذا كانت تؤمن به ستعرف يوماً أنها مخطئة باعتقاد أن إسرائيل ليست أكبر إرهابية في العالم، أحدثت القلاقل والدمار منذ الثلاثينات (أثناء الانتداب البريطاني وقبل تشكلها) في أرض فلسطين ثم اشترت الأراضي، ثم سكن عدد كبير من اليهود الأراضي المقدسة، ثم حدث أمر مروع بإخراج الناس من بيوتهم واستحلالها ثم تهجيرهم، ثم افتعال حروب أدت إلى مجازر ومآسٍ كبرى، والوضع سجال حتى يومنا هذا، ومن المعيب نسيان كل هذا ولا نصنفها نحن المسلمين كدولة إرهابية، بينما حماس وفصائلها مقاومة مشروعة تعمل لدحر الاحتلال الإسرائيلي حالها حال أي مقاومة وضمن إطار الشرعنة الدولية.
لا يمكن أن أقف مع الأشياء التي لا تستقيم رغم أني لا أنتمي لأي جماعة أو منظمة، مستقل كما يقال، لكني أؤمن تماماً أن الأحقية أصبحت اليوم لأصحاب الأرض، والاحتلال لن يستمر مهما وصل عدد سنوات وجوده بيننا، وإلا علينا إقامة الحجة على الإسبان فقد أخذوا الأندلس وغيرها التي عشنا بها أكثر من سبعة قرون.
للإرهاب صور عديدة كانت تقوم به إسرائيل وما زالت، فقبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول بسنوات وأيام كانت إسرائيل تقوم بما يقوم به الإرهاب (المصطلح الثابت) من جور وتعسف، تحاصر غزة وهناك سفن وأفراد من دول عدة حاولوا كسر الحصار، إسرائيل تمنع المصلين الوصول للمسجد الأقصى، ثم اقتصرت على كبار السن، ثم منعت، وهكذا لا تمر مدة بسيطة إلا مُنع المصلون الوصول إليه.
إسرائيل تعتقل بشكل يومي مواطني فلسطين وتزجّ بهم في السجون دون تهمة أو محاكمة، إسرائيل تعذب المساجين، مارست إسرائيل تجويع أهل غزة قبل اندلاع هذه الحرب، وتفعل باستمرار برقابة مشددة على كل شيء حتى ألعاب الأطفال والحلويات، تمنع هذا وتفرج بشكل محدود عن بعضها.
مسائل الانتقال بين بلدات فلسطين في غاية الصعوبة والخطورة، محدودية التجارة للفلسطينيين والتضييق على الموجودين منهم، التضييق في مسائل البناء والتعمير، حرق المحاصيل الزراعية وغيرها، أليس هذا إرهاباً؟!
باعتقادي لم يتم تعريف الإرهاب بالشكل الصحيح، تعريفهم الإخلال بالأمن والتعسف أمر بسيط لا يجرؤ لأحد من الأفراد القيام به أصلاً إلا بعد فيض إرهاب من الجانب الآخر، وهو ما تفعله اسرائيل طوال تلك السنين، إسرائيل تخل بأمن الفلسطيني، وقراراتها تعسفية، تخرب كل ما يمت للحياة بصلة، وتمارس إرهاباً حقيقياً ممنهجاً ومدروساً ثم أيضاً تقوم بالقتل والاغتيالات.
تصريح وزير خارجية إسرائيل باغتيال بعض زعماء حماس (فضلاً عن محو حماس) إرهاب شديد في حد ذاته، كما الوعيد والتهديد بأنهما لن يموتا موتاً طبيعياً، وفي نفس هذا السياق وعلى طول هذا المنحى سيُعتبر أي حديث مشابه لهذا التصريح من قبل حركة حماس له ولقادة إسرائيل إنما هو الإرهاب بعينه، وستظهر إسرائيل في تهديد حماس صاحبة الحق، وعلى الآخرين مدها بما يجب من آلات حرب ومعدات لقتلهم، في القول الأول؛ فجريمة الإرهاب متحققة لكنها ذهبت لإرهابيي حماس!، مما يعطي التصريح تحضراً وأحقية.
أنصار الله اليمنية في طريقها لتُضَم إلى قائمة الإرهاب؛ لأنها هددت مصالح الإسرائيليين فقط، أرادت اليمن الوقوف ومناصرة غزة بسبب إرهاب إسرائيل عليها، وكأنهم يقولون: دعنا نضرب المسلم وعليك أن تحيد عن هذه المسألة؛ لأنها لا تخصك، هذا منطق الإرهاب الحقيقي وهذا هو الهدف من تقسيم الدول العربية والإسلامية، ذلك أن منطقنا غاب عنهم بسبب الأنظمة لا بسبب آخر.
قُلِبَت المصطلحات ودججت المفاهيم بالسلاح والقوة الفجة، فأصبحت لصالح الإرهابي الحقيقي، ورغم الشعوب التي صدحت بالحق في أوروبا وأمريكا أثناء الحرب الدائرة الآن بين إسرائيل وحماس غزة وما زالت، إلا أن مفهوم الإرهاب بقي بعيداً عنهم (وحتى معاداة السامية)، ولو أن عربياً أو مسلماً صرح باعتراضه لما يجري بغزة لأصبح ضمن دائرة الإرهاب يطبق عليه القانون، وربما يبعد وتسحب عنه حقوقه.
المسلم الحق لا يعتدي إلا إذا تم الاعتداء عليه وتهديده في عيشه ومعاشه، ومورس عليه الإرهاب، وتم التضييق عليه في ممارساته اليومية، هذا هو المسلم؛ فماذا عنكم؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.